في ظل تنافس إقليمي ودولي محموم على تأكيد الحضور العسكري في الجغرافيا السورية، أقدمت فرنسا على خطوة من شأنها ترسيخ وجودها في شرقي سورية، بنشر مدافع في دير الزور الشرقي، وهو تطور من المتوقع أن يدفع باتجاه تأزيم العلاقة بين باريس وأنقرة التي تراقب بحذر محاولات غربية لفرض إقليم ذي صبغة كردية على حدودها الجنوبية، وهو ما يعتبره الأتراك خطاً أحمر لا يسمحون لأي طرف بتجاوزه.
ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن مصادر محلية أن جنوداً فرنسيين نشروا السبت بطاريات 6 مدافع قرب قرية باغوز الخاضعة لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" المعروفة اختصاراً بـ"قسد"، وتُشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، في ريف دير الزور الشرقي. وأكدت الوكالة أن القوات الفرنسية نشرت مزيداً من تعزيزاتها العسكرية في مناطق منبج شمال شرقي حلب، والحسكة أقصى شمال شرقي سورية، إضافة إلى منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي.
وشهدت مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" شرقي نهر الفرات في الآونة الأخيرة، زيادة كبيرة في عدد القوات الفرنسية التي دخلت من العراق، إذ شوهدت وفق "الأناضول"، عشرات المصفحات تحمل جنوداً أثناء تجوّلها في مدينة منبج شمال شرقي محافظة حلب، ومحافظتي دير الزور والحسكة.
وأكدت مصادر محلية مطلعة أن وفداً عسكرياً فرنسياً، زار يوم الجمعة، موقعاً غربي مدينة الرقة، شمال شرقي سورية، بهدف إقامة معسكر أمني في المنطقة. وأوضحت المصادر ذاتها أن العسكريين قدموا من مدينة منبج، شمال شرقي حلب، والخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية، وسيعملون على إعداد كوادر استخبارية ويشرفون على تدريبها. ولا يُعد الوجود الفرنسي في سورية طارئاً، إذ تتمركز القوات الفرنسية منذ سنوات بشكل رئيسي في تلة مشتى النور جنوب مدينة عين العرب، ومنطقة صرين في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي بلدة عين عيسى، وقرية خراب العاشق في ريف الرقة الشمالي.
اقــرأ أيضاً
وتعليقاً على التطور الجديد، أشار المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن نشر بطاريات مدافع في شرقي سورية من قبل الفرنسيين "يؤكد انخراطهم أكثر في الملف السوري"، مضيفاً: "لطالما اعتبر الفرنسيون سورية ولبنان من حصتهم ومناطق نفوذهم، وهذا ما يفسر وجودهم العسكري في سورية". وأعرب رحال عن اعتقاده بأن الوجود الفرنسي ليس بديلاً عن الأميركي، مشيراً إلى أن نقطة جوية بالقرب من مدينة منبج تجمع الفرنسيين والأميركيين.
وحول تأثير الخطوة الفرنسية على العلاقات بين أنقرة وباريس، أشار رحال إلى أن هذه الخطوة "تزعج الأتراك بالتأكيد، وربما تزيد الشرخ أكثر بين البلدين"، معرباً عن اعتقاده بأن الانزعاج التركي من واشنطن "أكبر"، مضيفاً: "لكني اعتقد أن مصالح باريس وواشنطن مع أنقرة أكبر وأهم من مصالحهما مع مليشيا قوات سورية الديمقراطية".
وتعتبر أنقرة قوات "قسد" تنظيماً إرهابياً يهدف إلى إنشاء إقليم ذي صبغة كردية شمال سورية تراه أنقرة مساساً بأمنها القومي لن تسمح بقيامه، وهي قامت أخيراً بطرد هذه القوات من منطقة عفرين شمال غربي حلب للقضاء على المشروع الكردي. ولا تزال أنقرة مصرة على طرد الوحدات الكردية من مدينة منبج غربي نهر الفرات التي يحتفظ الجانب الفرنسي بوجود عسكري فيها داعم لهذه الوحدات التي تعتمد على المساندة الغربية لها لمواجهة التهديد التركي.
