يسود شبه إجماع في الأوساط اليمنية المؤيدة للشرعية، على اعتبار التحاق حكومة أحمد عبيد بن دغر بقرارات السعودية والإمارات والبحرين ومصر التصعيدية ضد قطر، وإخراجها من صفوف التحالف العربي الذي يحارب في هذا البلد قوى الانقلاب، مجرد تعبير عن ترداد السلطة الشرعية لما تقرره الرياض حيث يقيم الرئيس عبد ربه منصور هادي وعدد كبير من مساعديه. لكن حتى من تفهّموا الموقف اليمني الرسمي، باعتباره التزاماً بقرار سعودي لا مجال لمخالفته في هذه الظروف بالنسبة للحكومة، فإنهم يطرحون التساؤلات حول خلفية الاتهامات الموجهة من المحور الرباعي للدوحة والزعم بأنها تدعم الحوثيين، هي التي تحارب في اليمن منذ 2015 وسقط لها عدد من الجنود بين قتيل وجريح، وتتشارك الكلفة المالية والمسؤوليات السياسية والعسكرية مع باقي دول التحالف في كل ما يتعلق بالحرب وبالسلطة السياسية الشرعية.
من هنا، لم يجد الاتهام الموجه إلى قطر بـ"التعامل مع المليشيات" أكثر من الاستهزاء والسخرية بالنسبة لكثيرين ممن يعرفون أن للمليشيات الانقلابية المذكورة صلات سياسية علنية وسرية لم تنقطع حتى الأمس القريب مع عواصم خليجية.
وكانت قيادة التحالف العربي الذي تقوده السعودية (والإمارات)، أصدر فجر الاثنين الماضي، بياناً يعلن فيه تعليق عضوية قطر في التحالف الذي أُعلن عنه في 26 مارس/ آذار 2015 بقيادة السعودية، وشنّ حملة عسكرية ضد الانقلابيين على الحكومة المعترف بها دولياً.
وتضمن بيان التحالف بتعليق مشاركة قطر اتهامات لا تختلف كثيراً عن الاتهامات الواردة في بيان الخارجية السعودية، وأبرزها في السياق، "تعاملها مع المليشيات الانقلابية في اليمن، مما يتناقض مع أهداف التحالف التي من أهمها محاربة الإرهاب".
وعقب ساعات من صدور بيان التحالف، أصدرت الحكومة اليمنية بدورها بياناً، قالت فيه إنها تؤيد الخطوات التي "اتخذتها قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن بإنهاء مشاركة القوات القطرية، وكذلك تعلن قطع علاقاتها الدبلوماسية بدولة قطر"، وتابعت "بعد اتضاح ممارسات قطر وتعاملها مع المليشيات الانقلابية ودعمها للجماعات المتطرفة في اليمن مما يتناقض مع الأهداف التي اتفقت عليها الدول الداعمة للحكومة اليمنية الشرعية".
وبالعودة إلى مختلف تصريحات ومواقف الحكومة اليمنية السابقة، بما فيها بيان صدر أخيراً يتضامن مع قطر، ونشر على وكالة الأنباء اليمنية الرسمية قبل أن تضطر الوكالة إلى حذفه، على ما بدا نتيجة ضغوط من أبوظبي والرياض، وغيرها من القرائن التي لا تحتاج إلى تأكيد كون الموقف الحكومي المعلن يمنياً ليس أكثر من التزام تجاه الدول الأربع التي تصدّرت قطع العلاقات، في حين أن بيان الحكومة اليمنية كان بديهياً، في الوقت الذي يقيم فيه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وأغلب مسؤولي الحكومة الشرعية في الرياض، وما تبقى منها في عدن تحت رحمة الإمارات، وتعتمد الحكومة أساساً على دعم التحالف، السعودية بدرجة رئيسية ثم أبوظبي.
وواجه الموقف الحكومي المعلن من قطر، ردود فعل متباينة رصدتها "العربي الجديد"، اتفقت أغلبها على أن الموقف ما هو إلا اصطفاف في الجانب الذي فيه الرياض بما هي المؤثر الأول في اليمن وتستضيف الحكومة الشرعية وأغلب مسؤوليها منذ عامين، بل إن واقع الضعف الحكومي وفقدان السيطرة على مؤسسات الدولة، جعل من بقائها وخطواتها مرهونة بما يتخذه التحالف. وهو ما يمكن استشفافه من تصريح حديث لرئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، يتحدث فيه عن أن التحالف تدخل لتسليم حماية مطار عدن الدولي لإدارة الأمن في المدينة، فيما تقف الحكومة كما لو أنها في منصب شرفي.
من جانب آخر، ذهبت بعض ردود الفعل إلى تجاهل الموقف، باعتباره في الأصل التزاماً في إطار التحالف، لكن العديد من الناشطين والمحللين السياسيين، لم يترددوا بانتقاد الخطوات الخليجية برمتها، واعتبارها استهدافاً غير مبرر، يستجيب لأهداف دولية تسعى لمزيد من الخلافات بين دول المنطقة.
إلى ذلك، وبالنسبة لموقف الأطراف اليمنية التي يقف البعض منها في مواجهة الشرعية، فقد جاء هو الآخر مثيراً للجدل، فعلى مستوى الانقلاب، انقسم موقف الحليفين، وأصدر حزب الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بياناً شديد اللهجة يرحب فيه بالخطوات الخليجية المتخذة ضد قطر، وحاول التماهي مع السعودية والإمارات باتهاماتهما، قائلاً إن ما "اتخذته دول الخليج العربية ومصر من قرارات بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر خطوة إيجابية وهامة نظراً لضلوع النظام القطري في دعم الإرهاب وإقلاق أمن المنطقة والوطن العربي".
وفي مقابل هذا الموقف، تحفّظ الحوثيون بداية في إبداء موقف رسمي، قبل ظهور رئيس ما يسمى "اللجنة الثورية العليا"، محمد علي الحوثي، بتصريح نادر قائلاً "ندين الأعمال التي تستهدف قطر ومستعدون للتعاون معها، كونهم كما عرفناهم خلال الوساطة القطرية (أثناء حروب صعدة بين عامي 2004 و2010) رجال صدق ووفاء. وننصح بإعادة النظر في التوجه لعزل قطر".
ومثلما كان بديهياً أن تعلن الحكومة الشرعية موقفاً لا يبتعد عن موقف الرياض وأبوظبي، فالأمر نفسه ينطبق على ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي تأسس أخيراً ويسعى لفصل جنوب اليمن عن شماله بدعم من أبوظبي، بإعلان المجلس ببيان مطول تأييده للقرارات التي اتخذت من دول عدة بمقاطعة قطر.
الجدير بالذكر، أن قطر كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة اليمنية عام 2011، عندما قامت الثورة الشعبية للإطاحة بنظام صالح، وأثناء حروب الحكومة اليمنية مع الحوثيين بين عامي 2004 و2010 أدت قطر دور الوساطة أكثر من مرة لإنهاء الحرب. ومنذ مطلع عام 2015 كانت الدوحة عضواً بالتحالف الذي تقوده السعودية وينفذ عمليات ضد الانقلاب، إلا أن وجودها لم يثر ضجيجاً كما هو حال أبوظبي التي انخرطت بالصراع بشكل واسع وتؤسس بشكل واضح لإعادة تقسيم اليمن.