وقد بُذلت جهودٌ كبيرة من طرف الأغلبية الرئاسية، التي كانت في مأزق كبير، حتى تستعيد زمام المبادرة، بعد أن خرج الرئيس إيمانويل ماكرون عن صمته. فتحدّث بعضُ الوزراء عن محاولة المعارضة استغلال القضية، سياسيًا، كما استطاع نواب الأغلبية في مجلس النواب إرباك لجنة التحقيق البرلمانية، ودفعوا المعارضة إلى تجميد حضورها. ثم خرج ألكسندر بنعلا عن صمته وخاطب الفرنسيين، عبر وسائل الإعلام، في صحيفة "لوموند"، ثم في التلفزيون، على قناة "تي إف 1"، على الرغم من أن المشاهدين لم يتزاحموا لمشاهدته، كما كتبت "لوكنار أونشينيه"، اليوم الأربعاء، وصحيفة "جورنال دي ديمانش".
ولكن خرجات ألسكندر بنعلا لم تكن موفقة، وسقطت أحيانًا في مغالطات، وهو ما أكده فيديو جديد نشره موقع "ميديا بارت"، يَظهَر فيه ألكسندر بنعلا ومرافقه فانسان كراز، وهما يمارسان دور الشرطة في اعتقال متظاهرين، رغم إنكار بنعلا المسبق لأي نشاط خارج ساحة "كونترسكارب".
وعلى الرغم من توقف لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ، على أن تواصل نشاطها في أيلول/سبتمبر، فإنّ وسائل الإعلام لا تتوقف عن نشر مستجدات القضية؛ فقد كشفت صحيفة "لوموند"، اليوم، أن الشرطة التي فتشت مكتب ألكسندر بنعلا في "الإليزيه"، عثرت على وثيقة "سرية"، تعود إلى 5 يوليو/تموز، تتعلق بـ"مشروع خطة لتغيير تنظيمي للمصالح".
وفي يوم 21 يوليو/تموز، وأثناء زيارة المفتشين لسكن بنعلا، الذي كان يتأهب لمغادرته للحاق بسكنه الجديد، التابع للإليزيه، تم العثور على مشغّل الضوء الأزرق، لكنهم لم يعثروا على المسدسات الثلاثة، ولا على بندقية. وحين سأل المفتشون بنعلا عن مكان هذه الترسانة المختفية، نفى علمه بالمكان، وتحدّث عن شخص تكفَّل بالمهمة، ونقَلها إلى مكان آمن. وعزا الأمر إلى تعرّف الصحافيين على بيته وإلى "هاجس الأمن والمسؤولية".
وتنقل الصحيفة تناقضات فانسان كراز، الذي نفى أمام المحققين في البداية حمله للسلاح أثناء التظاهرة، قبل أن يعترف بحمله مسدسًا، في 1 مايو/أيار. وعلّل هذا "الكذب" بأنه لو فقد وظيفته؛ فلن يستطيع شراء بيت، إذ ينتظر رد المصرف بخصوص قرض. وكشف أن السلاح هو في ملكية حركة "الجمهورية إلى الأمام"، وهو "مخصص للدفاع عن موقع الحزب في حال التعرض لهجوم إرهابي".
واكتشف المحققون أن فانسان كراز لم يكن لديه ترخيص بحمل السلاح، وهو ما برره بالقول: "أحمل دائمًا سلاحًا معي، وهي عادة شغل وأمن"، معترفًا أنه يملك في بيته بندقية، من دون ترخيص.
ونفى بنعلا، أمام المحققين، ممارسة أي عنف في ساحة "كونترسكارب"، وتعلّل بأنه تعثّر مما "جعل مقدمة القدم تلمس جذع المتظاهر"، وهو تقدير يختلف عن تقدير الرائد فيليب ميزيرسكي، الذي كان حاضرا والذي رأى "العنف يمارَس من الطرفين". وعلى الرغم من تقدير الأخير أنه غير مُؤهَّل للحكم على شرعية الأفعال التي مارسها بنعلا والدركي، كراز، إلا أن الشيء الصادم، في نظره، هو أنه "كان يتوجب على بنعلا أن يظل مُراقِبًا". أما هو فـ"كان سيتصرف بشكل مختلف".
ومن جهة أخرى، تحدثت صحيفة "لوكنار أونشينيه" عن تصريحات بنعلا، يوم 21 يوليو/تموز، أمام المحققين، ومن بينها اعترافه أنه رفض التوقيع على إعلان توقيفه، إلاّ بعد أن أكدت له المستشارة في الإليزيه، باتريسيا جانين، أن "هذا القرار تم باسم مدير مكتب الرئيس، الذي تجب حمايته وحماية والي الأمن".
كما تحدثت الصحيفة عن إعلان محامي نقابة الشرطة "فيجي"، وهي طرف مدني، يوم 30 يوليو/تموز، نيته التقدم بطلب من القاضي لتوجيه اتهام تكميلي في هذه الخدعة (زيارة المحققين لبيت بنعلا يوم 20 يوليو/تموز على الساعة السابعة و45 دقيقة مساءً، وعجزهم عن فتح قفل الباب، ثم عودتهم في اليوم التالي وعدم عثورهم على الأسلحة، التي نقلها "صديق" لبنعلا)، والمفاجئ أنه في هذا اليوم، 30 يوليو/تموز، يعثر ألكسندر بنعلا على أسلحته ويسلمها للمحققين.
وبعد أن انتهى الضغط السياسي للمعارضة على الرئيس، وهو ما اعتبر وزير الخارجية، جان-إيف لودريان، بأنه يمثل "الشوط الثالث من الانتخابات"؛ فإن الرئيس الفرنسي، الذي سيستقبل وزوجته كل وزرائه وعائلاتهم، مساء اليوم، لن يخلد للراحة، كما قد يتصور البعض.
ورغم أن تقييم حصيلة "قضية بنعلا" سابقٌ لأوانه، فإن تأثيرها السلبي على الرئيس وحكومته، لا يمكن إغفاله. وهو ما تنقله صحيفة "لوكنار أونشينيه" عن وزيرين، الأول يتحدث عن خسارة ما أنجز في ميدان تحسين صورة الرئيس، الذي يتهم من قبل معارضيه بـ"التكبر"، ويرى أن ما أنجز من خلال تواضع الرئيس أثناء مونديال كرة القدم، ضربته قضية بنعلا. فيما يرى وزير ثان، أن هذه القضية "لا تتضمن سوى الخاسرين. والرئيس لم يرَ في الوقت المناسب الانحراف البوليسي لبنعلا، ثم تأخَّرَ في تقدير أهمية ما جرى". وتختم الصحيفة بأن ماكرون اكتشف، عبر هذه القضية، ثلاثة أشياء: الدور الذي لعبته ولاية الأمن، ثم السلوك الذي أبان عنه وزير الداخلية، من حيث إلقائه بكل المسؤوليات على الآخرين، وأخيرًا، عزلة الرئيس الذي لم يجد شخصياتٍ وازنةً تدافع عنه.