كانت منى بربر، وهي واحدة من كوادر حركة "فتح" وأسيرة محررة، من بين جموع النسوة في باب العامود إلى جوار النائب في المجلس التشريعي جهاد أبو زنيد، ومن خلفهما المقدسية أم أيمن المعروفة للجميع بتقدّمها المسيرات والتظاهرات والصدام مع قوات الاحتلال. لم يمللن افتراش مدرجات باب العامود والهتاف للقدس والأقصى والتنديد بتواطؤ بعض الأنظمة العربية.
لم تسلم منى من اعتداء جنود الاحتلال، وهي تحاول دفعهم بعيداً عن الشابة أسيل أبو ليل وتخليصها من بين أيديهم. وتقول لـ"العربي الجديد": "باقون هنا، أمّا المحتل فإلى زوال. القدس عاصمتنا وستبقى كذلك إلى الأبد. لا يخيفنا رصاصهم، ولا هراواتهم. ومن غيرنا نحن نساء القدس يتصدى للاحتلال، في وقت يستهدف أبناؤنا بالاعتقال والإصابة ويقمعون بوحشية".
بالنسبة للنساء هنا، وقد تسلّحن بالهتاف ومقاومة مجندات الاحتلال بأجسادهن، والتصدي لجنوده حين يتغوّلون على الفتية والشبان، مهمّة يمارسنها على مدار الساعة. ووجودهن الدائم في صدارة المشهد يشجع الشبان على الانضمام لفعالياتهن، خصوصاً عند إطلاق هتاف "يا شباب انضموا إلينا... هاي القدس وغالية علينا".
أيضاً وجود نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني المعطّل، ممثلاً بجهاد أبو زنيد عن دائرة القدس، وتقدّمه مواجهات شارع صلاح الدين، حفّز شباناً وفتيات وحتى نساء كبارا في السن على الانضمام للفعاليات، خصوصاً مع رؤية جنود الاحتلال وهم يعتدون بالضرب على أبو زنيد، بينما تقوم مجندتان بسحلها واعتقالها حتى ساعات الليل المتأخرة في مركز شرطة الاحتلال بشارع صلاح الدين.
وتقول أبو زنيد لـ"العربي الجديد": "ما في أغلى من القدس... إحنا أوْلى الناس للدفاع عنها. نسوان القدس دايماً في المقدمة وما بهمنا لا اعتقال ولا ضرب، ولا حتى شهادة من أجل عاصمتنا"، مضيفةً "هاي رسالة حملناها من زمان... والعالم كله شاف المرأة المقدسية في باب الأسباط وفي كل الساحات. صحيح أنا اليوم ممنوع أدخل شارع صلاح الدين وباب العامود، لكن أنا على تواصل مع أخواتي الموجودات هناك حتى ساعات المساء".
لكنّ المشهد اللافت، في الحضور النسوي المقدسي في باب العامود، هو عودة "المقلوبة"، وهي واحدة من أشهر الأكلات الشعبية الفلسطينية، لتتصدر اهتمام المارة وتجذب إليها مزيداً من الحضور من مختلف الأعمار، حتى من قبل جنود الاحتلال ومجنداته، الذين لم يكن بوسعهم مصادرتها من نساء مقدسيات تطوعن لتقديمها للمحتجّين والمحتجّات على أدراج باب العامود، ما أعاد إلى ذاكرة المقدسيين حملات التبرع الواسعة بالماء والغذاء للمرابطين والمرابطات في هبة الأقصى الأخيرة في شهر يوليو/تموز من العام الحالي، حيث أرغم المقدسيون قوات الاحتلال على التراجع عن قرارها بنصب البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى.
وفي تلك الفترة التي يصفها المقدسيون بأنها من اللحظات التاريخية الهامة في نضالهم ضدّ الاحتلال، جسّدت العائلات المقدسية والتجار حالة نادرة من التكافل الاجتماعي الحاضن والمساند لاحتجاجات آلاف المقدسيين. واليوم تعود هذه الحالة من جديد سواء في باب العامود، أو باب المجلس من أبواب المسجد الأقصى.
وعادت هنادي الحلواني، المرابطة المقدسية إلى جانب مرابطات مقدسيات أخريات، لتتصدر معهن العنوان البارز في حالة التكافل الاجتماعي المتجددة والمتجذرة، وحملت للمحتجين في باب العامود مؤونة يومهم من الغذاء ولا سيما "المقلوبة" التي تتميّز الحلواني بطبخها وتقديمها كوجبات يومية لأخواتها المرابطات اللواتي بات انتظامهن يومياً، "في مشهد يعكس حضور نساء القدس الدائم في التصدي للاحتلال وممارساته"، كما تقول الحلواني، مؤكدةً أن ما تقوم به هو "أقلّ ما يمكن تقديمه لتعزيز صمود المرابطين من أهل القدس نساءً ورجالاً وفتياناً".