لم يكن من قبيل الصدفة أن شارك عشرون ألف فلسطيني من الداخل تقريباً، في مسيرة العودة إلى عتليت، على الساحل الفلسطيني، فمسيرات العودة التي تنظمها جمعية الدفاع عن المهجرين في الداخل، باتت إحدى نقاط الإجماع القليلة في الداخل الفلسطيني بعد أن أفسدت الكنيست وأداء القائمة المشتركة (للأحزاب العربية والحزب الشيوعي الإسرائيلي وجبهته الديمقراطية) الفضاء الفلسطيني في الداخل، لدرجة بات فيها التمثيل في الكنيست ديدن الأحزاب البرلمانية في الداخل، يبيح كل تسوية ويقبل بكل تحالف ما دام يبقي الحزب أياً كان في دائرة اللعب وتحت الأضواء. ويبدو أن الأحزاب العربية في إفسادها للعمل الوطني والشعبي، لتفضيلها العمل البرلماني بمردوده الإعلامي، والتمويلي للأحزاب البرلمانية لم تتخذ من "لعبة الأمم" إلا تشبيه مايلز كوبلاند اللاعبين السياسيين (وهم في حالتنا نواب الكنيست العرب) في إشارته للدول العظمى والإقليمية وحتى الصغرى منها، بلاعبي الورق الذين لا يهمهم استمرار الخسارة في اللعب، ما داموا داخل اللعبة.
في المقابل، وفي سياق فلسطيني آخر ربما يصلح أن نسميه في عالم موازٍ (كما في أفلام الخيال العلمي) تبدو الضفة الغربية المحتلة وفيها القدس المحتلة، كأنها تعيش خارج منظومة الشعب الفلسطيني، فتكاد لا تشعر بوجود الضفة في حراك العودة المقدس عند شعبنا الفلسطيني لأن سلطتها الوطنية ترى في التنسيق الأمني الأمر المقدس، وتصر لذلك على قمع حراك الناس هناك، حتى لا تفقد السيطرة وحتى لا يضيع جهدها في حماية التنسيق الأمني سدى، وهي قد تسمح بمسيرات رمزية، هنا أو هناك لا تغني عن جوع.
هذا واقع مشوّه يلتبس فيه الحق لولا بذور الأمل التي مثّلها آلاف الفتية والأطفال الذين شاركوا في مسيرة العودة لعتليت، ومنهم من جاء تضامناً مع مسيرات العودة لغزة. فلا عودة لفلسطين إن لم تبدأ بعودة المهجرين في الداخل، ولا عودة لللاجئين في الشتات إن تمّت المساومة على حقّ المهجرين في الداخل بالعودة لبئرهم الأولى لأن إلغاء حق مجموعة يفسح المجال أمام إضاعة حق المجموعة الأخرى. هي عودة واحدة إذاً يلتقي فيها، من صار مهجّراً في الوطن الأول، ومن بات لاجئاً في الضفة وقطاع غزة، أو من حملته النكبة إلى مخيمات اللجوء في الوطن العربي كله في باقي أصقاع الدنيا.