تشهد المناطق ذات الغالبية الكُردية شمال شرقي سورية موجة هجرة في صفوف الشباب هرباً من التجنيد الإجباري ضمن قوات محلية تم تشكيلها لحماية تلك المناطق، بعدما أصبح مع أواخر العام 2014 إجبارياً ولا يُعفى منه أحد إلا بشروط معينة، ما أدى إلى تهجير عدد كبير من الشباب الكرد.
رامان إبراهيم من مدينة القامشلي يبلغ من العمر 21 سنة، واحد من الشباب الذين فروا من الخدمة الإجبارية في صفوف القوات الكردية. هذا الأخير الذي يقيم حالياً في مدينة إسطنبول التركية قال في اتصال هاتفي لـ"العربي الجديد": "لدي ثلاثة إخوة ذكور هاجروا إلى أوروبا منذ بداية الثورة السورية كونهم كانوا مطلوبين للخدمة الإلزامية العسكرية ( للنظام السوري)، كنت الشاب الوحيد الذي بقيت مع والدي ووالدتي في القامشلي لأكون معيلاً لهم".
ويضيف رامان أنه بعد "إعلان التجنيد الإجباري من قبل الإدارة الذاتية قرر والداي تسفيري إلى تركيا خوفاً على حياتي بعد محاولات كثيرة مع الإدارة لإعفائي من الخدمة كوني المعيل الوحيد، لكن دون جدوى، لهذا السبب أنا الآن متواجد في تركيا ولا أستطيع العودة إلى مدينتي خوفاً من سوقي إلى التجنيد الإجباري".
قصص الفرار من التجنيد بدأت بعدما تقلص دور النظام السوري في المناطق ذات الغالبية الكُردية وانسحابه منها تدريجياً، وتشكيل حكومة جديدة مؤقتة بداية عام 2012 من قبل أحزاب حركة المجتمع الديمقراطي في تلك المناطق، باسم حكومة الإدارة الذاتية. وكذا تأسيس "وحدات حماية الشعب" لحماية حدود مناطق الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى قوات أمنية داخلية "أسايش"، وكان الانضمام لتلك القوات بشكل طوعي ولم يجبر أحد على التجنيد.
وفي يوليو/ تموز 2014، أقر المجلس التشريعي المنضوي تحت سقف حكومة الإدارة الذاتية، قانوناً جديداً أطلق عليه "واجب الدفاع الذاتي" في مناطق الإدارة الذاتية وينص على التجنيد الإجباري للشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 30-18 سنة، لمدة 9 أشهر ولا يعفى منها إلا من يكون وحيداً أو مريضاً أو أخاً لأحد قتلى الحرب، مما أدى إلى تهجير عدد كبير من الشباب الكرد.
الشاب أحمد خليل موسى يبلغ من العمر 30 عاماً، متزوج ولديه طفل واحد، خريج دبلوم وماجستير من جامعة دمشق ويعمل مرشداً اجتماعياً وموظف لدى التربية السورية يقول "أنا لا أريد أن أخدم لعدة أسباب منها، أولاّ أنا المعيل الوحيد لزوجتي وطفلي".
وتابع "وضعي الاقتصادي غير مساعد لكي أسافر أو أخدم لأنه إذا خدمت سوف تقوم الحكومة السورية بفصلي من الوظيفة التي أعيش أنا وعائلتي على راتبها"، قبل أن يضيف: "ثانياً هذه الحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل وإذا تم تجنيدي وفقدت حياتي في معركة ما، فكوني مقاتلاً لن يساعد أحد عائلتي، وثالثاً أنا درست الماجستير والدبلوم ليس لأقاتل وإنما لأعمل في مجالي ولكل عمل أهله".
أما الشاب محمد عفيف حسن البالغ من العمر 24 عاماً وهو طالب في كلية الحقوق بجامعة الفرات في الحسكة، فيقول إنه رغم تأجيله من الخدمة كونه طالباً، لم يعد يذهب إلى الجامعة خوفاً من سوقه إلى التجنيد، وهو أيضاً المعيل الوحيد لعائلته. وأضاف أنه لا يذهب إلى العمل أيضاً لأنه من المحتمل بأي لحظة أن يتم القبض عليه في الشارع أثناء الذهاب إلى عمله من قبل قوات الأمن الداخلي.
ومن جانبه، يوضح المعارض الكُردي السوري أحمد موسي، أنه "بعد تفرد حزب الاتحاد الديمقراطي بالسلطة المؤقتة تم فرض التجنيد الإجباري تحت عنوان حماية المنطقة الكردية من الإرهاب وبذلك فتح باب التهجير أمام كل الشباب الذين لم يؤمنوا بمشروعه وهو أيضاً لم يكن مستعداً أن يوقف هجرة الشباب الكرد وكأنهم يرغبون بها".
ويضيف أن تجنيد الشباب طاول حتى الطلبة الجامعيين الذين فهموا أن التأجيل الدراسي لم يعد ينفعهم إلا بالمحسوبية والفساد المستشري في الإدارة الذاتية المؤقتة التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي، وبدأت المنطقة الكردية تُفرغ من الشباب كما يريدون هم.
ولفت إلى أنهم "لم يكفوا عن هذا السلوك رغم انتقادات المنظمات العالمية لهم، وهم مستمرون حتى اللحظة في سوق الشباب".