تخوض المعارضة السورية معركة وجود في الجنوب السوري، رافضة إجراء أي تسوية مع الجانب الروسي ستكون أقرب إلى الاستسلام، على الرغم من أن المعطيات السياسية لا تصب لصالحها، خصوصاً بعد تخلي الأميركيين عنها، إلا أنها تؤكد قدرتها على الصمود وجرّ النظام السوري وحلفائه إلى معركة استنزاف طويلة الأمد ستكون مكلفة عليه. في المقابل، لم تتأخر روسيا في استحضار شعار "الإرهاب" لتبرير هجومها مع النظام والمليشيات على تلك المنطقة، مصعّدة قصفها الذي يدفع ثمنه المدنيون، الذين سقط العشرات منهم خلال أيام قليلة، فيما يحاول آخرون النجاة عبر الفرار من مناطقهم باتجاه الحدود مع الأردن، الذي أكد أنها ستبقى مغلقة، بما يزيد من المخاطر على هؤلاء المدنيين.
وأعلن جيش النظام أمس الثلاثاء، عبر وكالة "سانا" الحكومية، "انطلاق عملية التمهيد الناري أمام تقدم الوحدات العسكرية في القطاع الجنوبي الشرقي من مدينة درعا". وتعمل وحدات الجيش، وفق "سانا"، على "قطع طرق وخطوط إمداد الإرهابيين بين منطقة طريق السد ودرعا البلد باتجاه الحدود الأردنية".
ومع احتدام معارك الكر والفر في جنوب سورية، يبدو واضحاً أن قوات النظام وحلفاءها تسعى لتقطيع أوصال المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والتي ترد عبر "الكمائن" لإطالة عمر المعركة. وفيما أعلنت روسيا انتهاء اتفاق وقف التصعيد في الجنوب السوري، الذي كان قد أبرم بين موسكو وعمّان وواشنطن مع رضى تل أبيب، يبدو أن هذا الجنوب بات مقبلاً على كل الاحتمالات، بما فيها مواجهة واسعة النطاق تؤكد المعارضة أنها قادرة على الصمود فيها.
وعن الخيارات العسكرية المتاحة أمام فصائل الجيش الحر وإذا ما كانت تنوي الاتجاه للهجوم، أوضح الجباوي أنه "حتى الآن لم يتقرر ذلك بعد. نحن نتشاور"، مؤكداً أن الجيش الحر امتصّ هجوم قوات النظام، مضيفاً: "الهجوم شرس والتعزيزات للمليشيات قوية جداً".
وكانت وكالة النظام الرسمية "سانا" قد قالت، أمس الثلاثاء، إن قوات النظام ومليشيات تساندها تقدّمت في جنوب سورية على حساب فصائل المعارضة، وسيطرت على بلدتي بصر الحرير ومليحة العطش في ريف درعا الشرقي. كذلك أعلن "الإعلام الحربي المركزي" التابع لـ"حزب الله" اللبناني أن قوات النظام تقدّمت في بلدتي بصر الحرير ومليحة العطش ومنطقة اللجاة، "وهو التقدّم الأوسع من نوعه للنظام في درعا"، منذ بدء الحملة العسكرية واسعة النطاق التي تشنها هذه القوات منذ 19 يونيو/ حزيران الحالي.
ولا تزال فصائل المعارضة عند موقفها الرافض إجراء تسوية مع الجانب الروسي هي أقرب إلى "الاستسلام"، كما جرى في حلب ومناطق في ريف دمشق، أبرزها الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي. وترى الفصائل أنها قادرة على امتصاص الهجوم والبدء بهجوم معاكس، معتمدة على عشرات آلاف المقاتلين المحترفين الذين يمتلكون أسلحة ثقيلة وحاضنة اجتماعية.
وقال المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن معركة الجنوب فُرضت على الجيش الحر "ولم يخترها"، مضيفاً: "الوقائع السياسية والعسكرية تشير إلى أنها لصالح النظام، فمن الواضح أن هناك تفاهماً روسياً أميركياً إسرائيلياً حول المعركة"، مستدركاً بالقول: "لكن المعطيات العسكرية الميدانية هي لصالح مقاتلي المعارضة الذين يدافعون عن أرضهم ويعرفون جيداً تضاريس المنطقة وحيثيات مسرح العمليات القتالية بعكس قوات النظام، ومن الواضح أن الجيش الحرّ اختار المواجهة".
