وأكدت الباحثة في العلوم الاجتماعية، يسرى الهذيلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تونس "عرفت عبر مختلف الفترات التاريخية عدة تغيّرات، بدءا من النظام الحبيب البورقيبي، ثم في فترة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وأيضا ما بعد الثورة في 2011، حيث تمت إعادة تشكل الطبقات الوسطى".
وأوضحت الهذيلي أن "القرار السياسي لعب دورا كبيرا في دفع توجهات البلاد؛ فالطبقة الوسطى في تونس لم تأت كنتيجة طبيعية للنظام الاقتصادي، بل نتيجة واقع وخيارات سياسية"، معتبرة أن الطبقة الوسطى "تمثل قاعدة اجتماعية ولها فاعلية، وهي كتلة لها وزنها في المجتمع".
وأشارت إلى أنه في السبعينيات، وفي "فترة الزعيم الحبيب بورقيبة تم التفكير في بناء قاعدة اجتماعية يرتكز عليها النظام، وتكون قادرة على منحه نوعا من الاستقرار. ورغم أن المنطق التحديثي للنظام البورقيبي اعتمد على النهوض بالصحة والتعليم ووضعت على ضوئه عدة سياسات لتطويع الواقع وتشكيل المجتمع، إلا أن ما يمثل الاستثناء في تلك الفترة ليس النظام الذي كانت له قدرة على فرض رؤاه، بل وجود طبقات اجتماعية تبنت عملية التحديث، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل".
وأكدت أن "الدولة الحديثة كانت لها مناهجها التي تقوم على توسيع هذه الطبقة، والتي عرفت نوعا من التمدّد، ما ساعد في إنشاء الدولة المدنية، لكنّ أثر الانقلاب الناعم للرئيس المخلوع بن علي، جعل الطبقة الوسطى تعرف نوعا من الانكماش وتعيش عدة هزات".
وبينت الباحثة أن هذه الطبقة "تم استعمالها لتأثيث البيت الداخلي للرئيس المخلوع بن علي، في حين تم احتكار السلطة والنفوذ من قبل طبقة قريبة من عائلة الرئيس وزوجته، حيث تم الاستحواذ على ثروات البلاد بعد أن أصبحت تستأثر العائلة الحاكمة بـ70 بالمائة من مدخرات تونس، وعرفت البلاد عندها عدة صعوبات أدت إلى الانفجار والثورة".
وأضافت الهذيلي أنه بعد الثورة "عاشت الطبقة الوسطى إشكالا جديدا، فهذه الطبقة لم تتعود على المخيال السياسي، لأن المجتمع التونسي لم يكن يسمح بالحديث في السياسة، والتي كانت تعتبر في عهد بن علي من المحرمات، ولكن انخراط هذه الطبقة الوسطى في الثورة وتمكّنها من إزاحة نظام بن علي جعلها تستفيق، ويحصل لها نوع من الوعي السياسي، وبدأت تخوض غمار مسائل جديدة، كالمعطى السياسي والديني".
وأوضحت أن ذلك "أعطى تشكيلة جديدة للطبقة الوسطى، وعرفت حراكا وضخ دماء جديدة في شرايينها، إلى جانب بروز فئة جديدة تتكون من المسجونين والمهجرين والمتمتعين بالعفو التشريعي، ممن انخرطوا في الطبقات الوسطى"، مؤكدة أن صعود الإسلام السياسي وعودة هذه الفئة أثرا على المردودية وعلى طبيعة الحياة.
وفي الجزائر، أعد الباحث ناصر الدين باقي، دراسة حول صراع الطبقة الوسطى وما سماه بـ"الأوليغارشية الجديدة"، وأثره على التحول الديمقراطي في الجزائر في السنوات الأخيرة، حيث بيّن أن هذا الصراع "الذي سرعان ما نما، وجاء بعد ظهور التصنيف الطبقي الجديد، عقب جملة من التحولات السياسية والأمنية والاقتصادية في الجزائر، الأمر الذي غيّر من الخارطة السوسيولوجية للجزائر، والتي ظهرت من خلالها قوى غير دستورية موازية لسلطة الدولة".
ويبين باقي أن "الأوليغارشية" الجديدة التي ظهرت بفعل السياسات التنموية والانفتاح الاقتصادي، أصبحت تسيطر على جانب كبير من الاقتصاد الجزائري، مشيرا إلى أن التصادم بين الطبقات في الجزائر أدى إلى تغيير كبير في الخارطة السياسية والاجتماعية، ويعود سببه إلى الأزمات المتعاقبة التي كادت أن تؤدي في مرحلة العشرية السوداء إلى أفول الطبقة الوسطى، لولا سياسات السلم والمصالحة التي أنهت الصراع والعنف في الجزائر.
وبين أن هذه المرحلة استغلتها نخبة معينة لتحقيق مصالحها لتبرز كقوى صاعدة تؤثر في القرار السياسي، ما أفضى إلى صراعات مع الطبقات الوسطى، والتي شهدت أوجها عقب أزمة الزيت والسكر في العام 2011، والتي تعتبر مقياسا لحجم الصراع الدائر بين هذه الطبقات.
بدوره، شهد المغرب، على غرار العديد من بلدان العالم العربي، حراكا مجتمعيا كانت له انعكاسات سياسية واجتماعية واقتصادية، تجسد من خلال حركة 20 فبراير 2011.
ويوضح الباحث عثمان لمراني علوي، من خلال دراسة بعنوان "الطبقة الوسطى في سياسات حكومة ما بعد الربيع المغربي، بين الاتهام والإقصاء والصراع من أجل البقاء"، أن حركة 20 فبراير ظهرت في البداية وكأنها صراع بين طبقات المجتمع، وأن هذا الحراك، الذي لم يصل إلى درجة المطالبة بإسقاط النظام السياسي، اكتفى بالمطالبة بإصلاحات تضمن للفئات المقهورة، وفي طليعتها الطبقة الوسطى، مكاسب تراها مشروعة.
وأضاف علوي أن أبرز الهيئات والأحزاب الممثلة لهذه الطبقة في المغرب سارعت إلى التجاوب مع الخطاب الملكي في التاسع من آذار/ مارس 2011.
وبين أن النظام سارع إلى استيعاب الحراك وتطويقه من خلال دعوة مختلف مكونات الحقل السياسي والحزبي والنقابي والحقوقي المغربي إلى المشاركة في إعداد دستور جديد وعصري للمملكة، يتجاوز منطق مركزية القرار والانفراد بالسلطات، وحظي بموافقة أغلب المواطنين في يوليو/ تموز 2011.