عاد الحديث عن ملف الإرهاب في ليبيا وقدرة البلاد على إنهاء وجوده بأشكاله المتعددة، بعد انتشاره طوال السنوات الماضية، مستغلاً حالة الفوضى الأمنية والانقسام السياسي، إلى الواجهة.
وفيما لا يزال الغموض يلف اتفاق رئيس حكومة "الوفاق" الليبية فايز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي أعلنت الأمم المتحدة أنه تمّ التوصل إليه خلال لقاء جمع الرجلين في أبو ظبي، تواصل تصريحات وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا التي تحمل ثناءً لعمليات حفتر في الجنوب، إثارة التساؤلات حول المدى الذي من الممكن أن تصل إليه لغة التقارب بين طرابلس وبنغازي، لاسيما أن الوزير تحدث بالأمس عن نجاح ليبيا بإفشال مشروع الإرهاب، بالتزامن مع سيطرة حفتر على كامل منطقة الجنوب.
وتحدث باشاغا، في كلمة له أمس الأحد خلال مشاركته في افتتاح الدورة الـ36 لأعمال مجلس وزراء الداخلية العرب المنعقدة بتونس، عن "نجاح الأجهزة الأمنية في ليبيا في إفشال المشروع الإرهابي في البلاد"، لافتاً إلى أن "التنظيمات الإرهابية التي قامت بعمليات تفجير ومهاجمة البوابات ومؤسسات الدولة، قضي عليها"، وذلك بحسب بيان نشره مكتبه الإعلامي.
لكن رد الوزراء العرب جاء فورياً، من خلال تأكيدهم على ضرورة "تعزيز ليبيا لجهود تغذية قاعدة بيانات للمقاتلين الإرهابيين التي أنشئت خصيصاً بين الدول العربية لتبادل المعلومات بشأن الفارين من بؤر التوتر، في ليبيا والعراق وسورية". وأكد الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، محمد بن علي كومان، في كلمته، على أن المجلس أنشأ قاعدة البيانات، وعلى ليبيا "تعزيز موقفها وتأكيد إعلانها بالقضاء على الإرهاب في البلاد".
في المقابل، يرى مراقبون أن إعلان باشاغا المفاجئ يتماهى مع مستجدات الأوضاع الأمنية والعسكرية في البلاد، وأنه جاء بمثابة مغازلة لشعارات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي انتهى منذ يومين من السيطرة على كامل الجنوب الليبي، وأصبح يوجه ناظريه إلى طرابلس، لاسيما أن وزير داخلية "الوفاق" كان أشاد بدور عملية حفتر في الجنوب أثناء لقائه مسؤولين إيطاليين في روما، خلال زيارته الأخيرة لها الأسبوع الماضي، بحسب ما نقلت عنه صحف إيطالية.
ويؤكد المتابعون لتطورات المشهد الليبي أن مواقف باشاغا من حفتر تقع في خانة الغموض التي تعيشها طرابلس منذ أشهر، والتي عززها الاتفاق الغامض أيضاً بين حفتر ورئيس حكومة "الوفاق" فايز السراج في أبو ظبي الثلاثاء الماضي، وهو اتفاق لم تتضح تفاصيله بشكل رسمي بعد، وسط حديث عن إمكانية تقاسم السلطة في ليبيا بين الرجلين.
ويعد باشاغا من الشخصيات الجدلية بين قادة حكومة "الوفاق"، فقد سبق له أن فاجأ الرأي العام بالإعلان عن زيارة شخصيات أمنية تابعة لوزارته، من بينهم رئيس مديرية أمن طرابلس، لمدينة بنغازي شرق ليبيا نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي للقاء رئيس مديرية أمن المدينة التابع لحفتر، وذلك بهدف "توحيد الجهاز الأمني في ليبيا"، كما عرف عنه دوره الكبير في المواجهات المسلحة التي شهدتها طرابلس في يناير/كانون الثاني الماضي، إذ كلف "اللواء السابع" من ترهونة، المعروف بصلاته الخفية بحفتر، بحماية محيط مطار طرابلس القديم، وتمكينه من دخول طرابلس، ما دعا "قوة حماية طرابلس"، المعارضة لحفتر، إلى طرد قوات "اللواء السابع" مجدداً من العاصمة، بعد معارك أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفيما يؤكد مصدر تابع لوزارة داخلية "الوفاق" قرب وصول وفدٍ مكون من شخصيات أمنية تابعة لمديرية أمن بنغازي إلى طرابلس، لمواصلة مساعي وزارتي داخلية "الوفاق" والحكومة المنبثقة من مجلس النواب، لتوحيد الجهاز الأمني، كشف المصدر متحدثاً لـ"العربي الجديد" عن أن الزيارة ستناقش أيضاً طلباً من حفتر يقضي بتسليم مقاتلين من مجلسي شورى درنة وبنغازي موجودين في سجن امعيتيقة بطرابلس لقواته. وأكد المصدر الأمني صحة الأنباء المتواترة التي تتحدث عن تعاون مستمر بين "قوة الردع الخاصة"، السلفية المدخلية، مع أجهزة أمن تابعة لحفتر، لافتاً الى أن سجن امعيتيقة الذي تسيطر عليه هذه القوة، يضم العشرات من مقاتلي شورى بنغازي ودرنة، كانت قبضت عليهم في العاصمة.