ولا شك أن الأتراك يراقبون بحذر ما يجري في مناطق سيطرة "قسد" والتي باتت منطقة نفوذ غربي من الممكن أن تتطور أكثر لدرجة فرض إقليم كردي يرسخ المصالح الغربية في منطقة غنية بالثروات وتُعدّ نقطة تحكّم جديدة بالشرق الأوسط. وفي السياق ذاته، جاء الإعلان الفرنسي عن تعزيز الحضور العسكري في الشرق السوري بعد تصريحات مسؤولين روس عن وجود عسكريين من عدة دول من بلدان العالم في سورية، زاعمين أنه وجود "غير شرعي حسب القانون الدولي"، مطالبين بانسحابهم.
واعتبرت القاعدة الروسية في الساحل السوري، انتشار قوات فرنسية برية في سورية "مؤشراً خطيراً في ظل عدم وجود دعوة بذلك من قبل الحكومة السورية في دمشق". وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال الجمعة إن مهمة بلاده في سورية لم تنته بعد، مشيراً إلى أن وجودها العسكري في أراضي هذه الدولة "سيستمر طالما تحتاج إليه القيادة السورية الشرعية"، وفق المسؤول الروسي.
وتسيطر "قوات سورية الديمقراطية" وبدعم أميركي مباشر، على نحو ثلث مساحة سورية، إذ تسيطر على كل منطقة شرق الفرات التي تُعد "سورية المفيدة" بثرواتها المائية والزراعية والنفطية. وتخضع أغلب محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات، لـ"قوات سورية الديمقراطية"، إضافة إلى أغلب محافظة الحسكة باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تسيطر على ريف حلب الشمالي الشرقي شرقي نهر الفرات، ومدينة منبج وجانب من ريفها غربي النهر، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تمتد من مدينة الطبقة ذات الأهمية الاستراتيجية غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.
وتحتفظ باريس بعلاقات مع قيادات كردية في سورية، خصوصاً مع قيادة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، واستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 29 مارس/آذار الماضي عدداً منهم، وهو ما أثار حفيظة أنقرة التي رفضت محاولة فرنسية لإقامة حوار بين "سورية الديمقراطية"، وتركيا. وتؤكد الحكومة الفرنسية أن وجودها العسكري في سورية يقتصر على محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم "داعش"، ولكن الأخير انحسر وجوده بشكل شبه كامل ولم يعد يسيطر إلا على نحو 5 في المائة من مساحة سورية.
وحاولت باريس فرض نفسها لاعباً رئيسياً في الملف السوري بعد مجيء ماكرون إلى السلطة، ولكن تحت المظلة الأميركية، فشاركت بالضربة الأميركية على قواعد ومنشآت نظام بشار الأسد في منتصف إبريل/نيسان الماضي. وجاءت المشاركة الفرنسية في الضربة الأميركية بعد سنوات من الانكفاء الغربي عن الملف السوري، إذ اكتفى الاتحاد الأوروبي بدور إغاثي، فيما تُركت سورية للروس والإيرانيين الذين خلقوا وقائع بات من الصعب القفز فوقها، وهو ما حوّل البلاد إلى ميدان صراع كبير له جوانب معلنة، وأخرى تدور في الخفاء في ظل مخاوف جدية تسيطر على السوريين على مستقبل بلادهم مع انعدام الأمل من التوصل لحل سياسي يمهد الطريق أمام انسحاب القوات الأجنبية.
اقــرأ أيضاً
وشهدت مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" شرقي نهر الفرات في الآونة الأخيرة، زيادة كبيرة في عدد القوات الفرنسية التي دخلت من العراق، إذ شوهدت وفق "الأناضول"، عشرات المصفحات تحمل جنوداً أثناء تجوّلها في مدينة منبج شمال شرقي محافظة حلب، ومحافظتي دير الزور والحسكة.
وأكدت مصادر محلية مطلعة أن وفداً عسكرياً فرنسياً، زار يوم الجمعة، موقعاً غربي مدينة الرقة، شمال شرقي سورية، بهدف إقامة معسكر أمني في المنطقة. وأوضحت المصادر ذاتها أن العسكريين قدموا من مدينة منبج، شمال شرقي حلب، والخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية، وسيعملون على إعداد كوادر استخبارية ويشرفون على تدريبها. ولا يُعد الوجود الفرنسي في سورية طارئاً، إذ تتمركز القوات الفرنسية منذ سنوات بشكل رئيسي في تلة مشتى النور جنوب مدينة عين العرب، ومنطقة صرين في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي بلدة عين عيسى، وقرية خراب العاشق في ريف الرقة الشمالي.
