جورج حبش عن البواكير والرفاق والمسار: هربت من السجن في دمشق إلى منزل وديع حدّاد في بيروت (4)

09 أكتوبر 2024
جورج حبش في مؤتمر لجبهة الصمود والتصدي في الجزائر (3/2/1978 Getty)
+ الخط -

هذا الحوار وثيقة مهمة في تجربة جورج حبش ورفاقه الأوائل الذين أسسوا حركة القوميين العرب، ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. أنجزه في الجزائر سنة 1989 شريف الحسيني وسائدة الأسمر (حكمت نصّار). يتعلّق، في جزء كبير منه، بالقيادي المؤسس في الجبهة وديع حدّاد وخلافه معها ومع حبش. ويتضمن تفصيلات مهمة عن البدايات التأسيسية لحركة القوميين العرب، وعن الرفاق الأوائل، أمثال هاني الهندي ووديع حدّاد وأحمد الخطيب وصالح شبل وحامد الجبوري ومحسن إبراهيم وأحمد اليماني. كما يحتوي معلومات شائقة عن مرحلة النضال السياسي والعسكري، ولا سيّما عمليات خطف الطائرات التي برع وديع حدّاد في تخطيطها وتنفيذها، علاوة على الانشقاقات اليسارية التي خلخلت تنظيم الجبهة الشعبية بين 1968 و1972. وقد انتثلَ الزميل صقر أبو فخر هذا الحوار المطوّل، والذي لم ينشر من قبل، من أوراقه الفلسطينية وحقّقه ووضع حواشيه وقدّم له. تنشر "العربي الجديد" حلقاتٍ منه، قبيل صدوره قريباً في كتاب عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وفيما يلي الحلقة الرابعة من الحوار. 

                                                       ***********

شريف: في تلك الفترة اعتُقلت في دمشق ومعك فايز قدورة وعلي بُشناق. متى حدث ذلك؟
الحكيم: في آذار/ مارس 1968. وعندما اعتُقلتُ كانت الجبهة الشعبية في بداية انطلاقتها، وكنّا مشدودين إلى العمل العسكري بالدرجة الأولى. وبعد اعتقالي دخل نايف حواتمة إلى المشهد ومعه بعض الكوادر، وأدخل الخلافات السياسية والتنظيمية.

شريف: هل تعتقد أن اعتقالك في تلك الفترة، وبداية تحرّك نايف حواتمة في وقت لاحق، كانا أمرَين معزولَين واحدهما عن الآخر؟ وقيل كلام كثير في هذا الموضوع، ومنه أن مَنْ وقف وراء الانشقاق في الجبهة هي سورية و"فتح". ويذكر سمير شهاب الدين أن ثمّة قرارًا كان يقضي بذهاب نايف حواتمة إلى الأردن بعد 1967، لكن القرار لم يطبّق إلا في وقت متأخّر جدًا. السؤال الآن: من هم أطراف التحريض على الانشقاق؟ أمّا ما يخص انشقاق أحمد جبريل فالأمر واضح وهو أن السوريين وقفوا وراء الموضوع. لكن أَلم يكن اعتقالك مع علي بُشناق للتغطية وتمهيد السبيل أمام نايف حواتمة ليؤدّي دوره؟ لقد أكّد لي سمير شهاب الدين أن نايف لم يكن ضمن المجموعة التي سعت إلى عقد مؤتمر أغسطس/ آب 1968، لكنه انضم إليها لمآربه الخاصة. وحتى في مؤتمر أغسطس لم يكن هو القائد المحرك للعناصر وللشبان الوافدين من الخارج مثل ياسر عبد ربّه وغيره. فهؤلاء القادمون من الخارج ومن الأردن هم الذين تكتّلوا لاعتبارات خاصة بهم، وهنا جاء نايف ليجد هذا الجو المتناقض فاستفاد منه وارتكز عليه.
الحكيم: سمعت مثل هذه الأقوال بالطبع. أن أسمع مثل هذا الكلام أمر، وأن أتبنّى هذا الرأي أمر آخر. حين عوتب نور الدين الأتاسي الذي كان رئيسًا للجمهورية العربية السورية في ذلك الوقت وسئل: "لماذا تعتقل جورج حبش وهو إنسان وطني يعمل ضدّ إسرائيل؟"، كان جوابه: "ماذا أستطيع أن أفعل عندما يأتي أناس من حركة القوميين العرب، أو من الجبهة الشعبية، ويقولون للمسؤولين السوريين إن جورج حبش يهرّب السلاح إلى سورية لا لإرساله إلى الأردن أو إلى الداخل، بل للعمل ضدّ النظام السوري". هل قصة النميمة هذه حقيقية؟ أنا لا أستطيع أن أجزم، لكنني سمعتها من زوجتي التي أخبرتني أنه عندما حصلت عملية تهريبي من السجن، وعرفت ذلك قبل 24 ساعة، التقت في الطريق في اليوم نفسه الذي جرى فيه تحريري من السجن، محسن إبراهيم ومحمد كشلي، وعبرت لهما عن فرحتها بالخلاص، فسألاها عن الموضوع، فقالت لهم: ما معكم خبر؟ الحكيم خرج. وهنا، كما تقول، اصفرّت وجوههم واختلفت وتغيرت. أنا ما زلت أقول بيني وبين نفسي هل من الممكن أن تصل الأمور عند إخوة ورفاق عاشوا معًا طوال هذه الفترة إلى هذه الدرجة؟ هل من الممكن أن تصل إلى حدّ الوشاية بي بهدف اعتقالي؟ وهل من الممكن أن تصل الأمور إلى أن يصيبهم الذعر عندما سمعوا أنني خرجت؟ لا أملك الجواب عن هذه الأسئلة، لكنني أضع علامة استفهام (1).

