تنتظر الحكومة المغربية العديد من الملفات في الكثير من الميادين والقطاعات، بدءاً من السياسة والاجتماع، وصولاً إلى رهانات الاقتصاد، وذلك بمناسبة ما يصطلح عليه في البلاد بـ"الدخول السياسي والاجتماعي الجديد"، والذي يقترن عادة بشهر سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الذي يعرف افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان.
وفي السنة الثانية من عمرها، تراهن الحكومة المغربية على مواصلة العمل على ملفات التنمية ومشاريع الإصلاح التي أطلقتها منذ تنصيبها، لكنها تجد نفسها مضطرة إلى مواجهة ملفات ساخنة، لعل أولها هو الحفاظ على التماسك الداخلي في خضمّ قرارات الإعفاء والإقالات التي تهدد انسجام الأغلبية الحكومية.
وبعد "الزلزال السياسي" الذي عصف بعدد من "الرؤوس الوزارية" في الحكومة التي يقودها سعد الدين العثماني، على خلفية تقرير المجلس الأعلى للحسابات بشأن اختلالات المشاريع الملكية في مدينة الحسيمة، جاء قرار حذف حقيبة وزارية لحزب في الحكومة من دون إعلامه من طرف رئيس الحكومة ليزيد من "الشروخ" وسط الأغلبية، رغم محاولتها ترميم الصفوف كل مرة يهتز فيها بيتها الداخلي.
وليست تحديات السياسة وحدها ما تشغل بال الحكومة المغربية مع بداية الدخول السياسي، ولكن أيضاً التحديات الأمنية التي تتمثل في التهديدات الداخلية والخارجية التي تحيط بالمغرب، لأن المصالح الأمنية والاستخباراتية تواصل نجاحها في فك الخلايا الإرهابية، فضلاً عن عصابات الجرائم المنظمة.
ويبقى ملف الصحراء في كل "دخول سياسي" هو محور الدبلوماسية الخارجية التي يشرف عليها في العمق صُناع القرار في البلاد أكثر من الحكومة نفسها، إذ تظل السياسة الخارجية ملفاً ملكياً خالصاً، تشغل فيه الصحراء محوراً رئيسياً ثابتاً، سواء في مواجهة جبهة البوليساريو أو تعاطي الرباط مع الأمم المتحدة في طريقة إيجاد حل للنزاع.
في هذا السياق، قال الأستاذ في جامعة مراكش عبد الرحيم العلام، إن "السنة المقبلة ستتخللها العديد من الصعاب بالنسبة للحكومة، أولها ما يتعلق بتحدي استقرار الحكومة وحصانتها تجاه الإقالات والإعفاءات، مما يساهم في إرباك العمل الحكومي ويجعل الوزارات غير مستقرة". وأفاد العلام، لـ"العربي الجديد"، بأن "مسلسل الإعفاءات لن يتوقف خلال السنة المقبلة، وإنما من الوارد أن رزمة من الإقالات ستعرفها الحكومة، سواء بطريقة مباشرة نتيجة الإخلال بالمهمة الموكولة للوزراء، أو بطريقة غير مباشرة تحت ذريعة إعادة هيكلة القطاعات الوزارية وتقليص عدد الوزارات". وتوقع أن "تؤثر الاحتجاجات المتواصلة في قطاع النقل على وزارة النقل".
أما التحدي الآخر لدى الحكومة، بحسب المتحدث، فـ"متعلق بقطاع التعليم وأزمة الأساتذة المتعاقدين، فكلما كثر عدد هذه الفئة، سيعرف القطاع أزمات متعددة، لا سيما في ظل رفض الحكومة مطلب ترسيم هؤلاء في قطاع الوظيفة العمومية، مقابل رفض الأساتذة ترسيمهم لدى الأكاديميات".
وتابع العلام "يبقى ملف التشغيل أحد أهم التحديات التي تواجه حكومة العثماني، خاصة في ظل تزايد عدد خريجي الجامعات، وارتفاع منسوب الاحتجاج على خلفية مطالب التشغيل، وفي خضم ضعف الاستثمار واعتماد الدولة بشكل كبير على الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وارتفاع منسوب الوعي والتحول الذي بدأت تعرفه الحركة الاحتجاجية التي لم تعد تقتصر على مطلب الحق، وإنما الجودة في الحق، في النقل والصحة والتعليم والعدالة".
وبخصوص العدالة، لفت إلى أن "الحكومة الحالية مدعوة بشكل ملحّ إلى تقليص عدد سكان السجون المغربية، باعتبار أن المغرب يحتل مرتبة متقدمة في هذا المجال، كما لا يعقل أن يحتل المرتبة الـ21 عالميا، وهو البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه 37 مليون نسمة".