ويؤكد المصدر الأمني أن باشاغا يمثل تياراً متصاعداً منذ فترة في مصراتة، يدعم التقارب مع حفتر، مقابل من يعارضونه بالمدينة. ولا تعكس تصريحات باشاغا المغازلة لعمليات حفتر بالجنوب، سوى حقيقة مواقفه من اللواء المتقاعد، بحسب هذا المصدر.
وكانت مجالس الأعيان والحكماء بالمنطقة الغربية، التي عقدت اجتماعاً لها مساء أمس الأحد في مصراتة، طالبت بضرورة إنشاء دولة مدنية لها مرجعية دستورية توافقية، مؤكدة رفضها العودة إلى الديكتاتورية العسكرية وضرورة إنشاء المؤسسة العسكرية، على أساس رضوخها للسلطة المدنية.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير الليبي بالشان السياسي خليفة الحداد، وهو أستاذ جامعي متخصص بالعلوم السياسية، أن تيار التقارب مع حفتر بات يظهر جلياً، وليس في حكومة الوفاق وحدها، بل توجد في المجلس الأعلى للدولة، المعارض لحفتر، اختراقات لشخصيات متحدرة من مصراتة كعضو المجلس، بلقاسم قزيط، الذي قام بزيارة علنية لبنغازي في ديسمبر الماضي، أشاد خلالها صراحة بجهود اللواء المتقاعد في "مكافحة الإرهاب".
ويعتبر الحداد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أيضاً، أن مواقف باشاغا وتصريحات اللواء عبد الرحمن الطويل، رئيس الأركان بحكومة الوفاق مؤخراً، والتي رحب فيها بالجلوس مع حفتر والتفاوض معه على توحيد المؤسسة العسكرية، هي "مقدمة واضحة للقاء أبو ظبي". ويرى الخبير في الشأن السياسي الليبي أن "التنسيق تحت الطاولة بين السراج وفريقه مع حفتر ليس جديداً، أو مفاجئاً، وإن يظهر في أبو ظبي ضمن اتفاق لم تظهر تفاصيله في فصل من فصول العلاقة الغامضة" مرجحاً أن قرارات ومواقف السراج إزاء عمليات حفتر في الجنوب كانت مجرد "ذر رماد في العيون"، ومتسائلاً "كيف يمكن أن نفهم بيانات السراج المعارضة للتصعيد العسكري، وإشادة في الوقت ذاته من وزير الداخلية في الحكومة ذاتها بالعملية"؟
في المقابل، لا ترى الصحافية الليبية نجاح الترهوني، في تلك خطوات وتصريحات باشاغا ما يشير إلى تقديم تنازلات أو تسهيل لسيطرة حفتر على العاصمة، موضحة في حديث لـ"العربي الجديد" أن "قرار العاصمة من الواضح أنه بيد أطراف دولية، كما أن حفتر يعلم جيداً أن في طرابلس وحولها فصائل مسلحة قوية يمكن أن تدخله في دوامة حرب لن يمكنه كسبها".
وتلفت الترهوني في الوقت ذاته إلى أن "مدناً كبيرة كمصراتة والزنتان منقسمة على نفسها بشأن حفتر، وبالتالي فوجود معارضين له يؤشر على خطورة كبيرة، وهو ما دفع بدول غربية إلى أن ترفض أي عمليات عسكرية حول طرابلس"، مشيرة إلى لقاء أبوظبي كترجمة واضحة لقناعة حلفاء حفتر العرب بضرورة التنسيق بين حفتر وبين السراج وسلطة طرابلس.
وعن شكل التقارب، تقول الترهوني إنه "لن يتجاوز التنسيق على المستوى السياسي بعد مداولات مع أطراف سياسية لا تزال قوية، وكذلك فإن المليشيات في طرابلس وقوى غرب البلاد سيكون لها دور مؤثر في تنفيذ الاتفاق، وبالتالي سيكون وجود حفتر اسمياً وشكلياً، أكثر منه واقعياً في طرابلس تحديداً".