بعد اعتقالي في دمشق دخل نايف حواتمة إلى المشهد ومعه بعض الكوادر، وأدخل الخلافات السياسية والتنظيمية

سائدة: كنتَ في القاهرة قبل اعتقالك. هل كانت هناك مباحثات معيّنة مع المصريين أثارت حفيظة السوريين؟
الحكيم: لا أذكر أني كنت في القاهرة آنذاك.

سائدة: ثمة رسالة منك مؤرخة في 13/2/1968 تقول فيها: "قبل 10 أيام كنت في القاهرة". وذكرتَ فيها أن الدورة التدريبية الأولى انتهت (9 ضباط وعشرون فدائيًّا سيغادرون إلى عمّان) وسيبدأ تنظيم دورة أخرى سيُرسل أفرادها على دفعات.
الحكيم: ربما كان تاريخها 1969؟ دقّقي يا سائدة.

شريف: في 1969 لم تُعقد أي دورات؟
الحكيم: حتى لو حصل ذلك لا أكون قد قابلت عبد الناصر في ذلك الوقت. ربما قابلت سامي شرف، لأنني أذكر أن أول مرة رأيت فيها عبد الناصر بعد النكسة كانت بعد خروجي من السجن في دمشق.

فدائيون متطوعون في معسكر تدريبي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 1/ 8/ 1975 (Getty)
فدائيون متطوعون في معسكر تدريبي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (1/8/1975 Getty)

سائدة: صحيح. لو أنك قابلت عبد الناصر لذكرت ذلك في الرسالة. لكن من الجائز أن ثمة مباحثات جرت حينذاك، وأن أخبارًا وصلت إلى السوريين عن أنكم ستعملون ضدّ النظام.
شريف: في تلك الحقبة حصلت مجموعة من التطورات على الصعيد الفلسطيني: عُقد المجلس الوطني الفلسطيني الذي لم تحضره أنت، وحضره وديع حدّاد الذي تولى موقع نائب الرئيس في تلك الدورة. وفي الفترة نفسها، نفّذت الجبهة الشعبية أول عملية خارجية لها وهي اختطاف طائرة "العال" إلى الجزائر (3). هل كان خطف الطائرة قد أُقرّ قبل دخولك إلى السجن؟ هل بحثت قيادة الجبهة خطّ العمليات هذا قبل اعتقالك أم في وقت لاحق؟
الحكيم: ما أذكره أن بعض الأصدقاء كانوا يقترحون علينا عمليات من هذا النوع، ويتساءلون: لماذا لا نقوم بالعمل الفلاني؟ وكانوا يتخيّلون النتائج التي يمكن أن تحدث على صعيد الرأي العام العالمي وعلى صعيد إسرائيل، وأثر ذلك في رفع معنويات الجماهير الفلسطينية. لكنني لا أذكر أننا اتخذنا مثل هذا القرار قبل اعتقالي. كنا مشدودين في ذلك الوقت إلى الجانب السياسي والتنظيمي لترتيب أمور الجبهة، وإلى العمل العسكري والتدريب والعمليات من الحدود الأردنية - السورية. ولا أذكر هل كان هناك قرار في شأن خطف الطائرات. كنتُ في السجن وعلمنا بالخبر من خلال أحد قادة البعث المسجونين معنا. وقد عمّت الفرحة السجناء كلهم، وأنا كنت واحدًا منهم، وشعرت بأن هذه العملية ستشكل ضربة معنوية كبيرة لإسرائيل، وترفع معنويات جماهيرنا، وتطرح القضية الفلسطينية على صعيد عالمي.

