وحتى الآن يُحظر على المتظاهرين الدخول إلى مبنى المطعم التركي، إذ يؤكد ناشطون سيطرة "التيار الصدري" عليه بحجة ترميمه وتنظيفه، كاشفين عن أن المبنى فرضت عليه إجراءات دخول مشددة، ولا يسمح إلا لأنصار الصدر دخوله، وعددهم لا يتجاوز خمسين شخصاً، وهم بدورهم يسيطرون على منصة إذاعة البيانات، ونصبوا كاميرات مراقبة بمحيطه وحولوه إلى أشبه ما يكون بمقر حزبي.
وفي شهر فبراير/شباط الماضي، اقتحم أتباع الصدر ممن يطلق عليهم فريق "القبعات الزرق" التابع لـ"سرايا السلام"، الجناح العسكري لـ"التيار الصدري"، عدداً من ساحات وميادين التظاهرات، ونفذوا عمليات قمع واسعة أدت إلى مقتل وإصابة عشرات المتظاهرين في النجف وكربلاء وبغداد، وهو ما أثار موجة تنديد كبيرة في البلاد، لعل من أبرزها ما صدر عن المرجع الديني في النجف علي السيستاني، مشدداً على أن "تأمين التظاهرات، أو الكشف عن المندسّين، من مهمة قوات الأمن، وليست أي جهة أخرى، أياً تكن"، بحسب خطبة جمعة كربلاء، ليعلن الصدر بعد ساعات حلّ جماعة "القبعات الزرق".
في السياق، قال ناشط ومتظاهر بارز من بغداد، لـ"العربي الجديد"، طلب عدم ذكر اسمه، إن "الوضع لم يعد مقتصراً على مبنى المطعم التركي، إذ إنه منذ أيام، أعدّ أنصار الصدر حضورهم في ساحات الاعتصام، وصاروا يمارسون تضييقاً على المتظاهرين في ما يتعلق بشعاراتهم ولافتاتهم التي يرفعونها بشكل يطابق توجهات الصدر بفرض وصاية على التظاهرات".
وأضاف أن "عدداً غير قليل من الناشطين والناشطات قرروا الانسحاب بسبب مضايقة الصدريين وتهديدهم المتكرر ومحاولة صبغ التظاهرات بطابع صدري، وهو ما لا يمكن القبول به، لذا صار النهار للمتظاهرين العراقيين، لكون العدد الكبير لهم يعجز أتباع الصدر عن وقفه أو التدخل به، وليلاً تكون الساحة تحت سيطرتهم بشكل شبه كامل".
وفي ميسان، جنوبي العراق، يملك أتباع الصدر نفوذاً واضحاً على ساحة الاحتجاجات الرئيسة فيها بمدينة العمارة مركز المحافظة، بعد نصبهم مزيداً من الخيام فيها، بحسب الناشط في المدينة تحسين المالكي، الذي أكد أن "ساحات التظاهر تتعرض لمحاولة مصادرة جديدة من قبل الصدريين، والمتظاهرون الحقيقيون يدركون خطر ذلك".
وأضاف لـ"العربي الجديد": "حتى إن الوفود التي تصل من بغداد إلى ميسان بهدف دراسة المشاريع المستقبلية والخطوات التصعيدية التي يسعى المتظاهرون إلى تحقيقها، يمنعها أتباع الصدر، وقد طردوا أخيراً وفداً من بغداد، كان يسعى إلى تأسيس كيان سياسي يشارك بالعملية السياسية في الانتخابات المبكرة المقبلة"، معتبراً أن "خطوة الصدر تهدف إلى امتلاك قرار التظاهرات واستخدامه كورقة ضد الكتل السياسية المنافسة له".
من جهته، قال عضو تنسيقية تظاهرات النجف علي الحجيمي إن "الصدريين، بعد الأحداث الدموية الأخيرة على يد جماعة القبعات الزرق، التي سببت مقتل نحو 10 متظاهرين من المدينة، وحرق خيام المعتصمين، لم يعد بمقدورهم الدخول إلى ساحة الصدرين، وهنا أتحدث عن قتلة المتظاهرين من أتباع الصدر، ولكن يبقى من حق أي مواطن عراقي المشاركة في الاحتجاجات".
وأكد الحجيمي، لـ"العربي الجديد"، أن "الصدر سعى خلال الأسابيع الماضية إلى جعل التظاهرات تمتثل لأوامره، ولكنه لم يكن موفقاً في هذا الطموح، وهناك إشارات عديدة تفيد بأن الصدر سيُحاول مرة أخرى ركوب الموجة، وإنهاء الاحتجاجات غير الصدرية، وفسح المجال للصدريين فقط للاستمرار بالاحتجاجات".
وبالرغم من تأكيد المتظاهرين "الاحتلال الصدري" لمبنى المطعم التركي، إلا أن القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي ينفي وجود القبعات الزرق، ويرد على ذلك في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "أنصار الصدر الموجودين في ساحات التظاهر يتظاهرون كغيرهم من أبناء الشعب العراقي، وكل العراقيين يعرفون أن أكثر شريحة في المجتمع متضررة وتعاني من الفقر والتنكيل هم الصدريون، وبالتالي يمارسون حقهم في التظاهر السلمي".
وأكمل أن "ساحة التحرير وغيرها من ساحات المدن التي تشهد احتجاجات تخلو من أي وجود لجماعة "القبعات الزرق"، وقد التزموا قرار زعيمهم مقتدى الصدر، وانسحبوا بعد أن كان دورهم واضحاً، وهو إبعاد المندسين والمخربين عن المحتجين وعن الاحتجاجات. وأي تصريحات أو شكاوى عن وجود الصدريين في تظاهرات بغداد كقوة مسلحة أو محتلة ليس إلا أكاذيب تسعى بعض الأحزاب إلى تعميمها في سبيل النيل سياسياً من توجهات التيار الصدري الأخيرة بشأن دعم تشكيل حكومة مقدسة تقف بالضد من تطلعات السياسيين".