سارعت الهيئات القضائية المصرية إلى تطبيق القانون الأخير الذي أصدره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والذي يسمح له باختيار رؤساء الهيئات القضائية الأربع (غير المحكمة الدستورية)، إذ تلقت رئاسة الجمهورية رسمياً، يوم الأحد، قوائم المرشحين الثلاثة من المجالس العليا لكل من مجلس القضاء الأعلى والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة.
واختارت الهيئات الثلاث الحل الأسلم بعدم التصدي للقانون وتطبيقه مباشرة بعقد جلسة قبل الموعد المحدد في القانون واختيار أقدم 3 أعضاء في أول يوليو/ تموز المقبل، ليختار السيسي من بين كل 3 مرشحين رئيساً للهيئة. وفي السياق، رشّح مجلس القضاء الأعلى كلاً من القضاة أنس عمارة ومجدي أبوالعلا وإبراهيم الهنيدي، ورشح المجلس الأعلى للنيابة الإدارية المستشارين رشيد فتح الله وعبدالمنعم الدجوي ومحاسن لوقا، ورشح المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة كلاً من محمد ماضي وحسين عبده خليل ومنير مصطفى.
وقال مصدر قضائي في مجلس القضاء الأعلى إن أغلبية أعضاء المجلس، وبصفة خاصة الممثلين الثلاثة عن محكمة النقض وعلى رأسهم رئيسها الحالي القاضي مصطفى شفيق، "لن يقدموا على أي تحد لرئاسة الجمهورية، وجميعاً ليسوا متعاطفين مع القاضي الأقدم المهدد بالاستبعاد من رئاسة محكمة النقض وهو أنس عمارة، بل إن بعض كبار القضاة في محكمة النقض يتعمدون ترديد شائعات عن انتمائه فكرياً لجماعة الإخوان".
وأضاف المصدر أن مجلس القضاء الأعلى سيعمل على إفساد خطة نادي القضاة لعقد جمعية عمومية حاشدة يوم الجمعة المقبل في مقر دار القضاء العالي بوسط القاهرة. ووفقاً للمصدر فقد تم الاتصال بعدد من رؤساء أندية الأقاليم الكبرى لإثنائهم عن فكرة المشاركة مع نادي قضاة مصر العام في الجمعية العمومية، وذلك التزاماً بتعليمات سرية صدرت من وزير العدل حسام عبدالرحيم، وخوفاً من تنفيذ تهديدات السلطة التشريعية بتمرير قانون يخفّض سن تقاعد القضاة قبل عطلة الصيف المقبلة.
وارتباطاً بذلك، أصدرت محكمة النقض بياناً نفت فيه عقد جمعية عمومية، اليوم الثلاثاء، كان قد دعا إليها عدد من قضاة المحكمة وأعلن نادي القضاة عن تضامنه معها، في خطوة تظهر تفاقم الخلاف بين الطرفين، وتخلي مجلس القضاء الأعلى عن نادي القضاة في موقفه المعارض للقانون، على عكس وقوف مجلس الدولة مع ناديه وعقده جمعية عمومية سابقة أعلنت رفض القانون.
وبالتزامن مع تطبيق القانون على الرغم من اعتراض القضاة عليه، قالت مصادر في الهيئات الثلاث التي أرسلت ترشيحاتها إن تعليمات مشددة من إداراتها صدرت للأعضاء بالتوقف عن الإدلاء بأي تصريحات إعلامية حول الأزمة، وعدم التطرق لها في الأيام المقبلة على الصفحات الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، وإلاّ أحيل العضو المخالف إلى التفتيش أو مجلس التأديب.
وأكدت إدارات الهيئات الثلاث في تعليماتها السرية أنها لن تقف في وجه الدولة، ممثلة في السلطة التشريعية أو التنفيذية، وأنها كمؤسسات قائمة على تطبيق القانون لن تتوانى عن تنفيذه، حتى إذا كان ذلك على حساب مصلحة بعض أعضائها، فيما يعتبر ارتداداً كبيراً في مواقف هذه الهيئات.
في المقابل، لم تصدر تعليمات مماثلة لأعضاء مجلس الدولة الذين سيعقدون جمعيتهم العمومية لاختيار مرشحيهم الثلاثة لرئاسة المجلس في 13 مايو/ أيار المقبل، لكن مصدراً رفيع المستوى في المجلس، قال لـ"العربي الجديد" يوم الأحد، إن قيادات المجلس تلقت تطمينات عالية المستوى من الرئاسة ودوائر نافذة أخرى بأن السيسي سيختار أقدم الأعضاء وهو المستشار يحيى دكروري (صاحب حكم بطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير) رئيساً مقبلاً للمجلس، من دون تخطيه في الأقدمية، وهو ما قد يساهم في خفض نبرة معارضة المجلس للقانون خلال الأسابيع المتبقية قبل موعد الجمعية العمومية.
وأوضح المصدر أن قيادات مجلس الدولة رفضت اتخاذ خطوات تصعيدية قبل عقد الجمعية العمومية، كإلغاء ندب بعض مستشاري المجلس لدى رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وإعلان المقاطعة الرسمية للإشراف على الانتخابات. وبحسب المصدر نفسه فإن القيادات فضلت إرجاء البت في مثل هذه المقترحات التي قدمها النادي لما بعد إصدار السيسي لقرار التعيين، فإذا صدر متضمناً مخالفة لمبدأ الأقدمية، فسوف تعقد جمعيات عمومية أخرى للبت في هذه المقترحات.
وأضاف المصدر أن هناك خلافاً في أوساط المجلس حول ترشيح الأعضاء الثلاثة من بين أقدم سبعة، والذين سيختار من بينهم رئيس الجمهورية رئيس المجلس المقبل، إذ يرى البعض ترشيح الأقدم فقط وتعمد مخالفة القانون ليصدر السيسي قراراً باختيار شخص من بين السبعة متجاهلاً الترشيح، مما يفتح باب الطعن أمام العضو الأقدم (وهو دكروري) بينما يرى فريق آخر الالتزام بترشيح 3 أعضاء مع أحقية دكروري أو غيره من المرشحين بالطعن في حالة تجاوزهم في الأقدمية.
كما ثار خلاف آخر حول طريقة الترشيح نفسها، فهناك فريق يميل إلى اتباع ما فعلته الهيئات الثلاث الأخرى بإرسال أسماء أقدم 3 أعضاء من دون التصويت عليهم، بينما يرى آخرون أنه طالما ستنعقد الجمعية العمومية فمن حقها التصويت على كل عضو من أقدم 7 أعضاء، وأن يرسل المجلس أعلى 3 أسماء حصلوا على أصوات. ويهدف أصحاب هذا المقترح لاستبعاد بعض الأعضاء الذين تردد أنهم يسعون لرئاسة المجلس بغير أحقية أو تواصلوا مع شخصيات نافذة بالدولة لتحسين صورتهم أمام القيادة السياسية.