وفي سعيه من أجل تهيئة ظروف الجولة الجديدة من عملية التفاوض المتعثرة، حط الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، في العاصمة السعودية الرياض، للقاء أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، مساء أمس السبت، في ختام اجتماعات كرّست لتقييم الجولة الماضية، والاستعداد للجولة المقبلة. وقالت مصادر في الهيئة، لـ"العربي الجديد"، إنه من المقرر أن يبحث دي ميستورا مع الهيئة جدول أعمال الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف، المتمثل في "السلال الأربع" بشأن الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات والإرهاب. ويحاول الموفد الأممي، الذي التقى رئيس الهيئة العليا للتفاوض، رياض حجاب، إقناع المعارضة السورية بالموافقة على مناقشة "السلال" التفاوضية بالتوازي، إذ لا تزال المعارضة تصر على إنجاز التفاوض على السلة الأولى المتعلقة بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، تجمع المعارضة والنظام، منوط بها الإشراف على مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد.
وكانت جولة مفاوضات جنيف4 انتهت مطلع الشهر الحالي من دون تحقيق نتائج هامة، ما خلا الاتفاق على ضرورة التفاوض على "السلال الأربع". وليس من المتوقع حدوث انفراج دراماتيكي في الجولة المقبلة، إذ يصر النظام على اعتبار حكومة وحدة وطنية بمثابة هيئة حكم انتقالي، وأن مناقشة مصير بشار الأسد "أعلى من التفاوض"، لكنه يبدي انفتاحاً على إمكانية كتابة دستور جديد يسمح للأسد بالترشح مرة أخرى إلى منصب الرئيس. وقالت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات، لـ"العربي الجديد"، إن الانتقال السياسي "جوهر العملية التفاوضية" وفق بيان جنيف1، والقرار 2218، والقرار 2254، ومن دون حسم التفاوض بشأنه فلا جدوى من التفاوض حول القضايا الأخرى، معتبرة أن مناقشة قضايا الدستور، والانتخابات، والإرهاب قبل الانتقال السياسي بمثابة وضع العربة أمام الحصان. وأشارت المصادر إلى أن الدستور السوري المقبل تكتبه "جمعية تأسيسية منتخبة"، على أن يُطرح للاستفتاء لنيل الموافقة عليه من السوريين، مشيرة إلى أن التفاوض في جنيف سيتمحور حول إعلان مبادئ دستورية تحكم المرحلة الانتقالية، وليس كتابة دستور للبلاد. وتحاول موسكو فرض مشروع دستور كتبه خبراء روس، وسرّب إلى وسائل الإعلام أخيراً، ولقي رفضاً كبيراً من المعارضة السورية التي اعتبرت المحاولة الروسية "تصرّف محتل" لن تمر. وأوضحت المصادر أنه لن يُجرى أي تغيير على وفد المعارضة، الذي يرأسه نصر الحريري، مشيرة إلى أن أعضاء الوفد سيعقدون اجتماعات مغلقة في الرياض، اليوم وغداً، على أن يصل إلى جنيف الأربعاء المقبل لإجراء لقاءات تمهيدية قبل بدء التفاوض غير المباشر. وكان وفد المعارضة قد طالب بتفاوض مباشر مع وفد النظام، لكن الموفد الأممي لا يزال يرى أن التفاوض عبر وسيط هو الأسلوب الأنجع في الوقت الراهن، مخافة أن يؤدي التفاوض المباشر إلى نسف العملية السياسية بشكل كامل.
وأشارت المصادر إلى أن الاتصالات مع منصّة القاهرة لا تزال قائمة، لكنها رجحت عدم انضمامها إلى وفد الهيئة العليا للمفاوضات لوجود تباين واضح بالرؤى، خصوصاً بما يتعلق بمصير بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، إذ ترى منصة القاهرة أنه لا مشكلة في بقاء الأسد في هذه المرحلة، وهو ما لا يتفق مع رؤية الهيئة، موضحة أن جهاد مقدسي، وهو أحد شخصيات هذه المنصة البارزين، "يبحث عن دور مميّز في الوفد"، وهو ما ترفضه الهيئة. وأشارت إلى عدم وجود أي اتصال مع منصة موسكو في الوقت الراهن، مبدية أسفها لكون منصتي القاهرة وموسكو "تسهمان في تكريس ما يروّج له النظام وحلفاؤه لجهة انقسام المعارضة، وتعدد أهدافها، ورؤاها"، وفق المصادر. ولا تملك منصتا القاهرة وموسكو أي رصيد في الشارع السوري المعارض، الذي ينظر إلى الهيئة العليا للمفاوضات، التي تشكلت أواخر عام 2015، على أنها الجهة التي يمكنها إبرام اتفاقات تتعلق بمستقبل سورية ويمكن لها أن تصمد. وتُتهم المنصتان بمحاولة تشتيت تمثيل المعارضة لصالح النظام وحلفائه، في حين تؤكد مصادر في منصة القاهرة أنها تتعامل بـ"واقعية سياسية" مع المجتمع الدولي، معتبرة أن الإصرار على استبعاد بشار الأسد عن المرحلة الانتقالية سيغلق الباب أمام أي تقدم للعملية التفاوضية.
من جهته، أكد كبير المفاوضين في وفد المعارضة، محمد صبرا، لـ"العربي الجديد"، أن الوفد سيطالب في جنيف5 بالالتزام بالقرار الدولي 2254، وفق ما نص عليه من تراتبية، وضمن الفقرة الرابعة من هذا القرار. وأعرب مجلس الأمن الدولي في هذه الفقرة عن دعمه لعملية سياسية، بقيادة سورية، تسيّرها الأمم المتحدة، وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد. كما أعرب المجلس عن دعمه "لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة، وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية، والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين يحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر"، وفق القرار الدولي.
ومن الملاحظ أن النظام لم يبد مرونة قد تدفع بالتفاوض إلى الأمام، فهو لا يزال ماضياً في الحسم العسكري، وعمليات التهجير الواسعة، ولم يقم بما عليه تجاه القضايا الإنسانية المنصوص عليها في القرار الدولي 2254، خصوصاً لجهة فك الحصار عن المناطق المحاصرة، وإطلاق سراح المعتقلين، وتسهيل دخول مساعدات إنسانية، وهو ما يلقي بظلاله على الجولة الجديدة من المفاوضات. وتأتي هذه الجولة في خضم عملية تهجير آلاف المدنيين من حي الوعر الحمصي، وفي ظل تصعيد كبير على معاقل المعارضة في الغوطة الشرقية، في محاولة من النظام وحلفائه لتضييق الخناق السياسي على المعارضة لدفعها إلى تقديم "تنازلات مؤلمة"، تقبل من خلالها بحلول وسط لا تلبي الحد الأدنى من مطالب قوى الثورة والمعارضة في إجراء تغيير جوهري يطاول كل نواحي الحياة في سورية، بعد ست سنوات من الثورة التي حوّلها النظام وحلفاؤه إلى صراع بات يهدد البلاد بالتقسيم. وتؤكد المعارضة أنها لن تقبل بتوقيع وثيقة استسلام في جنيف "مهما كانت التضحيات"، وفق مصدر في الائتلاف الوطني السوري، مشيراً إلى أن الحل السياسي "خيار المعارضة"، مضيفاً "ولكن ليس على حساب راهن ومستقبل البلاد". ويتعمد النظام التصعيد العسكري على مناطق المعارضة قبيل كل جولة تفاوض للضغط على الوفد المفاوض لتعليق مشاركته في المفاوضات، ليظهر وكأنه المعطل للعملية السياسية.