تثير الضجة التي أعقبت كشف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، خلال لقائه أول من أمس بوفد من حركة السلام الإسرائيلية، عن تقديم المبعوثين الأميركيين جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات، مقترحاً بإقامة اتحاد كونفدرالي فلسطيني أردني، تساؤلات حول سبب اختيار الرئيس الفلسطيني هذا الموعد بالذات للكشف عن هذه المقترحات، واشتراطه القبول بالفكرة بأن يشمل الاتحاد الكونفدرالي إسرائيل.
ويبدو مما رشَح في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن الموعد لم يكن صدفة، خصوصاً أن عباس اختار أيضاً أن يكشف حقيقة رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقاءه، والادعاء بأنه لا يملك مشكلة مع حزب الليكود (وهو الحزب الذي يرأسه نتنياهو، ويحرّض بشكل منهجي على اليسار الإسرائيلي، ولا سيما أعضاء الحركة التي استقبلها عباس نفسه). ويبدو أن الرئيس الفلسطيني يحاول، من خلال هذا الكشف المصحوب بالاعتراف بلقاءات دورية مع رئيس الشاباك الإسرائيلي، استعادة بعض الشرعية التي فقدها في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، على حد سواء. من جهة يثبت الكشف للإسرائيليين أن عباس ملتزم بأمن إسرائيل، بدليل مواصلة التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، ومن جهة أخرى يحاول عباس استعادة الشرعية الضائعة في الجانب الفلسطيني، لا سيما في ظل سياسة العقوبات على قطاع غزة وتعطيل المصالحة الوطنية، من خلال تصوير نفسه بأنه يرفض تقديم تنازلات لإسرائيل. بل إن الكشف عن رفضه للعروض الأميركية، مع الزعم، بل اشتراط أن يكون الاتحاد الكونفدرالي ثلاثياً، يساعد في محاولات عباس ترسيخ صورة المحافظ على الإرث الفلسطيني لحركة فتح. علماً أن منظمة التحرير الفلسطينية تراجعت عن اتفاق الكونفدرالية مع الأردن، بعد خلاف بينها وبين العاهل الأردني الراحل الملك حسين، وأعلنت إلغاء الاتفاق نهائياً، فيما أعلن العاهل الأردني من طرفه، بعد الانتفاضة الفلسطينية فك الارتباط الرسمي بين الضفة الغربية المحتلة وبين الأردن.
وخلافاً للاتفاق الأردني - الفلسطيني المذكور الذي أكد أن الوحدة الكونفدرالية ستقوم فقط بعد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن فكرة الاتحاد الكونفدرالي التي قال عباس إنها طرحت عليه، جاءت كما كشف تسفي برئيل، في صحيفة "هآرتس" أمس، من مقترحات إسرائيلية عرضت على طاقم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما يبدو أنه جاء أيضاً كبالون اختبار أطلقه نتنياهو ليتجنب بدوره غضباً أميركياً، وليكسب موقفاً أميركياً مؤيداً له، باعتباره لم يكن عقبة أمام مبادرة ترامب التي لم تعلن بعد.
وبالفعل، فإنه لم تمر 24 ساعة على إعلان عباس عن تلقيه عرضاً أميركياً بإقامة اتحاد كونفدرالي أردني فلسطيني، حتى نشر جيسون غرينبلات، في صحيفة يسرائيل هيوم، أمس، مقالاً اتهم فيه القيادة الفلسطينية بأنها عقبة أمام محاولات التوصل إلى تسوية سلمية، قائلاً إنها تنتقد مبادرة لم تطلع عليها إطلاقاً. ويؤكد هذا، خصوصاً مع إعلان مسؤولين أميركيين في البيت الأبيض أن مبادرة ترامب ستطرح قريباً، صحة ما ذهب إليه برئيل، من أن المقترح المذكور كان أساساً مبادرة وفكرة إسرائيلية، من بين مجموعة من الأفكار التي تم تبادلها وتقاذفها في جولات اللقاءات الأولى التي قام بها الوفد الأميركي للمنطقة وخلال زيارات نتنياهو للولايات المتحدة.
ولعله من اللافت أيضاً ما أشار إليه برئيل بأن الكونفدرالية في منظور نتنياهو، إذا سلمنا أنه صاحب الفكرة التي عرضت على عباس من خلال كوشنير وغرينبلات، تختلف كلياً عن المقترحات الأصلية للكونفدرالية الأردنية - الفلسطينية، أو حتى لمفهوم الاتحاد الكونفدرالي المتعارف عليه وفق الأعراف والقانون الدوليين، بأنه اتحاد يقوم أساساً بين دولتين مستقلتين كلياً.
وفي هذا السياق، تنبغي الإشارة إلى أن برئيل أوضح في تعليقه حول هذا الموضوع أن التصور الإسرائيلي يعرض إلحاق الضفة الغربية المحتلة (بدون القدس) تحت الوصاية الأمنية الأردنية، بحيث يكون الأردن مسؤولاً عن حماية الحدود بين إسرائيل وبين الكونفدرالية. ويقضي المفهوم الإسرائيلي المذكور بتوقيع اتفاق كونفدرالي بين القيادة في الضفة الغربية وبين الأردن، بدون توضيح ما إذا كان سيتم إقامة برلمان مشترك ودستور مشترك، ومن دون تحديد ما إذا كان الطرف الفلسطيني سيحظى باعتراف بمكانة دولية أم لا.
ويحسب تقديرات برئيل، فإنه من المحتمل أن تكون إسرائيل مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية، ولكن فقط كجزء من الكونفدرالية المشتركة، بدون قطاع غزة- التي تنتقل للعودة تحت الوصاية الأمنية المصرية، في حين تبقى المستوطنات في موقعها وتحت سيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية مباشرة.
ويؤكد برئيل، بما لا يترك مجالا للشك، أن إسرائيل تفسر الاتفاق الكونفدرالي، باعتباره اتفاقاً بين الضفة الغربية باعتبارها كانتون (إقليم) حكم ذاتي جوهر علاقاته مع الأردن، هي علاقات اقتصادية، بينما تحدد السياسة الخارجية والأمن للاتحاد الكونفدرالي من قبل الملك الأردني.
وتحاول إسرائيل، التي رفضت في عام 1985 الاتفاق الأردني الفلسطيني لأنه يعتمد في تفسيرات الطرفين الأردني والفلسطيني على شرط مسبق هو قيام دولة فلسطينية مستقلة كشرط لإعلان الوحدة الكونفدرالية، من خلال طرح فكرة الكونفدرالية، وفق مفهوم نتنياهو وحكومة اليمين، تكريس الحل المقبول إسرائيلياً تحت حكم نتنياهو الذي يقوم على مبدأ إقامة "إدارة ذاتية" وظيفتها إدارة الشؤون المدنية اليومية للمواطنين على مستوى الخدمات البلدية بدون تمثيل مستقل في المجتمع الدولي، ومن خلال اقتصاد متعلق بالسياسة الاقتصادية للأردن، وتحت القيود الإسرائيلية، بما يتوافق مع تعبير نتنياهو وإسحاق رابين من قبله عن حل يقوم على منح الفلسطينيين كيانا هو أقل من دولة.