قبل تهريبي من السجن بفترة، نسجتُ علاقات إنسانية بالسجّانين 

شريف: هل كانت هناك مراسلات بينك وبين القيادة في الخارج في فترة اعتقالك؟
الحكيم: في الفترة الأخيرة، نعم. وهكذا رُتّب موضوع تهريبي من السجن.

شريف: حسنًا، نحن نعرف قصة تهريبك من السجن من خلال روايات الذين شاركوا في تلك العملية. حبذا لو نسمع منك أنت الحكاية، منذ كنتَ في السجن حتى خروجك منه.
الحكيم: ما أذكره أنني قبل تهريبي من السجن بفترة، نسجتُ علاقات إنسانية بالسجّانين. ربما لم يكن في ذهني في ذلك الوقت أي شيء، إنما لأن هؤلاء ناس وبشر، وأنا بطبيعتي لطيف، وأتعامل مع الناس بشكل إنساني. وقد ترسّخت علاقتي بجندي من الطائفة العلوية كان دائماً يسألني: "بدك شيء؟"، أي هل تريد أي شيء؟ هل يمكنني أن أقدم لك أي خدمة؟ وكنتُ أجيبه دائمًا: لا، شكرًا. فلما وثقت فيه أرسلت من طريقه رسائل إلى فايز قدورة (أبو بسام)، ومنه إلى زوجتي. وأصبح الجندي يعرف بيت أبو بسام ويزوره، أي إنه بات صلة الوصل به، و كانت في المرحلة الأولى صلة إنسانية، ولم يكن في الذهن أي أمر آخر. وهذا الجندي إنسان هادئ جدًّا ورائع. وفي أحد الأيام وصلتني رسالة من عائلة أبو بسام وردت فيها عبارة تقول إن فلانة وفلانة من أقاربك ستزورانك، وما عليك غير مساعدتهن وتسهيل الأمر لهم. الرسالة التالية كانت أوضح، وفهمت، من الرسائل المباشرة التي كان يكتبها وديع، أو من الرسائل الشفهية التي كانت تأتي إلي من طريق هذا الجندي، أن ثمة ترتيبًا يقضي بأن تزورني فلانة وفلانة، وفي الطريق لدى عودتي إلى سجن الشيخ حسن سأُختطف. وسجن الشيخ حسن لم يكن يسمح بالزيارات المباشرة، بل يذهب طالب المقابلة إلى الدائرة السياسية في المخابرات التي تتولى إحضار السجين إلى الدائرة السياسية حيث تجري المقابلة، وبعد ذلك يُعاد السجين إلى السجن بواسطة الشرطة العسكرية. وربما جرى تمرين تجريبي على العملية قبل تنفيذها؛ ففي إحدى المرات استدعوني إلى الزيارة ثم رجعت إلى السجن، وعلمت أن في الزيارة المقبلة، وفي أثناء عودتي إلى السجن، ستتم العملية. ولما حصلت تلك الزيارة كنت أعرف ما سيجري بعد الزيارة، والمطلوب مني أن أترك العواطف والجانب الإنساني جانبًا، وأن أتجاوب مع التعليمات. وكنت أتطلع إلى مدير السجن الذي كان خلوقًا معي، وإلى السّجانين الذين يرافقونني وأقول: "يا حرام، كيف بدها توقع العملية على راسهم؟". لو أننا نجد طريقة نوفّق فيها بين رغبتي في الهرب وعدم إيذاء هؤلاء الناس. المهم أن فلانة وفلانة زارتاني، وبدأ السلام: مرحبًا، كيف الحال، كيفك يا خالي؟ وفهمت أن كل شيء بات مرتبًا. وقبل وصولي إلى بوابة السجن بمائة متر أو مائتين، رأيت الرفاق يرتدون لباس الشرطة العسكرية السورية، ومعهم سيارات مجهّزة. وهناك فوجئت بأن أفراد الشرطة العسكرية هؤلاء هم: شحادة العجرمي (أبو طلعت) وجبريل نوفل (أبو رأفت) ورفاقهما الذين طلبوا من السيارة التي كانت تقلني الوقوف جانبًا وهي في طريقها إلى سجن الشيخ حسن. واضطرت السيارة إلى الوقوف. وهنا شهروا المسدسات على السائق أولًا، ثم على الحارس الجالس في الأمام، وعلى الحارس الجالس إلى جانبي وقالوا لي: "يلّا نط"، أي اقفز. طبعًا أنا قفزت، وكان ثمة سيارة جاهزة انطلقت بي بسرعة، حتى أننا صرنا خارج الحدود السورية في أقل من ساعة، وذهبت فورًا إلى بيت وديع.