ولم يفت المتحدث الإشارة إلى ملف حراك الريف وباقي الحركات الاحتجاجية، معتبراً أنها "تظل حصى في حذاء الدولة المغربية برمّتها إذا لم تتم المعالجة بطريقة ذكية وسريعة، ونفس الأمر بالنسبة لملف الحريات والحقوق ووقف مسلسل الخصام بين الدولة والمنظمات الحقوقية، لأن المغرب مصنّف، في كثير من التقارير الدولية، كواحد من الدولة المتأخرة على مستوى حريات الإعلام والحريات العامة بشكل عام".
ومن جهته، أكد المحلل محمد عصام لعروسي، أنه "لا يمكن الجزم بوجود أجندات أمنية خاصة بمناسبة الدخول السياسي الجديد، إذ تظل نفس الملفات الأمنية والاستراتيجية تشغل بال المصالح الأمنية التي تسهر على مواجهة العديد من المخاطر والتهديدات الداخلية والخارجية التي تحيط بالمغرب".
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المغرب سيواصل الجهود الأمنية لتفكيك خلايا إرهابية تظهر في شتى مدن البلاد، خصوصاً التي تشهد تورط فئة عمرية تتراوح بين سنّي 18 و30 سنة، والتي تعلن في الغالب انتماءها لتنظيم داعش"، مضيفاً أنه "لا يمكن استثناء التهديدات المتعلقة بالجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وجرائم الحق العام".
ورأى الخبير ذاته أنه "على صعيد محاربة الإرهاب والتطرف الديني، فإن المنظومة الأمنية ستواجه تحديات عديدة، أبرزها ضرورة تمتين الأمن القومي المغربي، ومنع تسرّب الجماعات الإرهابية والفكر المتطرف، مع كل الحسابات الجيوسياسية التي تفرضها جغرافية التحولات العنيفة في المنطقة المغاربية، في ظل انهيار وانعدام الدولة المركزية في ليبيا، وغياب التنسيق الأمني الفعال مع الجارة الجزائر".
واسترسل "لا يمكن إغفال ما تشكله منطقة الساحل جنوب الصحراء، من تهديدات للأمن المغربي مع انتشار الحركات الإرهابية وتواطؤ البوليساريو المدعوم من الجزائر، مع العديد من الجماعات الإرهابية والإجرامية التي تمتهن الجريمة المنظمة وتستهدف تهديد دول المنطقة".
والتحدي الأمني الثاني الذي يقف أمام الحكومة بمناسبة "الدخول السياسي والأمني الجديد"، بحسب لعروسي، هو "انصهار المنظومة الأمنية مع التحولات الاجتماعية العميقة التي تسببت في إنتاج العديد من الشروخ في البنيات الفكرية والعقدية للمجتمع المغربي، خصوصاً أن فئة الشباب تُستهدف عادة من قبل الحركات الإرهابية التي تستغل ظروف التهميش والإقصاء التي تعاني منها هذه الشريحة العمرية".
ورصد التغيير الإيجابي في "اتباع مسالك وخيارات أمنية جديدة تنأى عن المقاربة الأمنية الفجة والطرق التقليدية في محاربة الجريمة والإرهاب، وتواصل التنسيق مع كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والأكاديميين وغيرهم من المتدخلين في البلاد".
ولفت إلى أن "هناك تحدياً يتمثل في اعتماد سياسات أمنية مندمجة ومتفاعلة مع الأنماط الجديدة لأساليب الاحتجاجات التي أضحت تمارس في المغرب، والتي كشفت عن ضعف المنظومة الأمنية في بُعدها الشمولي، وعن نسبية فعاليتها في مجاراة منطق مكونات الهامش المغربي، بعد الحراك الاجتماعي الذي عرفته مدينتا الحسيمة وجرادة، والمقاطعة الاقتصادية لبعض المنتجات الاستهلاكية".
وخلص المتحدث إلى القول إن "هذه المؤشرات توضح بالملموس أن التدبير الأمني يحتاج إلى مقومات جديدة تستهدف العزف على أوتار الضبط الاجتماعي والتوازن بين الطبقات الاجتماعية، خصوصاً الطبقة الوسطى، وتحقيق المساواة والإنصاف وإصلاح منظومة العدالة وتكافؤ الفرص، وإعطاء فرص أكبر للشباب، من خلال إصلاح منظومة التربية والتعليم".