وأشار رحال إلى أن قوات النظام "تحاول تقطيع أوصال الجنوب لسهولة القضم"، مضيفاً: "تحاول هذه القوات فصل منطقة اللجاة عن باقي المناطق، ولكنها تواجه صعوبة كبيرة في ذلك". وأوضح أن هدف قوات النظام الوصول إلى الحدود الأردنية وحدود الجولان السوري المحتل، مشيراً إلى أن الطيران الروسي يتّبع استراتيجية طبقها في الشمال السوري وفي ريف دمشق وهي ضرب المراكز الحيوية، خصوصاً المستشفيات والمراكز الصحية ومخازن الأسلحة. وأعرب عن اعتقاده بأن المعارضة تتّبع أسلوب استنزاف القوات المهاجمة لإطالة عمر المعركة "وهو أمر لا تتحمّله روسيا وإيران، خشية ردود الفعل الدولية"، لافتاً إلى أن قوات النظام تحاول تحقيق "قفزة" نوعية في المعارك قبل أن تتدخل أطراف إقليمية ودولية لإيقاف هذه المعارك والتوصل لحل سياسي.
ويواصل المسؤولون الروس سَوق المبررات لتبرير توفير موسكو غطاء جوياً لقوات النظام، إذ زعم نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين أن أكثر من 40 في المائة من مساحة منطقة خفض التصعيد جنوب غربي سورية تحت سيطرة من سماهم بـ"الإرهابيين". وأضاف: "لا يمكن أن يكون هناك أي وقف لإطلاق النار مع الجماعات التي يعتبرها مجلس الأمن الدولي تنظيمات إرهابية". وأشار إلى أن "الولايات المتحدة بعد إقامة منطقة خفض التصعيد هذه، وخلافاً لالتزاماتها، لم تفعل شيئاً لدعم محاربة الإرهابيين"، مضيفاً: "مناطق خفض التصعيد لم تنشأ من أجل تقسيم دولة عضو في الأمم المتحدة وتثبيت وجود الإرهابيين هناك".
من جهتها، أعلنت القاعدة الروسية في منطقة حميميم في الساحل السوري "انتهاء فترة خفض التصعيد جنوب سورية"، زاعمة أن السبب يرجع إلى خرقها ممن سمتها بـ"الجماعات المتطرفة والمجموعات المسلحة غير الشرعية التي تعمل ضد القوات السورية"، وفق تعبيرها. وكان قد عُقد، منتصف العام الماضي، اتفاق أميركي روسي أردني بشأن وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، الذي يضم محافظات درعا والقنيطرة، بعدما أُدرجت هذه المنطقة في اتفاق أستانة، برعاية روسيا وإيران وتركيا، كإحدى مناطق "خفض التصعيد" الأربع في سورية.
إلى ذلك، تتعمّق مأساة عشرات آلاف المدنيين جراء العمليات العسكرية والقصف الجوي المتواصل، إذ قُتل أكثر من أربعين مدنياً جراء القصف على محافظة درعا خلال الأيام الأخيرة. كذلك أعلنت الأمم المتحدة أمس أن القتال دفع ما لا يقل عن 45 ألف شخص للنزوح من منازلهم في جنوب غرب سورية والاتجاه صوب الحدود مع الأردن. وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للمنظمة الدولية، بتينا لوشر، خلال إفادة صحافية، "نتوقّع أن يزيد عدد النازحين إلى أكثر من المثلين مع تصاعد العنف".
وفي السياق، وصفت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة، تصعيد النظام وروسيا العسكري في درعا بـ"جريمة بحق الإنسانية، وتقويض للحل السياسي". ودانت في بيان لها أمس هذا العدوان، محمّلة "النظام وحليفيه الروسي والإيراني المسؤولية، في وقت التزمت فيه فصائل الجيش الحر باتفاقات وقف التصعيد". واعتبرت أن "إصرار تلك الأطراف (روسيا والنظام وإيران) على المضي قُدماً في سياسة التدمير والقتل والتهجير القسري للمدنيين"، يستهدف "تقويض ما تبقّى من العملية السياسية والدفع باتجاه استمرار منظومة الجريمة والاستبداد".
وتواصل الهيئة اجتماعاتها في العاصمة السعودية الرياض، وأكد المتحدث باسمها يحيى العريضي لـ"العربي الجديد"، أن تطورات الجنوب السوري استحوذت على مجمل جلسات الاجتماع الذي بدأ الإثنين "لما يمثّله الوضع الحالي من خطورة التصعيد الحاصل من قبل النظام وداعميه وسلبية المجتمع الدولي واكتفائه بالصمت والتخلي عن واجباته تجاه حماية المدنيين ومساعدة الشعب السوري"، مشيراً إلى أنه جرى أمس الثلاثاء "لقاء موسع مع بعض سفراء دول العالم في الرياض".