وفي هذا الإطار، قال مسؤول في الخارجية التركية، رفض ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الروس يصرّون هذه المرة على فرض وجهة نظرهم، ويريدون بسط السيطرة على مثلث سهل الغاب حتى جسر الشغور ضمناً، وأيضاً شمال شرق وجنوب شرق إدلب، أي الطريق الدولي اللاذقية-حلب. والطريق المذكور يأتي من مناطق الساحل السوري، ليدخل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في جسر الشغور غربي إدلب، ويمتدّ باتجاه أريحا ثمّ سراقب، جنوب شرق إدلب، قبل أن يصل إلى مناطق سيطرة النظام، في ريف حلب الجنوبي، ومنها إلى مركز محافظة حلب.
وبحسب المصدر نفسه، فإنّ ردود الفعل التركية على الموقف الروسي تنعكس على الأرض، عبر دعم الفصائل والهجوم المعاكس الذي تشنه الأخيرة.
وما يميز المعارك في الأيام الأخيرة أنّ فصائل المعارضة تهاجم بقوة، فيما تكتفي مليشيات النظام بالدفاع عن مواقعها في ريف حماة الشمالي الغربي، منذ باغتها "الجيش السوري الحر" يوم الخميس الماضي، بهجوم زعزعها وأجبرها على التراجع.
واعترفت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الأحد، بسيطرة فصائل المعارضة على منطقتي الجبين وتل ملح في ريف حماة، زاعمةً أنّ قوات الأسد "تخوض معارك عنيفة وتتقدّم في بلدة كرناز".
من جانبه، أفاد النقيب ناجي مصطفى، الناطق باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضمّ فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، بأنّ "معارك عنيفة جداً تدور مع مليشيات النظام في ريف حماة". وقال، في حديث مع "العربي الجديد"، "هناك معارك كرّ وفرّ مع عصابات الأسد وقوات الاحتلال الروسي". وأكّد مصطفى "تكبّد قوات النظام خسائر كبيرة"، موضحاً أنّ "القتلى بالعشرات، إضافة إلى تدمير 5 دبابات وآليات عسكرية عدة". وشدّد على أنّ "المعركة مستمرة حتى تحرير المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام أخيراً".
وكانت قوات الأسد سيطرت على 18 بلدة وقرية في مناطق ريف حماة الشمالي والغربي منذ بدء حملتها العسكرية على شمال غربي سورية الخاضع لسيطرة المعارضة، عقب فشل الجولة الأخيرة من محادثات مسار أستانة، أواخر إبريل/نيسان الماضي. وتراجعت فصائل المعارضة عن بلدات وقرى في ريف حماة هي: جنابرة، تل عثمان، جابرية، تل هواش، تويه، شيخ إدريس، كفرنبودة، قلعة المضيق، التوينة، الشريعة، باب طاقة، الحمرة، الحويز، المهاجرين، الكركات، المستريحة، الخالدي والحرداني. كما خسرت المعارضة قرى في ريف إدلب الجنوبي، أبرزها القصابية التي كانت في حكم الساقطة عسكرياً ومن الصعب الدفاع عنها، حسبما أفاد مصدر في فصائل المعارضة السورية.
إلى ذلك، ذكرت مصادر في فصائل المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، أنّ "صدامات شديدة تدور في منطقتي الجلمة والشيخ حديد، في ريف حماة الشمالي"، مؤكدةً مقتل "أكثر من 66 عنصراً من قوات النظام، أول من أمس السبت، خلال محاولتها الفاشلة استعادة تل ملح، ومحاولة مقاتلي الفصائل السيطرة على الجلمة". وذكرت المصادر أنّ فصائل المعارضة السورية تضع ثقلاً عسكرياً للسيطرة على بلدة الشيخ حديد، لأن سقوطها يعني سقوط بلدة الحماميات وكرناز ومناطق أخرى في ريف حماة الشمالي، وهو ما يبدل بعض معادلات الصراع.
وأشارت المصادر إلى أنّ المناطق التي "يحاول مقاتلو المعارضة التوغّل فيها صعبة من حيث الجغرافيا، ولكنها تبدو سهلة بسبب وجود قوات النظام وليس المليشيات التابعة للعميد (في جيش النظام) سهيل الحسن"، موضحةً أنّ "هذه القوات متهالكة أصلاً، وليست لديها إرادة حقيقية للقتال". وأكدت المصادر أنّ الفصائل حققت الهدف الأول من هجومها المعاكس "وهو كسر قوات النظام وإيقاف تقدمها في ريف حماة الشمالي"، مشيرةً إلى أنّ الهدف الثاني هو "استعادة كل المناطق التي خسرتها خلال الشهر الماضي، بما فيها كفرنبودة وقلعة المضيق".