عملية تهريبي ضربة معلم، وشكلت إحراجًا كبيرًا للمخابرات السورية، وأصرّ وديع عليّ كي أترك بيروت بأسرع وقت، فسافرت إلى القاهرة والتقيت عبد الناصر

شريف: إحدى السيارات تعطّلت، أَليس كذلك؟
سائدة: أضاعوا واحدًا من المشاركين في العملية في أثناء الهروب.

الحكيم: كانت العملية ضربة معلم، وشكلت إحراجًا كبيرًا للمخابرات السورية، وأصرّ وديع حينذاك عليّ كي أترك بيروت بأسرع وقت، فسافرت إلى القاهرة والتقيت الرئيس جمال عبد الناصر، ثم غادرت القاهرة إلى العراق، ومن العراق ذهبت برًّا إلى الأردن.

سائدة: بعثتَ رسائل تقول فيها: خذوني إلى الأردن.
شريف: في ذلك الوقت جرى نقاش عما يجري في داخل الجبهة الشعبية. هل كنت مطّلعًا على ما جرى في مؤتمر أغسطس/ آب 1968، إذ إن هناك أخبارًا عن أن وديع تشاور معك في هذا الأمر.
الحكيم: بعد ما رجعت إلى الأردن؟

لم تكن فكرة تهريبي من السجن واردة في الأشهر الأولى لا أذكر أننا اتخذنا قرارًا بعمليات خارجية قبل اعتقالي. كنا مشدودين إلى الجانب السياسي والتنظيمي لترتيب أمور الجبهة

شريف: لا، في أثناء عملية تهريبك من السجن في دمشق.
سائدة: في أثناء العملية لم يرَ الحكيم وديع حدّاد. وديع كان في الشارع، مع أن المفروض ألا يكون موجودًا في المنطقة كلها، لكن بعض الرفاق رأوه، وهو، كما تعرف، يريد أن يشرف على الصغيرة والكبيرة.

الحكيم: لا أتذكر. وديع في بعض الرسائل التي أرسلها إليّ في السجن ( رسالتان أو ثلاث) كان يشير إلى ترتيب عملية الهرب، ولعله أشار بالقول: "تعالَ حتى تشوف، وبدنا نحل هذه الإشكالات التي عيفتنا ديننا". لست متأكدًا.

حبش يحضر اجتماعاً في عمّان، 12/ 6/ 1970 (Getty)
جورج حبش يحضر اجتماعاً في عمّان (12/6/1970 Getty)

شريف: هل كانت الفترة الزمنية بين بداية التفكير بالهرب حتى خروجك من السجن طويلة؟
الحكيم: لم تكن فكرة تهريبي من السجن واردة في الأشهر الأولى.

شريف: كانت ثمة محاولات لإطلاقك مثل محاولات اتحاد المحامين العرب.
الحكيم: في الأشهر الأولى نعم؛ فقد كانت هناك اتصالات سياسية. لكن فكرة التهريب سبقت العملية بأسابيع فقط.

سائدة: هل إن ما وقع في الجبهة الشعبية من حوادث انقسامية هي التي جعلت أبو هاني يفكر في الإسراع باختطافك لإنقاذ الموقف؟
الحكيم: صحيح، وكان رأيه أن الحكيم يجب أن يخرج من السجن بأي ثمن، لأن خروجه هو الذي يخلصنا من هذه "اللغْوَصَة".

شريف: في تموز/ يوليو 1968 عُقد المجلس الوطني الفلسطيني، ثم وقعت عملية اختطاف طائرة العال إلى الجزائر، ثم عُقد مؤتمر أغسطس (4).
الحكيم: خرجتُ من السجن في تشرين الثاني/ نوفمبر 1968.

سائدة: المرأة التي أبلغتك بالخطة شفهيًّا كانت أمّ بسام.
الحكيم: نعم، لكن الواسطة في ذلك كانت ذلك الجندي السوري الشهم.

