استقطابات انتخابات الجزائر: يسار وإسلاميون ووطنيون و"فرانكفوبربر"

04 فبراير 2019
بدأ المقري يحشد حوله أنصار التيار الإسلامي (فرانس برس)
+ الخط -
تتجه الانتخابات الرئاسية في الجزائر، والمقررة في 18 إبريل/نيسان المقبل، إلى رسم مؤشرات استقطاب واصطفاف سياسي وإيديولوجي يعيد إلى الواجهة تقسيمات الأسر السياسية في البلاد بين تيار إسلامي، وكتلة وطنية، وتيار ديمقراطي وآخر يساري، على الرغم من الانقسامات الحاصلة داخل هذه الأسر السياسية نفسها. ومع قرب موعد الحملات الانتخابية، المقرر أن تبدأ في 23 مارس/آذار المقبل، تتزايد المخاوف من إمكانية عودة هذا الاستقطاب، خصوصاً مع بروز واتضاح المواقف والتحالفات السياسية بين المرشحين ومختلف الأطراف، وسط مخاوف من استدعاء ملفات وقضايا ومواقف سابقة تخصّ المرشحين لإحراجهم أمام الرأي العام والناخبين في الجزائر.

ويظهر فحص للمجموعات السياسية المجتمعة حول أبرز المرشحين المحتملين للرئاسة في الجزائر، تجمّع "الكتلة الديمقراطية والتقدمية" حول المرشّح، اللواء السابق في الجيش علي غديري، والذي ضمّ إلى صفوفه ناشطين سابقين وحاليين في أحزاب وتنظيمات من التيار الديمقراطي و"الحركة الثقافية البربرية" والفرانكفونيين وبعض النقابات المستقلة. كما حصل غديري على دعم واضح من صحف كبرى ناطقة باللغة الفرنسية وتتبنّى الخط الديمقراطي التقدمي، مثل "الوطن" و"ليبرتي"، وقد تشكّل فريقه أساساً من كوادر من هذا التيار.

أمّا المرشّح عبد الرزاق المقري، رئيس حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، فبدأ يحشد حوله أنصار التيار الإسلامي والتنظيمات الطلابية المنتمية لهذا التيار، خصوصاً أنّ الحركة التي خرجت من إطار التحالف الرئاسي في يونيو/حزيران عام 2012، عادت للمنافسة على الرئاسة للمرة الأولى منذ 24 سنة. ويحاول مقري الحصول أيضاً على دعم كتلة "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة من النشاط السياسي.

إلى ذلك، تتجمّع قوى ونقابات ومنظمات التيار الوطني، وفي مقدمتها "جبهة التحرير الوطني"، وهي في الغالب تنظيمات تدعم خيارات السلطة، حول المرشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بينما تتوجّه الزعيمة اليسارية، لويزة حنون، إلى تمثيل العائلة اليسارية في هذا الاستحقاق المقبل.

ومع وجود مجموعات سياسية وطنية وديمقراطية وإسلامية ويسارية أيضاً، خارج اللعبة الانتخابية، بسبب عدم اقتناعها بهذه الانتخابات وقرارها بمقاطعتها، فإنّ بروز خارطة الكتل السياسية على نحو يعيد بعث التقسيمات التقليدية للأسر السياسية في الجزائر إلى إسلامي وديمقراطي ووطني، يؤشر إلى توجّه الساحة الانتخابية نحو استقطاب لافت في الخطاب. وقد بدأت تظهر بوادر هذا الخطاب مع أول تصريحات عدد من المرشحين، بينهم غديري، الذي تحدّث عن "الحداثة والمساواة، والقطيعة مع النزعة التسلطية والماضي (في إشارة إلى النظام الحاكم)"، ليردّ عليه رئيس الحكومة أحمد أويحيى، الموالي لبوتفليقة، بشكل حاد، فيما استدعى إسلاميون مواقف غديري من توقيف المسار الانتخابي عام 1992.




وفي السياق، رأى الناشط السياسي والقيادي في حركة "مجتمع السلم"، أحمد صادوق، أنّ "بوادر الاستقطاب السياسي ظهرت بوضوح من خلال الكتلة الديمقراطية التي تجمّعت حول غديري". وقال في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ "هذا الاستقطاب بدأه من تجمعوا حول المرشح غديري"، مضيفاً أنّ "المجموعة التي سيطرت عليه لها توجهات ومواقف حادة، والواضح أن قوى من التيار الديمقراطي المكوّن أساساً من الفرانكفوبربري (في إشارة إلى التيار الفرانكفوني والناشطين في الحركة الثقافية البربرية) اختارت مرشحها الرئاسي، رغم أنّ هذا التكتل لا يستهدف في الوقت الحالي الإسلاميين، بل يستهدف النظام".