من جانبه، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنّ قوات الأسد استعادت السيطرة على قرية الجلمة، صباح أمس الأحد، مشيراً إلى أنّ طيران النظام نفّذ أمس 53 غارة على كل من: اللطامنة، حصرايا، مورك، كفرزيتا، الجبين، تل ملح، ولطمين بريف حماة الشمالي، بالإضافة إلى محاور القتال شمال غرب حماة، وخان شيخون وموقة جنوب إدلب، وكبانة ومحاور الاشتباكات في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي.
ونفّذ الطيران الروسي، بدوره، وفق المرصد، 35 غارة على محاور القتال شمال غرب حماة، وتل ملح والجبين وحصرايا وكفرزيتا واللطامنة بريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، مشيراً إلى أنّ الطيران المروحي ألقى 16 برميلا متفجّرا على كفرزيتا والجبين وأطراف كفرنبودة والزكاة، ضمن الريف الحموي. ويعدّ ريف حماة الشمالي خطّ الدفاع الأول عن محافظة إدلب، معقل المعارضة السورية البارز، وهو ما يكسبه أهمية كبيرة لطرفي الصراع (المعارضة المسلحة والنظام). لذا من المتوقع أن يظلّ فترة طويلة ميدان صدامات عنيفة بين الجانبين.
وبموازاة الاشتباكات في ريف حماة الشمالي، تدور معارك، منذ مطلع الشهر الماضي، في ريف اللاذقية الشمالي، حيث تحاول قوات النظام انتزاع السيطرة على تلة الكبانة الاستراتيجية، ولكنها تجد مقاومة من الفصائل المقاتلة في المنطقة.
وفي السياق، قالت "الجبهة الوطنية للتحرير" إنّ مقاتليها تمكنوا من تنفيذ عملية نوعية خلف خطوط قوات النظام، على تلة أبو الأسعد بريف اللاذقية، صباح أمس، ما أدّى إلى مقتل مجموعة كاملة لقوات الأسد، من ضمنها ضابط، واغتنام أسلحة خفيفة ومتوسطة. وفشلت قوات النظام مراراً في إحداث تحوّل كبير في جبهة القتال في ريف اللاذقية الشمالي لصالحها، وهو الأمر الذي يمكّنها في حال تمّ، من التقدّم باتجاه مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي.
وفي تطور لافت يحمل أكثر من رسالة، ذكرت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء، أنّ "قوات نظام بشار الأسد استهدفت، السبت، محيط نقطة المراقبة التركية في ريف حماة الشمالي، والموجودة ضمن منطقة خفض التصعيد شمال غربي سورية".
وأكدت الوكالة "أنّ قوات نظام الأسد والمليشيات الإرهابية الأجنبية المدعومة من إيران، استهدفت محيط نقطة المراقبة التركية رقم (10) بقذيفة مدفعية"، مشيرة إلى أنّ الهجوم الذي استهدف نقطة المراقبة التركية الواقعة في بلدة مورك في محافظة حماة، لم يتسبب في أي أضرار. وكانت قوات نظام الأسد، وفق الوكالة، استهدفت محيط نقطة المراقبة التركية رقم (10)، بقذائف صاروخية، في 29 إبريل/نيسان و4 و12 مايو/أيار الماضيين.
وتتوزع 12 نقطة مراقبة للجيش التركي في منطقة خفض التصعيد في إدلب، لحماية وقف إطلاق النار في إطار اتفاق أستانة. ومن الواضح أنّ النظام يحاول جاهداً خلط الأوراق في شمال غربي سورية، من خلال تأجيج الخلاف التركي الروسي، باستهداف النقاط التركية المقامة في سياق تفاهمات أستانة بين الثلاثي الضامن: تركيا، وروسيا، وإيران.
في موازاة ذلك، زعمت صحيفة "الوطن"، أنّ الأيام المقبلة ستحمل في طياتها مفاجآت ميدانية لجيش النظام "من العيار الثقيل، إذا ما استمر النظام التركي في التخلي عن التزاماته كضامن لاتفاقاته مع روسيا، والتحرش بقواتها الخاصة في أرياف حماة"، وفق الصحيفة.
ورفعت الصحيفة سقف مزاعمها بالقول إنّ "تركيا تسلّح هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)"، مدعيةً أنّ "مهمة القوافل العسكرية التركية التي تصل يومياً إلى نقاط المراقبة، باتت تقتصر على شحن السلاح الحديث والذخيرة لإيصالها إلى الفرع السوري لتنظيم القاعدة المدرج على قائمة الإرهاب العالمية، وهو ما يغضب موسكو وقد يجعلها في حلّ من ضمانتها للمنطقة منزوعة السلاح، بعد أن دلّت تصرفات أنقرة على أنها تخلت عنها إلى غير رجعة"، وفق الصحيفة المذكورة.