الحسابات السياسية كانت أكبر من التطلعات الشعبية بكثير، إذ جاء إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مباشرةً بعد استلامه السلطة، اشتراط تقديم الرباط اعتذاراً رسمياً عن قرارها بطرد الرعايا الجزائريين من المغرب في ديسمبر/ كانون الأول عام 1994 عقب تفجير مراكش (عملية إرهابية نفذها مسلحون جزائريون ومغاربة استهدفت فندقاً في مراكش)، ليدقّ أول مسمار في وهج التطلعات الجديدة. وأعقب ذلك إقدام دول أفريقية، كغامبيا وساحل العاج، على افتتاح قنصليات لها في مدينة الداخلة في إقليم الصحراء، وهو ما دانته الجزائر واستدعت، كموقف احتجاجي، سفيراها من الدولتين. لكن أكثر القضايا الخلافية التي أعادت أزمة العلاقات إلى نقطة الصفر، اتهام الجزائر للمغرب بمحاولة التشويش على مبادرتها بشأن ليبيا، واتهام تبون الرباط بالمناورة السياسية ومزاحمة بلاده في المسعى نفسه، والتواطؤ مع مجموعات ضغط فرنسية ضدّ الجزائر في الملف الليبي.
آخر حلقة في الأزمة المتصاعدة أخيراً، كانت تصريحات أطلقها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ضدّ الجزائر، اتهم فيها الأخيرة بأنها تحرّض دولاً على مقاطعة منتدى "كرانس مونتانا" المقرر في منطقة الداخلة. تصريحات أغضبت السلطة الجزائرية، التي ردّت عبر وزير خارجيتها صبري بوقادوم، الذي قال إنّ "تصريحات وزير الخارجية المغربي استعراضية واستفزازية، ولكننا لن ندخل في كلام غير لائق مع المغرب"، مضيفاً "الجزائر تحرص دوماً على عدم صبّ الزيت على النار في علاقتها خصوصاً مع المغرب الشقيق، وهي لا تبني علاقاتها بالسبّ والشتم، ولن ندخل في كلام غير لائق مع المغرب، ونحن نعرف الحملات المفبركة".
ويرى مراقبون أنّ الأزمة السياسية الجديدة ليست منفصلة عن تراكمات الأزمات السابقة بين البلدين، لكنهم يعتقدون أنّ ثمّة إحباطاً في المغرب من عدم وجود أي تطور في الموقف الجزائري بعد الحراك الشعبي.
وبرأي أستاذ العلوم السياسية في جامعة تيبازة، قرب العاصمة الجزائرية، زهير بوعمامة، فإنّ "المغاربة كانوا يأملون بأن يحدث في الجزائر ما قد يؤدي إلى تغييرات راديكالية في موقف الأخيرة من الرباط، ومن القضايا الخلافية المستعصية بين البلدين"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المغرب إضافة إلى دول أخرى، كان يراقب ويمني النفس بأن تحدث في فترة التأرجح، تغييرات عميقة تنقل البلدين من وضع وموقف إلى آخر، يمكن أن يبنى عليه لأجل إحداث انعطافة تاريخية في التوجهات والخيارات الكبرى للجزائر، ولكن ذلك لم يحدث ولا يوجد ما يؤشر إلى حدوثه في المستقبل القريب".
ولفت بوعمامة إلى أن "الجزائر نجحت في اجتياز واحدة من أدقّ المراحل في تاريخها، وهي على عتبة مسار انتقال ديمقراطي، غير أنّ تصريحات تبون في حملته الانتخابية وبعد تسلمه مفاتيح قصر المرادية، بخصوص العلاقة مع المغرب ومقتضيات إعادة تطبيعها والذهاب بها إلى مرحلة مغايرة، جاءت مخيبة لما كانت تأمله الرباط، ما جعلها تتأكد من أنّ حسم الخلافات مع الجارة الشرقية الكبرى ليس غداً، وأعتقد من الخطأ التعويل على تغير في قيادة البلد".
وقال بوعمامة إنّ "تغيّر صورة الجزائر في الخارج وما اكتسبته من رأسمال دبلوماسي رمزي صنعه حراكها التاريخي الاستثنائي، لا يريح الرباط التي ترى في نجاح تجربة الجزائريين قيمة مضافة لجارتها المنافسة. كما أنّ الحراك الدبلوماسي الذي تشهده العاصمة الجزائرية بعد الانتخابات الرئاسية الماضية، ولا سيما بشأن ملفات إقليمية كالأزمة الليبية، يربك الرباط، ويفسّر التهجم المتعمد على الجزائر من قبل رأس الدبلوماسية المغربية (بوريطة) في كل مناسبة تتاح له، للتشويش على أي دور دبلوماسي للجزائر، وبأسلوب عدّ غير لائق، وخطاب تصعيدي لا يفيد الطرفين والمنطقة في شيء".