ومع مؤشرات هذا الاستقطاب السياسي التي قد تفرضها الخطابات الانتخابية وضرورة إعلان مواقف إزاء عدد من الملفات والقضايا الخلافية بين الإسلاميين والوطنيين والديمقراطيين، ولا سيما في ما يتعلّق بقضايا المرأة والحريات وطبيعة النظام السياسي والملكية الخاصة والعدالة الانتقالية وملفات عالقة من زمن العشرية السوداء في التسعينيات، يكون جديراً طرح سؤال مركزي هو: من المستفيد من إعادة إنتاج هذا الاستقطاب بعد سنوات حدثت فيها تجارب هامة للتقارب بين أقطاب التيار الإسلامي والوطني والديمقراطي، سواء داخل إطار السلطة، حيث اجتمع حزب "جبهة التحرير الوطني" وحركة "مجتمع السلم" و"التجمع الوطني الديمقراطي" ضمن التحالف الرئاسي بين عامي 2003 حتى عام 2012، أو في إطار المعارضة، كما في "تنسيقية التغيير" و"الانتقال الديمقراطي"  التي جمعت أحزاباً يسارية وديمقراطية وإسلامية ووطنية؟

وفي هذا الإطار، اعتبر الناشط والقيادي في حزب "جيل جديد" (تقدمي)، إسماعيل سعداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "عودة الاستقطاب السياسي تصبّ في مصلحة السلطة السياسية في الجزائر، والتي كانت دائماً متخوّفة من تجارب التقارب السياسي التي حدثت بين قوى من التيارات الإسلامية والوطنية والتقدمية الحداثية، التي أنتجت مثلاً ما يعرف بوثيقة مزفران، حيث انتبهت كل هذه القوى إلى أنّ خلافاتها السياسية والمرجعية ليست حائلاً دون تنسيق المواقف وتوحيد الخطوات لإحداث التغيير السياسي". وأضاف سعداني أنّ "السياسة المنتهجة من طرف النظام الذي كرّس الرداءة من خلال الجهويات الضيقة، تحاول توفير مناخ لإعادة إنتاج العصبيات السياسية، (إسلاميين وديمقراطيين ووطنيين)، وإعادة الاستقطاب الحاد بين هذه القوى، لأنّ ذلك يفتح الطريق واسعاً أمام السلطة للاستمرار في الهيمنة على الخيارات السياسية للبلاد".

لكنّ بعض المراقبين يقللون من حدّة الاستقطاب السياسي المتوقّع خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، على خلفية مخاوف ومحاذير مشتركة بشأن عدم دفع الساحة السياسية إلى حالة انزلاق، قد تعيد ملامح الخطاب الحاد والعنيف، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي.

فالناشط السياسي سعيد مرسي لا يرى بوادر واضحة لعودة الاستقطاب السياسي بين الإسلاميين والديمقراطيين والتيار الوطني، معتبراً أنّ القوى السياسية في الجزائر "نجحت خلال السنوات الأخيرة في تجاوز هذه التقسيمات". وتابع، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "بعيداً عن الأحزاب المنظمة، توجد حوارات إيجابية في هذا الاتجاه خارج دوائر الأحزاب، وحتى مع مؤسسة الجيش"، مشيراً إلى أنّ "هناك أكثر من تيار سياسي ليس في مصلحته العودة إلى حالة الاستقطاب. فالتيار الإسلامي والذي كان طرفاً أساسياً في أزمة التسعينيات، لا يرغب في ذلك، ويأخذ حذره من حدة الخطاب السياسي الذي قد يعيد إنتاج انزلاقات سياسية. والتيار الديمقراطي هو أيضاً متخوّف من زخم إسلامي جديد قد يكتسح الساحة، ومن أن يحدث بينه وبين التيار الوطني تحالف سياسي يحتكر السلطة ويتقاسمها. وهو ما يدفعه (التيار الديمقراطي) إلى المبادرة إلى فتح قنوات حوار لإيجاد مساحات تفاهم مع التيارات الأخرى".