وضعت التظاهرات التي عمت أغلب محافظات العراق أخيرا، السلطة القضائية بدائرة الاتهام من جديد، بعد إقامة مئات الدعاوى القضائية ضد مسؤولين حكوميين وقيادات أمنية، وجهات سياسية وحزبية ومليشياوية، وشخصيات مختلفة، بتهم قتل المتظاهرين والتسبب بذلك أو التحريض عليهم.
ولا يبدو مع التقادم الزمني لتلك الدعاوى، أن القضاء يتعامل بجدية معها، ولا سيما أنه أصدر مذكرات اعتقال ضد شخصيتين فقط، وهما ليستا من مسؤولين حكوميين، ما يعني أن القضاء يتعامل بتصنيفات مختلفة لتلك الدعاوى وفقا لقوة ونفوذ الشخصية والجهة المقامة ضدها، بحسب ما رآه ناشطون وخبراء قانونيون.
وخلال اليومين الأخيرين أصدر القضاء العراقي مذكرتي اعتقال بتهمة "التحريض" على قتل المتظاهرين، بناء على دعاوى أقامها ناشطون مدنيون ضدهم. وكانت المذكرة الأولى ضد المحلل السياسي، نجاح محمد علي، الذي دعا في تغريدة على حسابه بـ "تويتر"، إلى قتل المتظاهرين في المطعم التركي.
كما أصدر القضاء، مذكرة قبض أخرى بحق الشيخ مزاحم الحويت، وهو زعيم قبلي يقيم في كردستان العراق، بعدما وصف المتظاهرين في تغريدة له بأنهم "أولاد غير شرعيين".
المذكرتان اللتان صدرتا بشكل قانوني ومن دون تأخير، وضعتا السلطة القضائية بدائرة الاتهام من جديد، سيما أن الشخصين يتواجدان خارج سلطة القضاء العراقي، فالأول يقيم في لندن، والثاني في إقليم كردستان العراق.
وقال الناشط المدني، ليث العتابي، لـ"العربي الجديد"، إن "السلطة القضائية تحاول من خلال هاتين المذكرتين ذر الرماد في العيون، على اعتبار أنها أصدرت دعاوى أقامها ناشطون ومتظاهرون، لكنها تغفل الدعاوى الأخرى، التي أقيمت ضد المسؤولين المباشرين عن قتل المتظاهرين، والاعتداء عليهم، والتي شفع بعضها بأدلة وتسجيلات فيديو تؤكد تورطهم بتلك الجرائم".
ومضى قائلا: "أعرف ناشطين ومتظاهرين أقاموا قبل فترات دعاوى ضد قيادات أمنية ومسؤولين كبار، لكن لم يبت القضاء بها حتى اليوم"، متهما السلطة القضائية بـ"عدم الحيادية وأنها تنصاع للحكومة في عملها".
مسؤولون قضائيون يؤكدون من جهتهم تسلم المحاكم العراقية مئات الدعاوى، التي أقامها ذوو ضحايا التظاهرات، وأن أغلب تلك الدعاوى كانت ضد مسؤولين حكوميين وقيادات حزبية ومليشياوية.
وقال قاض في إحدى المحاكم العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "أغلب قادة الشرطة في المحافظات التي تشهد تظاهرات أقيمت ضدهم دعاوى بالقتل والتحريض، كما أقيمت دعاوى ضد وزير الداخلية باعتباره المسؤول عن الأوامر بالقتل وتنفيذها، كما أقيمت دعاوى ضد ضباط وعناصر بالشرطة وعناصر بالحشد الشعبي، وغيرهم"، مبينا أن "أغلب تلك الدعاوى لم يبت بها القضاء، وهي بانتظار أوامر من الجهات العليا (رئيس الحكومة)".
وأكد أن "السلطة القضائية لا تستطيع التعامل مع تلك الدعاوى بمعزل عن الوضع السياسي، إذ إنها تتواصل مع رئيس الحكومة بشأنها، فإصدار تلك الأوامر سيجعل من الجهات الأمنية غير قادرة على حفظ الأمن والتصدي لأي اعتداءات تقع داخل التظاهرات، لذا فقد تم تأجيل البت بها"، مرجحا "عدم إصدار أي أمر يطاول المسؤولين".
ويؤكد خبراء قانونيون ضرورة أن تخلي المؤسسة القضائية مسؤوليتها عن تلك الدعاوى. وقال الخبير القانوني يحيى البياتي، إن "السلطة القضائية تورط نفسها وتسيء لسمعتها من خلال عدم التعامل المهني مع الدعاوى القضائية"، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أنه "يتحتم على السلطة القضائية أن تصدر أوامر القبض وفقا لتلك الدعاوى، وإذا أرادت الحكومة تعطيل الأوامر، فلتعطلها، وتتحمل هي (الحكومة) المسؤولية القانونية، لا أن تتحمل السلطة القضائية ذلك".
وأشار إلى أن "السلطة القضائية خسرت سمعتها بشكل واضح، من خلال تعاملها غير الحيادي مع ملف التظاهرات الحالي".