أعادت القاهرة تفعيل ملف المصالحة الفلسطينية، بعد جمود طويل، وتعثّر أطول، في ظلّ غياب المؤشرات على تقدّم حقيقي ينهي أزمة الانقسام الفلسطيني المستمر منذ أكثر من 11 عاماً، لكنها محاولة جديدة قد ينتج عنها ما يمكن أنّ يحرّك المياه الراكدة، ولو لوقت قصير.
وللقاهرة، التي بدأ جهاز استخباراتها في استقبال وفود من حركتي "حماس" و"فتح"، وسيستضيف كذلك وفوداً من فصائل أخرى في الأيام المقبلة، رغبات علنية في إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة من بوابة المصالحة مع "حماس". وقد أضيفت إلى محرّك المصالحة الجديد رغبة مصرية جديدة قديمة بوقف عودة قطر لغزة عبر بوابة المساعدات الإنسانية والرواتب لموظفي القطاع المدنيين، والتي بدأت قبل أكثر من شهر وستستمر لنحو ستة أشهر على الأقل.
ولا يزال وفد حركة "حماس" من غزة موجوداً في القاهرة، رغم عودة قيادات الخارج إلى أماكن وجودهم، فيما عاد وفد حركة "فتح" إلى رام الله لنقل الصورة للرئيس محمود عباس، المحرّك الأهم في ملف المصالحة، والذي تتهمه "حماس" بعرقلتها ووضع اشتراطات كبيرة لإنجازها.
وأكّدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أنّ القاهرة بدأت تطرح فكرة اتفاق فلسطيني جماعي، وليس ثنائياً بين حركتي "حماس" و"فتح"، استناداً إلى اتفاق المصالحة الموقّع في عام 2011 وما قبله، وليس استناداً إلى الاتفاق الموقّع في 12 أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام الماضي. واتفاق 2011 ينصّ على رزمة إصلاحات شاملة في النظام السياسي الفلسطيني، بعكس اتفاق 12 أكتوبر 2017، الذي نصّ على تمكين حكومة الوفاق الوطني من أداء عملها في غزة، ثمّ بحث الملفات الأخرى، والتي تعدّ أصعب من تمكين الحكومة وعودتها للعمل في القطاع.
وعلى الأرض، لم يعد الشارع الفلسطيني مهتماً بالقدر الكافي بملف المصالحة الفلسطينية، فعشرات التجارب السابقة، والتفاؤل الذي ساد حينها ارتد سلباً على سكان القطاع. وفي كل مرة كانت المصالحة وجهود إعادة إحيائها حديث الناس في الشارع وحديث الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي. أمّا اليوم، فالأمر وكأنه عابر، ولم يعد محط اهتمام، فالتجارب قاسية، والفلسطينيون لا يرغبون في "خيبة أمل" جديدة.
وما يعزّز هذا الشعور عند الفلسطينيين عودة "التراشق" الإعلامي بين طرفي الانقسام، وإنّ بحدة أقل مما مضى، إذ أعاد رئيس الحكومة، رامي الحمد الله، نفي وجود عقوبات تفرضها السلطة على القطاع، فيما ردت "حماس" بتأكيد وجودها وباشتراط رفعها كشرط لإطلاق قطار المصالحة من جديد.
إلى ذلك، عبّر الكاتب والمحلّل السياسي طلال عوكل، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأنّ "الفرصة قائمة لنجاح الحراك الجديد الذي تقوم به الاستخبارات المصرية من أجل إنجاز ملف المصالحة وإنهاء الانقسام بشكل حقيقي وجدي هذه المرة"، موضحاً أنّ "مجال التطوّر في ملف المصالحة الداخلية يحتاج إلى قراءة سابقة لمجريات الأمور وللشروط والعقبات التي كانت توضع في السابق والتي عرقلت إنجاز المصالحة الوطنية، وذلك من أجل الوصول لإمكانية إنضاج اتفاق يجري تطبيقه على الأرض".