وتعليقاً على التطور الجديد، أشار المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن نشر بطاريات مدافع في شرقي سورية من قبل الفرنسيين "يؤكد انخراطهم أكثر في الملف السوري"، مضيفاً: "لطالما اعتبر الفرنسيون سورية ولبنان من حصتهم ومناطق نفوذهم، وهذا ما يفسر وجودهم العسكري في سورية". وأعرب رحال عن اعتقاده بأن الوجود الفرنسي ليس بديلاً عن الأميركي، مشيراً إلى أن نقطة جوية بالقرب من مدينة منبج تجمع الفرنسيين والأميركيين.
وحول تأثير الخطوة الفرنسية على العلاقات بين أنقرة وباريس، أشار رحال إلى أن هذه الخطوة "تزعج الأتراك بالتأكيد، وربما تزيد الشرخ أكثر بين البلدين"، معرباً عن اعتقاده بأن الانزعاج التركي من واشنطن "أكبر"، مضيفاً: "لكني اعتقد أن مصالح باريس وواشنطن مع أنقرة أكبر وأهم من مصالحهما مع مليشيا قوات سورية الديمقراطية".
وتعتبر أنقرة قوات "قسد" تنظيماً إرهابياً يهدف إلى إنشاء إقليم ذي صبغة كردية شمال سورية تراه أنقرة مساساً بأمنها القومي لن تسمح بقيامه، وهي قامت أخيراً بطرد هذه القوات من منطقة عفرين شمال غربي حلب للقضاء على المشروع الكردي. ولا تزال أنقرة مصرة على طرد الوحدات الكردية من مدينة منبج غربي نهر الفرات التي يحتفظ الجانب الفرنسي بوجود عسكري فيها داعم لهذه الوحدات التي تعتمد على المساندة الغربية لها لمواجهة التهديد التركي.
ولا شك أن الأتراك يراقبون بحذر ما يجري في مناطق سيطرة "قسد" والتي باتت منطقة نفوذ غربي من الممكن أن تتطور أكثر لدرجة فرض إقليم كردي يرسخ المصالح الغربية في منطقة غنية بالثروات وتُعدّ نقطة تحكّم جديدة بالشرق الأوسط. وفي السياق ذاته، جاء الإعلان الفرنسي عن تعزيز الحضور العسكري في الشرق السوري بعد تصريحات مسؤولين روس عن وجود عسكريين من عدة دول من بلدان العالم في سورية، زاعمين أنه وجود "غير شرعي حسب القانون الدولي"، مطالبين بانسحابهم.
واعتبرت القاعدة الروسية في الساحل السوري، انتشار قوات فرنسية برية في سورية "مؤشراً خطيراً في ظل عدم وجود دعوة بذلك من قبل الحكومة السورية في دمشق". وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال الجمعة إن مهمة بلاده في سورية لم تنته بعد، مشيراً إلى أن وجودها العسكري في أراضي هذه الدولة "سيستمر طالما تحتاج إليه القيادة السورية الشرعية"، وفق المسؤول الروسي.
وتسيطر "قوات سورية الديمقراطية" وبدعم أميركي مباشر، على نحو ثلث مساحة سورية، إذ تسيطر على كل منطقة شرق الفرات التي تُعد "سورية المفيدة" بثرواتها المائية والزراعية والنفطية. وتخضع أغلب محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات، لـ"قوات سورية الديمقراطية"، إضافة إلى أغلب محافظة الحسكة باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تسيطر على ريف حلب الشمالي الشرقي شرقي نهر الفرات، ومدينة منبج وجانب من ريفها غربي النهر، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تمتد من مدينة الطبقة ذات الأهمية الاستراتيجية غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.
وحاولت باريس فرض نفسها لاعباً رئيسياً في الملف السوري بعد مجيء ماكرون إلى السلطة، ولكن تحت المظلة الأميركية، فشاركت بالضربة الأميركية على قواعد ومنشآت نظام بشار الأسد في منتصف إبريل/نيسان الماضي. وجاءت المشاركة الفرنسية في الضربة الأميركية بعد سنوات من الانكفاء الغربي عن الملف السوري، إذ اكتفى الاتحاد الأوروبي بدور إغاثي، فيما تُركت سورية للروس والإيرانيين الذين خلقوا وقائع بات من الصعب القفز فوقها، وهو ما حوّل البلاد إلى ميدان صراع كبير له جوانب معلنة، وأخرى تدور في الخفاء في ظل مخاوف جدية تسيطر على السوريين على مستقبل بلادهم مع انعدام الأمل من التوصل لحل سياسي يمهد الطريق أمام انسحاب القوات الأجنبية.