 

هوامش

(1) في ربيع 1968 تجمع الناصريون في سورية بزعامة جمال الأتاسي والاشتراكيون العرب بزعامة أكرم الحوراني وبقايا القوميين العرب بزعامة هاني الهندي، وبعض البعثيين من أنصار ميشال عفلق في جبهة ائتلافية معارضة تطالب بالحريات والمشاركة الشعبية في الحكم ومحاسبة المسؤولين عن هزيمة 1967. وقابل النظام هذه الجبهة بالقمع؛ فسُجن جمال الأتاسي وهو من الشخصيات التاريخية في حزب البعث قبل أن يتحول إلى الناصرية على غرار البعثي عبد الله الريماوي الذي صار ناصريًا أيضًا. وفي تلك الأثناء أمسكت المخابرات العسكرية السورية التي كان يديرها العقيد عبد الكريم الجندي شاحنة محملة بالأسلحة تابعة للجبهة الشعبية، فاعتقد عبد الكريم الجندي مدير المخابرات العامة أن تلك الأسلحة مهمتها القيام بتحرك مسلح ضد النظام البعثي، فاعتقل جورج حبش في 19/3/1968 ومعه فايز قدورة (أبو بسام) وعلي بشناق (أبو مراد). ولما فشلت مساعي إطلاق سراحه قرر وديع حداد القيام بعملية جريئة في قلب دمشق لتخليص حبش من السجن. ولهذه الغاية وضع خطة قوامها مجموعة تنفيذية مؤلفة من أحمد الجنداوي (أبو خليل) ومحمد سعيد الخطيب (أبو أمل) وجبريل نوفل (أبو رأفت) ومحمود الألوسي (أبو حنفي) وزكي هلّو وشحادة العجرمي (أبو طلعت) وفايز قدورة (بعد إطلاقه) ووداد قمري وآخرين. وتمكنت المجموعة من اختطاف حبش من سيارة الشرطة العسكرية ونقله على الفور إلى لبنان في 4/11/1968. ولا يستبعد كثيرون تواطوء جهات سورية على تسهيل الأمور لنجاح تلك العملية جراء الكراهية للعقيد وعبد الكريم الجندي بعد قتله سليم حاطوم تحت التعذيب، وحملة الاعتقالات المكثفة التي طاولت آنذاك كثيرًا من المواطنين والسياسيين. 
(2) أول عملية خطف طائرة نفذها وديع حداد في 23/7/1968، فاختطف طائرة تابعة لشركة "إلعال" الاسرائيلية بعد إقلاعها من مطار روما، وحط بها الخاطفون في مطار الجزائر. وقام بالعملية أحمد عواد ويوسف رجب الرضيعي وأبو حسين غوش. 
(3) كانت رندة الخالدي أول مَن عرض فكرة خطف الطائرات على حركة فتح في سنة 1966، لكن فتح رفضت المسألة برمتها، فعرضتها على وديع حداد وجورج حبش. ورندة الخالدي هي ابنة أحمد سامح الخالدي وشقيقة وليد وطريف. تزوجت السفير السوري ضياء الدين الفتّال، وعملت في التدريس في جامعة دمشق، وكانت عضوًا سريًا في حركة فتح، ومتأثرة بالتجربة الكوبية وتجربة كاسترو وغيفارا.
(4) عُقد المؤتر في 24/8/1968 في خيمة كبرة بالقرب من قرية علّان في وادي رميمين من جبال السلط. وكان عدد أعضاء المؤتمر 38 مندوبًا، وفي جولة الانتخابات تبين أن مجموعة نايف حواتمة نالت عشرة مقاعد بينما نالت مجموعة جورج حبش خمسة مقاعد فقط (حبش، وديع حداد، أبو علي مصطفى الزبري، أحمد محمود ابراهيم، حمدي مطر). والطريف أن سمير شهاب الدين المتغيب عن المؤتمر في القاهرة نال 35 صوتًا، بينما نال جورج حبش المسجون في دمشق 19 صوتًا فقط. وعند هذا الحد رفض البعض تلك النتائج، وتألفت لجنة من الطرفين لمعالجة المشكلة قوامها صلاح صلاح وحسين المرعشلي (رئيس المؤتمر) وابراهيم بلعوس. وهذه اللجنة قررت إلغاء نتائج الانتخابات وتأليف هيئة قيادية موقتة من جورج حبش ووديع حداد وأبو علي مصطفى وأحمد محمود ابراهيم وحمدي مطر وزكريا أبو سنينة ومحمد المسلمي ونايف حواتمة، وقررت أيضًا عقد مؤتمر عام بعد شهرين. لكن هذه الاجراءات لم تدم طويلاً، ووقع انشقاق الجبهة الديمقراطية في 22/2/1969.

المساهمون