وأشار عوكل إلى أنّ "الفلسطينيين اليوم أمام مخاطر استراتيجية مهولة، لا سيما أنّ هناك مخططات أميركية وإسرائيلية في ظلّ الصراع القوي والتهديد للحقوق الفلسطينية"، موضحاً أنّ هذا التهديد "يتطلّب بناء المشروع الوطني وإعادة صياغته، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أضحى موقفهما واضحاً بالحديث عن ضرورة وجود السلطة في غزة من أجل أن تكون شريكاً. فالأصل ألا تكون هناك عوامل تعطّل المصالحة".
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي، فإنّ "الغريب في جولات المصالحة الأخيرة هي أنّها تتمّ بطريقة غير مباشرة عبر الوسيط المصري، إذ لا يعقد وفدا فتح وحماس أي لقاءات مباشرة، في الوقت الذي هما بأمسّ الحاجة لعقد لقاءات وحوار سياسي مباشر، فضلاً عن إجراء حوار وطني واسع يستكمل عوامل نجاح المصالحة الفلسطينية، ويزيل العقبات كافة التي تعترض تنفيذ الاتفاقيات على الأرض".
وتوقّع عوكل أن يحدث اختراق جديد في ملف المصالحة، خصوصاً بعد التسريبات والتصريحات التي بدرت من الرئيس محمود عباس، وبعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح"، والتلميحات إلى وجود ورقة مصرية جديدة.
من جهته، رصد الكاتب والمحلل السياسي ثابت العمور متغيّرات في الحراك المصري الحالي، ومنها دخول الرئاسة المصرية مباشرة على خط المصالحة، وحديث الرئيس عبد الفتاح السيسي مع عباس في "مؤتمر الشباب" أخيراً حول الأمر، إضافة لتقديم مصر خطة عمل من أجل المصالحة متدرجة وعلى مراحل.
ووفق العمور، الذي تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإنّ المتغيّر الأهم يتمثّل بدخول قطر على خطّ تسهيل الحياة في غزة وتكفّلها برواتب موظفي القطاع المدنيين، والموظفين المعيّنين من قبل حركة "حماس"، وهو ما كان يمثّل أحد أهم العقبات أمام إنجاز المصالحة، موضحاً أنّ "مصر لا تريد أنّ تسجّل قطر حضوراً في المشهد الفلسطيني وتسحب منها أوراق الحضور الخاصة بها، لذلك تدفع باتجاه إنجاز المصالحة".
ودخلت السعودية أيضاً على الخط ذاته، وفق تسريبات تحدّث عنها العمور، إذ سرت أنباء عن رغبة الرياض في تمويل عملية المصالحة، للهدف المصري ذاته، إذ لا تريد المملكة عودة قوية لقطر في ملف غزة، وهو الأمر الذي يقلق القاهرة والرياض.
وأوضح العمور أنّ "إنجاز المصالحة هو من مصلحة حركة فتح الآن، لأن تحقيقها والعودة للمشهد عموماً ولقطاع غزة على وجه التحديد، ضروري، بعد أنّ بدأت الحركة تتلاشى من المشهد السياسي في غزة بسبب الانقسام والعقوبات والغياب عن مشاكل وأزمات مليوني فلسطيني هناك".
وبالنسبة للعمور، فإنّ "الظروف المحيطة بالمنطقة والإقليم، ليست ذات تأثير في ملف المصالحة الآن، ولكن المهم صدق التوجه نحو هذا الهدف، خصوصاً أنّ الظروف الآن مليئة بالتحديات للقضية الفلسطينية، ومواجهة هذه التحديات بحاجة لوحدة وطنية، فلن تستطيع حماس أنّ تقاتل لوحدها في غزة، كذلك فتح والسلطة، لن تستطيعا مواجهة مشاريع التهويد في الضفة والقدس لوحدهما".