اقرأ أيضاً: إسلاموفوبيا ولاجئون يطفون فوق الراين
الانتقال من شرح تاريخ ألمانيا "القريب"، برموزه وآثاره، لسيّاح أجانب، إلى الحديث عن اللجوء، يبدو طبيعياً وتلقائياً، في بلد تسيطر فيه مشكلة اللاجئين على وسائل إعلامه، وتشغل حكومته وشعبه.
حين بدأ توافد اللاجئين إلى أوروبا، وتحدّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الاتحاد الأوروبي، معلنةً عن عزم ألمانيا على فتح أبوابها للاجئين، انقسم الألمان، كما هو الحال في مختلف الدول الأوروبية المستقبلة للاجئين، بين مرحّب ومتوجّس ومعارِض بشدّة. الانقسام سرى أيضاً على الموجات السابقة من المهاجرين القدامى؛ داخل هؤلاء، هناك من لا يُخفي امتعاضه من موجة اللاجئين، وإن كان لا يُظهر ذلك إلا عبر الاحتكاك المباشر مع المهاجرين الجدد، أو في المجالس الخاصة.
حين وصلت القطارات الحاملة للمهاجرين إلى محطاتها، كان العديد من الناشطين الألمان ينتظرونهم بالورود والحلوى والأغاني. تطوّع هؤلاء الناشطون بعدها في جمعيات أهلية للمساعدة في احتضان الضيوف الجدد. بعض العائلات الألمانية عرضت تقديم غرف في منازلها لاستقبال عائلات سورية، تحديداً.
وفي مرحلة لاحقة، بدأ تنظيم حلقات نقاش لتعريف الوافدين على ألمانيا، تاريخها وثقافتها ولغتها. تطورت إلى فعاليات ونشاطات ترفيهية للغرض نفسه.
داخل مسرح قديم في منطقة ستومفيلمكينو ديلفي، أُقيمت إحدى تلك الفعاليات. شارك فيها لاجئون ومهاجرون، عرضوا ما يعرّف عن ثقافاتهم، سواء مأكولات شعبية أو حرفيات يدوية أو أغان، تداول إنشادها المهاجرون على المسرح لتختلط معها الموسيقى الأفغانية والهندية والألمانية مع العربية، والرقصات العراقية مع الدبكة السورية و"الفولك" الباكستاني.
أمام المسرح، يجلس رجل سوري ستيني، تحمل ملامحه علامات تعب رحلة لجوء قريبة، يؤكّدها السوار البلاستيكي الذي يلفّ معصمه. لم يستطع أن يحبس حماسه لنشاطات الاندماج الترفيهية، فخرج إلى المسرح يُلقي الشعر ويردّد أغنية من خمسينات القرن الماضي.
في إحدى الزوايا، يقدّم شاب وفتاة سوريان حلقة تدريس لغة عربية لألمان. وفي زاوية ثانية، تطوعت ناشطتان لتصوير اللاجئ مع ورقة كتب عليها ما يشتاق إليه في بلاده، ويتمنى أن يصبح موجوداً في ألمانيا. وفي أخرى، شاب نيجيري يروّج لحملة ترفض المعاملة السيئة التي يتعرّض لها الهاربون على قوارب الموت إلى القارة العجوز.
في مقابل الترحاب ونشاطات الاندماج، لقي المهاجرون مناهضين شرسين لهم. سيّروا تظاهرات واعتدوا عليهم، ما أسفر عن سقوط جرحى أحياناً في صفوف اللاجئين. وقد وصل الأمر إلى حدّ إحراق خيم الوافدين الجدد. قاد هذه التحركات العنصرية أنصار النازيين الجدد، وحزب "إن بي دي" وحركة "بيغيدا".
يظهر الرفض للمهاجرين أحياناً بشكل تلقائي، في أحداث الحياة اليومية للألمان، كأن يتشاجر أمجد (7 أعوام) الذي وُلد في ألمانيا، مع رفيقه في المدرسة، فينعته الأخير بـ"لاجئ"، ليحتار أمجد بعدها بمقصده وتدور نقاشات الأهل لتوضيح المسألة للأطفال، أو أن يتهجّم شخص مخمور بعبارات عنصرية على شاب ذي ملامح عربية في "ترام"، أو أن ترفض ألمانية الجلوس إلى جانب أحد اللاجئين.
الانقسام يمتدّ إلى الموجة السابقة من الهجرة. ففيما يمضي متطوع من أصل مصري وقته في مركز إيواء تابع للصليب الأحمر، لتقديم المساعدة للاجئين، والدفاع عن حقوقهم، كما يفعل عبر قضية رفعها أمام القضاء الألماني لتعويض لاجئ تعرض للإهانة في مركز للإيواء، من قبل ألماني من أصول باكستانية، يُهين شاب ألماني من أصول عربية، يعمل مترجما في المركز نفسه، لاجئين اعترضوا على نوعية وجبات الطعام المقدمة لهم. مع العلم أنّ المسؤولين الألمان عن مراكز الإيواء يحرصون على تقديم صورة جيدة عن معاملة اللاجئين، لأنهم لا يريدون أن يتعرّض شخص للإهانة بسبب مسكنه أو قوته في بلاد ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان. كل ذلك لا يُخفي وجود منافسة أيضاً داخل الوافدين الجدد، الذين يخشون أن يزاحمهم لاجئ آخر على فرص بقائهم في حضن "الوطن الجديد".