يتظاهر الجزائريون، للجمعة الحادية عشرة على التوالي، وقبل أيام من شهر رمضان، تعبيراً عن تصميمهم على مواصلة حركة الاحتجاج التي بدأت في 22 فبراير/ شباط الماضي، وسط تخوّف من تراجعها مع بداية شهر الصوم، والقلق من تأخر الاستجابة لمطالب رحيل رموز النظام وبدء مرحلة انتقالية.
وأغلقت السلطات الجزائرية، للأسبوع الثالث على التوالي، المداخل الثلاثة للعاصمة لتعطيل دخول والتحاق المتظاهرين بمسيرات الجمعة، بحجة "الاعتبارات الأمنية". ونشرت السلطات حواجز للدرك الوطني عند منافذ العاصمة، لا سيما الشرقية منها التي تربطها بولايات منطقة القبائل القريبة، شرقي الجزائر، مثل تيزي وزو وبومرداس والبويرة.
وعانى المواطنون من طوابير طويلة على طول الطريق السيار بين منطقتي الأخضرية والعاصمة، وأفاد عبد المجيد غريب، وهو أستاذ سابق، بأنّه قضى أكثر من ساعتين في مدخل العاصمة، بسبب الازدحام الناتج عن حواجز الدرك الوطني.
وانتشرت حواجز أيضاً في الطريق السيار عند المدخل الجنوبي للعاصمة الذي يربطها بولايات البليدة والمدية وغربي البلاد، إضافة إلى تعزيز الحواجز الأمنية في المدخل الغربي الذي يربط العاصمة الجزائرية بولاية تيبازة.
وانتقد ناشطون الإجراءات الأمنية، واعتبروها إخلالاً وانتهاكاً لحق التنقل، وقال الأستاذ الجامعي رضوان بوجمعة إنّ "غلق أبواب العاصمة على الجزائريين والجزائريات هو شكل من أشكال تهديد النسيج الاجتماعي. والتضامن الوطني يفرض مواصلة النضال حتى رفع هذه الإكراهات والضغوط وتحرير الفضاءات العامة".
وكان مسؤول أمني رفيع قد أكد، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، أنّ غلق العاصمة والحد من دخول المتظاهرين "يرتبط بحسابات أمنية والسعي لإبقاء حالة توازن بين مجموع القوة الأمنية بمختلف تشكيلاتها الموجودة في العاصمة، والعدد الممكن المكافئ من المتظاهرين الذي يمكن التعامل معه، وتأطيره في أسوأ الحالات وفي حال حدوث انزلاقات".
وبرغم هذه الحواجز، نجح عدد من المتظاهرين بالوصول إلى قلب العاصمة الجزائرية، للمشاركة في مسيرات الجمعة الحادية عشرة، وتجمّعوا، منذ صبيحة اليوم، بساحة البريد المركزي بقلب العاصمة الجزائرية، وساحة موريس أودان، رافعين العلم الوطني وشعارات تطالب برحيل النظام وتنتقد مماطلة السلطة والجيش في الاستجابة لمطالب الشعب.
وداخل مقر حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، في شارع الشهيد ديدوش مراد، تجمع شباب وطلبة ينتمون إلى الحزب، وانقسموا إلى مجموعات تقوم بتجهيز الشعارات وكتابة اللافتات التي سترفع في المسيرات، فيما يباشر آخرون تعليق لافتات مطبوعة تتضمن صوراً وشعارات على شرفات المنازل في الشارع نفسه، تشير إحداها إلى رفض التدخل الأجنبي.
ومنذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في 2 إبريل/ نيسان، ما زال المحتجون يطالبون برحيل "النظام" الحاكم بكل رموزه، ويرفضون أن يتولّى رجال رئيس الدولة السابق إدارة المرحلة الانتقالية أو تنظيم انتخابات الرئاسة لاختيار خليفته. وتشمل هذه الرموز رئيس الدولة الانتقالي عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي.
في المقابل، يدعم الجيش ورئيس أركانه الفريق أحمد صالح، تنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو/ تموز.
وخلال الأسبوع أطلق صالح تصريحين. فقد استبعد، الثلاثاء، أي حل للأزمة "خارج الدستور"، ودعا، الأربعاء، الأحزاب والشخصيات إلى الحوار مع مؤسسات الدولة القائمة وحذر من الوقوع في العنف.
وشهد الأسبوع الذي تبع الجمعة العاشرة من الاحتجاجات، مثول شخصيات مهمة أمام القضاء بشبهة الفساد، في سلسلة تحقيقات ضد رجال أعمال نافذين ومسؤولين كبار في الدولة، انطلقت مباشرة بعد رحيل بوتفليقة.
والثلاثاء، استجوبت النيابة لعدة ساعات رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، الذي شغل المنصب أربع مرات منذ 1995، منها ثلاث مرّات في ظلّ رئاسة بوتفليقة، في قضايا تتعلّق بـ"تبديد المال العام والحصول على امتيازات غير مستحقّة"، ولم تصدر أي معلومات عن مسار التحقيق.
واستجوب القضاء أيضاً، المدير العام للأمن الوطني السابق اللواء المتقاعد عبد الغني هامل لمرتين، الخميس، في قضية محاولة إدخال 700 كلغ من مخدر الكوكايين، وقبلها مثُل أمام القضاء بشبهات أبرزها "استغلال الوظيفة من أجل امتيازات غير مستحقة".
وفي اليوم نفسه، مثُل وزير المالية الحالي ومحافظ البنك المركزي سابقاً محمد لوكال، أمام النيابة للاستماع لأقواله بشأن قضايا مرتبطة خصوصاً بـ"تبديد أموال عامة".