تخشى إسرائيل أن يفضي تعاظم مخاطر حركة المقاطعة الدولية "BDS" إلى تراجع وتيرة الاهتمام بالملف النووي الإيراني، وتقليص قدرة المنظمات اليهودية والأكثرية الجمهورية في الضغط على الإدارة الأميركية، كي تحول دون التوصل لاتفاق نهائي مع طهران لا يأخذ بعين الاعتبار المواقف الإسرائيلية.
اقرأ أيضاً: حملات المقاطعة العالمية ترعب إسرائيل... وبلير حاضر للرد
ونتيجة هذا القلق، بات الشغل الشاغل حالياً للنخب والمنظمات اليهودية ينصب على مواجهة "BDS"، وليس تكثيف العمل من أجل التأثير على الموقف الرسمي الأميركي من الاتفاق النهائي مع إيران. وبعدما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يراهن على دور صديقه الملياردير اليهودي شيلدون أدلسون، في إبقاء الضغط الجمهوري على الرئيس باراك أوباما لإدخال تعديلات جوهرية على الاتفاق مع طهران، طلب من أدلسون تعديل سلم أولوياته والتركيز على إحباط "BDS".
واستجابة لطلب نتنياهو، دعا أدلسون كبار المتبرعين اليهود للحزبين الديمقراطي والجمهوري لاجتماع عاجل لبحث سبل مواجهة "BDS"، والضغط على إدارة أوباما لإبداء موقف أكثر صرامة ضدها داخل الولايات المتحدة وخارجها. ولفتت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة إلى أن توجيه الإمكانيات اليهودية سياسياً وإعلامياً لمواجهة خطر "BDS"، يقلص من القدرة على مواجهة الملف النووي الإيراني في وقت حساس جداً، إذ يفترض أن يتم التوصل للاتفاق النهائي بحلول الشهر الجاري.
بدورها، أشارت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر الخميس الماضي، إلى أن مما يزيد من مظاهر الاحباط لدى المحافل الرسمية الإسرائيلية، إدراكها أن قدرة التنظيمات اليهودية على المساعدة في الواجهة ضد "BDS" محدودة جداً، على اعتبار أن هذه التنظيمات برعت في الضغط على النخب السياسية في واشنطن سواء في الإدارة أو الكونغرس، في حين أن "BDS" تركز على الجامعات والمسيحيين الليبراليين والتجمعات النقابية في طول الولايات المتحدة وعرضها.
وقالت الصحيفة إن ما يعقد الأمور أكثر أن "BDS" تعتمد على شعارات تستند إلى منظومات قيمية لا يمكن إثارة الجدل حولها أميركياً. ومما زاد من حرج اليهود الأميركيين أن منظمة تمثل اليهود الليبرالين هي " Jewish Voices for Peace)" JVP) تبنت مطالب "BDS" وتطالب بالاستجابة لها، ما من شأنه تقليص قدرة المنظمات اليهودية على اقناع الأميركيين بأن "BDS" تعبر عن توجهات لاسامية. وفي الوقت نفسه، فإن انضمام منظمة يهودية لدعم "BDS" يدلل على الشوط الكبير الذي قطعته المنظمات اليهودية الأخيرة في تبنيها مواقف إسرائيل، بسبب عدم استعدادها إثارة أي جدل حول هذه المواقف.
اقرأ أيضاً: حكومة نتنياهو تعلن الحرب على المنظمات الحقوقية
من جهته، يوجه الكاتب اليهودي الأميركي اليساري بيتر بينروت انتقادات حادة لقادة التنظيمات اليهودية الأميركية، خصوصاً "أيباك"، مشدداً على أنهم يتحملون جزءاً مهماً من المسؤولية عن تعاظم "BDS"، لأنهم اختاروا الدفاع عن سياسات ومواقف الحكومات اليمينية الإسرائيلية التي رفضت إبداء الحد الأدنى من المرونة التي تكفل حل الصراع مع الفلسطينيين.
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" في وقت سابق، يرى بينروت أن إبقاء الصراع مشتعلاً هو الذي دفع نحو ظهور حركة "BDS"، وبالتالي فإن مواجهة هذه الحركة تستدعي أولاً تغيير سلوك الحكومات الإسرائيلية بشكل جذري. ويتوقع أن يفضي ظهور "BDS" وتعاظم أنشطتها إلى احتدام الجدل داخل اليهود الأميركيين حول الفكرة الصهيونية نفسها.
ومما يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة لإسرائيل، ويقلص من سقف التوقعات إزاء فرص استنفار الإدارة الأميركية لمساندة تل أبيب في مواجهة "BDS" أن الإدارة الأميركية التقت، ولأول مرة، رسمياً بممثلين عن منظمات حقوقية في إسرائيل تعنى بمراقبة الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل ضد حقوق الإنسان الفلسطيني. وعقد في أواخر الأسبوع الماضي، اجتماع بين ممثلين عن البيت الأبيض ورؤساء منظمة "يكسرون الصمت" التي تحرص عل توثيق شهادات لضباط وجنود صهاينة حول الحرائم التي يرتكبها الجيش ضد الفلسطينيين، ويكونون شهود عيان عليها. وذكرت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر أمس أن اللقاء الذي شارك فيه ممثلون عن مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، ناقش الشهادات التي جمعتها "يكسرون الصمت" وتناولت الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال خلال العدوان الأخير على غزة. وعقدت المنظمة اجتماعاً مماثلاً مع ممثلي دائرة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأميركية.
ونقلت الصحيفة نفسها عن رئيس "صندوق السلام في الشرق الأوسط" في واشنطن، مات داس، الذي نسق للقاء بين "يكسرون الصمت" مع ممثلي البيت الأبيض، قوله إن المسؤولين الأميركيين أبدوا اهتماماً خاصاً بكيفية اختيار المنظمة لشهودها والآليات التي اتبعتها لتأكيد استنتاجاتها. واعتبر داس أن حرص ممثلي البيض الأبيض والخارجية الأميركية على عقد لقاء مع ممثلي "يكسرون الصمت"، يدل على أن المنظمة باتت تتمتع بخط مفتوح مع الإدارة. وأوضح أنه بخلاف الاتهامات التي توجه للمنظمة في إسرائيل، فإن البيت الأبيض يرى في قادة المنظمة "أشخاصاً وطنيين معنيين بتجذير القيم لدى المجتمع والدولة في إسرائيل".