لكن الأخطر بالنسبة للبيت الأبيض أن تترافق مع هذه التحديات والاستحقاقات بداية تمرد واعتراض جمهوري مكشوفَين على أداء الرئيس وسياسته الخارجية، وبالتحديد في مجلس الشيوخ. مقال السناتور الجمهوري الجديد مِت رومني في "واشنطن بوست"، أمس، كان المؤشر الأوضح في هذا السياق. بدا بمثابة بيان سياسي لجناح "المعارضة" داخل الحزب الجمهوري. فقد تحدث من دون مواربة عن المآخذ على رئاسة ترامب، وبالذات عن خطابها وتوجهاتها وسياساتها ولو أنه أثنى على الداخلية منها. سلّط الأضواء على مدى الهبوط الذي تسببت به لسمعة الولايات المتحدة الأميركية في الخارج ولتحالفاتها، مؤكداً عدم السكوت على "الشطط" بعد اليوم. مقاله بدا كرسالة تحمل أكثر من توقيع لمرجعيات في مؤسسة الحزب الجمهوري، وكخطوة أولى لاسترداد الحزب من سيطرة ترامب، بصرف النظر عن احتمالات النجاح أو الفشل.
رومني من رموز هذه المؤسسة، فهو مرشح رئاسي سابق وحاكم ولاية وجمهوري عتيق، وهو اليوم في موقع القرار في مجلس الشيوخ الذي يحتاج الرئيس فيه إلى كل صوت من الأكثرية الجمهورية التي تتفوق على الديمقراطيين بثلاثة أصوات فقط. ومن المستبعد أن يكون رومني قد تفرد بهذا الموقف اليوم من غير ضوء حزبي أخضر، لا سيما أن خميرة المعارضة موجودة، وأخذت شحنات زخم من الاعتراضات على مواقف الرئيس من حرب اليمن والعلاقة "غير السليمة" مع السعودية وجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. ثم أخيراً، من قراره بالانسحاب من سورية ثم استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس.
عوامل تضافرت كلها لتدفع بالمؤسسة نحو بداية الاشتباك مع ترامب. وفي الكونغرس الآن مشاريع قوانين مضادة لهذه السياسات ومنها واحد في مجلس الشيوخ لوقف بيع السلاح للسعودية. وتعتزم كتل وازنة من الحزبين طرح مشاريع أخرى من هذا النوع للضغط باتجاه حمل البيت الأبيض على "محاسبة" القيادة السعودية في قضية خاشقجي.
وما يعزز وضع مقال رومني في هذا الإطار الجمهوري الواسع أن الرئيس ترامب حرص على أن يأتي رده على السناتور بلهجة ناعمة خلافاً للعادة في مثل هذه الحالة، وكأنه استشعر النوايا واختار التنفيس بدلاً من رد الصاع صاعين.
في النصف الأول من رئاسة ترامب، كانت كتلة الجمهوريين في مجلسي الكونغرس متراصة خلفه. تهيبت معاكسته بعد أن تمكّن من استقطاب قواعدها وتحويلها إلى "حزب ترامب". شطحاته أثارت بين الحين والآخر انتقادات أكثر من سناتور جمهوري. لكنها بقيت اعتراضات مكتومة أو خجولة وبلا مفعول، لاعتبارات انتخابية وأيديولوجية، ومعها بقي التململ تحت السيطرة.
الآن تغير المشهد بعد الانتخابات وبدا التصدي يتبلور بصورة مباشرة ولافتة. قد ينجح وقد لا ينجح، إذا ما تعذرت خلخلة القاعدة، 80 في المائة من المحافظين، التي ما زالت متماسكة في تأييدها له والتي تشكل مع شريحة من المستقلين المنحازين للرئيس، حوالي 40 بالمائة من الجسم الانتخابي. رسالة رومني تصوب على هذه القاعدة بقدر تصويبها على الرئيس لضبط خطاه على وقع توجهات الحزب الجمهوري، خاصة في السياسة الخارجية.
من المعروف أن الرموز والمرجعيات التقليدية من الحزبين، باتت تضيق ذرعاً بمواقف الرئيس ومفاجآته، بل ثمة تخوف حقيقي من خروجه على الساري والمعمول به، خاصة في ما يتعلق بالتحالفات المهددة بالتفكيك وبما مهد السبيل للصعود الروسي في غير مكان كما للتمدد الصيني في آسيا. بدايات 2019، هي مفترق طرق لرئاسة ترامب.