التلاعب بهويات ضحايا المقابر الجماعية في العراق بات أمراً مرعباً لذوي المفقودين أو المختفين قسرياً، وكذلك للمنظمات الدولية، كالصليب الأحمر وبعثة الأمم المتحدة والمراقبين على حد سواء، في بلد يحوي أكبر عدد ممكن من المقابر الجماعية، والتي يقدر عددها بأكثر من 600 مقبرة، كحصيلة أولية، تتركز في مناطق وسط وشمال وغرب العراق. وحصلت "العربي الجديد" على تسريبات عبر مسؤول رفيع المستوى في رئاسة الجمهورية تؤكد وجود معلومات عن تلاعب خطير بهويات الضحايا بما يتعلق بالمقابر الجماعية، وبطرق وأساليب مختلفة. ووفقاً للمسؤول، الذي تحدث لـ"العربي الجديد" من منطقة الجادرية ببغداد، حيث مقر رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، فإن "بعض المقابر لضحايا عراقيين قتلوا في مناطق نفوذ المليشيات الحليفة لإيران، وتم اعتبارهم ضحايا تنظيم داعش، ومقابر أخرى عثر عليها في مناطق نفوذ داعش تم اعتبار أصحابها مواطنين شيعة، وجرى نقلهم إلى النجف حيث مقبرة دار السلام، مع أنهم من سكان المنطقة التي دفنوا فيها جماعياً"، مبيناً أن "الحشد الشعبي يحاول مسح سجل جرائم وانتهاكات كبيرة من خلال إلصاق التهمة بالإرهاب وداعش، وفي الوقت ذاته إبراز البعد الطائفي في الموضوع".
ورغم مناشدات من أعضاء البرلمان العراقي ونشطاء حقوقيين بوضع حد لعملية التلاعب بهويات الضحايا وإخفاء هوية القاتل الحقيقية، من خلال اعتماد فحص الحمض النووي (دي أن أي)، إلا أن الحكومة العراقية والسلطات الأمنية المحلية تجتهد في استخراج جثث الضحايا بطريقة بدائية، وتنسج تفاصيل المقبرة حسب توجهاتها السياسية أو الطائفية. ويقول المواطن ناصر عبد النبي مشوح، الذي فقد نجله وزوج ابنته وعثر عليهما في المقبرة قرب سامراء في محافظة صلاح الدين لـ"العربي الجديد"، إن "ابني وزوج ابنتي اعتقلا من داخل المنزل من قبل قوة عسكرية تابعة للنجباء في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني حيث كانت ابنتي لدينا كضيفة مع زوجها حينها، وشاهدت رايات المليشيا وهي تقتاد ابني وزوج ابنتي بالسيارة، وعرفت قائد القوة، وهو الحاج أبو منتظر. وقد راجعت لأشهر مقرهم قرب خط اللاين ومفرق سامراء، لأعرف مكانهما، لكن لم أتوصل إلى شيء، رغم دفعي الأموال لذلك". ويضيف مشوح (53 سنة): "بصراحة قبل أشهر قطعت كل أمل ولم أخبر زوجتي ولا ابنتي، والآن تأكد لنا وجودهما في المقبرة الجماعية، وأعتقد أن هذا منصف لنا، لكن اعتبار أنهما قتلا على يد داعش وليس الحشد غدر جديد للضحايا، رغم أنني أعتبر أن الحشد وداعش وجهان لعملة واحدة، وإن اختلفا في بعض التفاصيل".
موظف في ثلاجة حفظ الموتى في مستشفى القيارة العام، جنوب الموصل، يؤكد أن بعض الجثث لنساء احتسبت رجالاً في جرد عدد الضحايا، وتم التلاعب بمكان العثور عليهم، ثم التلاعب بهوية القاتل وطائفة المقتول. ويضيف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قيادات الحشد، وبتورط من بعض ضباط الجيش، تغير هويات الضحايا، والمشكلة أنه لا مقدرة على تغيير شيء". ويتابع "للحق، وحتى لا يعتبر الموضوع متعلقاً بمكون عراقي دون غيره، فقد تم خداع عائلة جندي عراقي تبحث عن رفاة ابنها، وسلموها جثة لنازح قتل خلال هروبه، وقالوا لهم هذا رفاة ابنكم الشهيد. وبما أن ابنهم مر عليه عامان، فقد تسلموا عظاماً فقط، وأخذوه وانتهى الأمر"، مستدركاً "هذا كنت شاهداً عليه".
والأسبوع الماضي، أعلن "الحشد الشعبي" العثور على مقبرة لمواطنين من الطائفة الأيزيدية في نينوى، قبل أن تصدر منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً تؤكد فيه أن المعطيات التي لديها أنهم عراقيين سنة من "عشيرة متيوت"، وتم قتلهم من قبل مليشيا "لالش" الأيزيدية نفسها. ويقول النائب العراقي، حامد المطلك، لـ"العربي الجديد"، إن "تزييف الحقائق، وعدم احترام قدسية الإنسان، لا يختلف أبداً عن أعمال داعش، والموضوع غير أخلاقي ولا إنساني، ويجب أن يحترموا الإنسان وأن يتم كشف المتسبب بتلك المقابر ويدان". ويضيف "من يريد أن يغير الحقيقة اليوم عليه أن يكشف عن مصير من تم اختطافه، وهم بالآلاف، وأين هم الآن؟ ونحن نتحدث عن أعداد كبيرة". ويؤكد النائب العراقي، عبد الكريم عبطان، لـ"العربي الجديد"، أن "التلاعب بهوية الضحايا في المقابر الجماعية مقزز". ويضيف "لدينا الآلاف من الذين اختفوا، ونريد أن نعرف هل قتلوا أم ما زالوا على قيد الحياة؟ ويجب هنا أن يتولى الطب العدلي والقضاء الملف بشكل كامل بعيداً عن أي جهة لها ارتباطات سياسية أو طائفية. وما يجري في هذا الموضوع تحديداً يؤدي إلى فتنة وعصف بالنسيج الاجتماعي وظلم لا يرضاه الله ولا عباده".