وفي مظهر آخر للاستعداد لقمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع السيسي، استضافت واشنطن من 20 إلى 22 من شهر مارس/ آذار الحالي اجتماعات الدورة الـ31 للجنة التعاون العسكري بين البلدين. وترأس الوفد المصري مساعد وزير الدفاع للعلاقات الدولية، اللواء محمد الكشكي، بينما ترأس الوفد الأميركي مساعدة وزير الدفاع بالإنابة لشؤون الأمن الدولي، كاثرين ويلبرغر.
وتأتي زيارة السيسي إلى واشنطن قبل الاستفتاء المرتقب على التعديلات الدستورية، المقرر أن يُجرى في النصف الثاني من شهر إبريل، وبعد أيام معدودة من نهاية فترة تداول التعديلات في البرلمان. ومن المقرر أن تنتهي فترة الدراسة والحوارات المجتمعية منتصف الشهر المقبل، وأن يحدد رئيس مجلس النواب علي عبد العال جلسة "عاجلة" لأخذ موافقة النواب على محتوى التعديلات مادة مادة، ونداءً بالاسم، من دون مناقشة موسعة. وهو ما يُمكن أن يستغرق يوماً أو اثنين كحد أقصى، على أن تكون بعده التعديلات في صيغتها النهائية، ثم سيصدر قرار بدعوة الناخبين للاستفتاء قبل بداية شهر رمضان المقبل، أي في الأسبوع الأول من مايو/ أيار المقبل.
وذكرت المصادر أن "زيارة السيسي ستكون لها أهداف عديدة، أهمها تأكيد حصوله على دعم ترامب المبدئي لبقائه في الحكم فترة أطول، بغضّ النظر عن الخلافات التفصيلية والملاحظات التي تسجلها الإدارة الأميركية على سجل حقوق الإنسان في مصر، والتي تجلّت أخيراً في السلبيات القياسية التي رصدها التقرير السنوي للخارجية الأميركية والذي صدر الشهر الحالي".
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن "الزيارة تستهدف تهدئة غضب الدوائر المؤثرة في واشنطن وقلقها، ومن بينها دوائر بالحزبين الجمهوري والديمقراطي والمجتمع اليهودي ومجتمع رجال الأعمال، الذين عبّروا في اتصالات عدة أخيراً مع الخارجية المصرية والمخابرات العامة، عن ضرورة تأمين الجبهة الداخلية بضمانات حقيقية، لعدم حدوث هزة كبيرة في المستقبل جراء العبث بالدستور".
وأشارت المصادر إلى أن "الخارجية تحضّر تقارير إيجابية عن مستقبل العمل الأهلي في مصر، وهي مسألة يهتم بها ترامب شخصياً. وقد طرحها تقرير الخارجية الأميركية بشكل واسع لأنها مجال أساسي لإنفاق ملايين الدولارات سنوياً من جهات مانحة حزبية وأكاديمية. وهي أيضاً القشة التي كانت سبباً في قرار واشنطن السابق في صيف 2017 بتجميد نحو 290 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر لمدة 13 شهراً، على خلفية إصدار قانون الجمعيات الأهلية في مايو 2017، وكتابة الناشطة المصرية آية حجازي، التي أفرج عنها السيسي بطلب من ترامب، مقالاً في صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية في أغسطس/ آب 2017، دعت فيه الإدارة الأميركية إلى حجب المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى القاهرة وربطها بإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان".
ولفتت المصادر إلى أن "السيسي سيركز على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ 4 أشهر لإعداد مشروع تعديل القانون، الذي لم ير النور حتى الآن من دون أسباب معلنة مقنعة. وهو ما دفع الدوائر الغربية إلى التشكيك في جدية السيسي في تعديل القانون، على الرغم من تواصل وزارة التضامن الاجتماعي المكلفة بإدارة حوار موسع حوله مع ممثلي السفارات والجهات المانحة من الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى. وحيث تركزت ملاحظاتهم على ضرورة السماح بتدفق الدعم بعد إغلاق قضية التمويل الخاصة بالمنظمات الأجنبية".
وسيكون البعد الإقليمي حاضراً بقوة تقليدية خلال الزيارة، تحديداً لمناقشة تبعات اعتراف ترامب بإسرائيلية هضبة الجولان السورية المحتلة، وهي الخطوة التي اعترضت عليها مصر رسمياً بصوت خافت، فضلاً عن دراسة مستجدات التحضير لإتمام خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن" والتي تبرأ منها السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في صيف العام الماضي بعد خلافات مع ترامب وإسرائيل حول بعض النقاط العالقة.
وذكرت المصادر أن "هناك إصراراً أميركياً على حسم تفاصيل الصفقة قبل انتهاء ولاية ترامب الأولى. ومن بين هذه التفاصيل تنسيق الملف الأمني في غزة والسيطرة على حركة حماس وتحجيم قوتها العسكرية. وهي المهمة التي كان ترامب قد أوكلها إلى السيسي لتُقدّم في إطار ما وُصف بالجهود المصرية لإتمام المصالحة الفلسطينية، والتي شهدت انتكاسة كبرى في الأشهر الأخيرة".
يذكر أن الخارجية الأميركية قبل إصدارها تقريرها السنوي لحقوق الإنسان بأقل من شهرين، ذكرت أن "الجهود التي يبذلها السيسي لتعزيز الحرية الدينية، تُعدّ مثالاً يحتذى به لجميع قادة وشعوب الشرق الأوسط". واعتبرت أن "القاهرة تُعدّ واحدة من الشركاء القدماء لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط"، في ظل محاولات علنية من نواب بالحزب الديمقراطي لتخفيض المساعدات الأميركية السنوية لمصر.
وقبل ذلك أطلق ترامب تغريدة للإشادة بالسيسي لافتتاحه كاتدرائية ومسجداً بالعاصمة الإدارية الجديدة واعتبر تجربته في تحقيق الحريات الدينية "جديرة بالاهتمام". وفي مطلع العام الحالي أجرى السيسي اتصالاً بترامب ركّز فيه على "تبادل التهاني بمناسبة العام الجديد وبحث تطورات الأوضاع بالشرق الأوسط، خصوصاً في ليبيا وسورية واليمن، وتطوير العلاقات العسكرية وملف مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف". غير أن مصادر حكومية مصرية كشفت حينها لـ"العربي الجديد"، أن "الاتصال ارتبط بملفين: أولهما التنسيق حول فرص نشر قوات عربية في سورية بدلاً من القوات الأميركية التي ستنسحب منها خلال أربعة أشهر بحسب المصادر الأميركية، وذلك بناء على مبادرة طرحها ترامب، والثاني هو البحث عن عدم ممانعة واشنطن لتعديل الدستور".