في موازاة قرار واشنطن إرسال قوات التدخل السريع (المارينز) إلى جنوب أفغانستان، وتحديداً إلى إقليم هلمند، بعد توسيع حركة "طالبان" رقعة نفوذها أخيراً، يدعو عدد من السياسيين في أفغانستان إلى وضع خطة زمنية لانسحاب القوات الأميركية والدولية من البلاد، لأن تواجدها سيؤدي إلى استمرار دوامة الحرب، بينما فسرت "طالبان" القرار الأميركي بأنه بداية لهزيمة القوات الأفغانية وحلفائها.
وذكرت حركة "التحرك ضد الحرب في أفغانستان"، التي تضم عدداً من السياسيين والعلماء وأساتذة الجامعة، أن "السبب الأساسي للحرب في أفغانستان هو وجود القوات الدولية والأميركية، وهي العقبة الأساسية في سبيل المصالحة الشاملة بين الأطراف المتخاصمة". وقال القيادي في الحركة الأستاذ في جامعة كابول، فيض محمد زلاند، إن الاعتراف رسمياً بمكتب "طالبان" ووضع خطة زمنية لخروج القوات الأميركية من البلاد، وإنهاء ملف المعتقلين، أمور أساسية لعودة الحركة إلى طاولة الحوار، وفتح الباب أمام إيجاد حل للأزمة. وأشار السياسي سيد إسحاق كيلاني، إلى أخطاء الحكومة الأفغانية و"طالبان" إزاء المصالحة، مشيراً إلى أن الطرفين أبقيا الشعب في غموض، و"الشعب الأفغاني يأمل بنجاح المصالحة والحد من الأزمة الأمنية التي باتت تحصد أرواح المواطنين وأطراف الصراع، على حد سواء". ولمّح الكاتب الأفغاني محمد زمان مزمل، إلى أن طرفي الصراع الأفغاني يعيان جيداً أن الحرب ليست في صالح البلاد، كما أنه لا يمكن لأي طرف القضاء على الآخر، وبالتالي فإن الحل الوحيد يكون عبر المصالحة والحوار البناء، رحمة بشعب عانى كثيراً على مدى العقود الماضية.
وكانت واشنطن أعلنت أنها سترسل فرقة من المارينز، مكونة من 300 جندي وخبير عسكري، إلى إقليم هلمند، جنوبي البلاد، بعد توسيع "طالبان" رقعة نفوذها في المنطقة، بعد سيطرتها على ست مديريات في الإقليم. وبرغم تأكيد القوات الأميركية أن عمل هذه القوات سينحصر في تدريب وتجهيز القوات الأفغانية، والمشاركة في العمليات الجوية أحياناً، إلا أن وسائل إعلام أميركية نقلت عن قائد الفرقة، الجنرال روجر ترنر، قوله إن "مهمة القوات تتمحور حول التدريب والتجهيز، لكن لا يمكننا القول إنها مهمة محض غير قتالية، إذ إنها خطيرة ومهمة للغاية"، في إشارة مبطنة إلى أنها ستشارك في المعارك في إقليم هلمند، الذي تحاول "طالبان" السيطرة عليه لجعله قاعدة رئيسية ومنطلقاً لعملياتها خلال الربيع المقبل.
وثمة عوامل كثيرة وراء استمرار الحرب في إقليم هلمند، فهو مركز للأفيون وتجارة المخدرات على مستوى المنطقة. وتقول قيادات في قبائل المنطقة إن نفوذ إيران في أوساط "طالبان" عموماً، وفي أوساط قيادات الحركة في إقليم هلمند خصوصاً، يتزايد، وهو أكبر من نفوذ باكستان على الحركة، خصوصاً بعد اعتزام الحكومة الأفغانية ترميم جسر كجكي ووضع تصميم لجسر آخر، على نهر يصل إلى إيران، معتبرة أن نفوذ إيران في صفوف "طالبان" ومن خلال مليشيات خاصة شكلتها من أمراء الحرب أحد أبرز أسباب التصعيد الأمني في الإقليم. ويقول الزعيم القبلي، خان زمان، إن تجار المخدرات ومزارعي الأفيون يدفعون أموالاً طائلة لحركة "طالبان" والجماعات المسلحة لمواصلة الحرب، وهم يملكون أيضاً مليشيات خاصة بهم.
ووصلت أسلحة روسية متطورة، كما تزعم القبائل الأفغانية ومصادر في الحكومة، إلى بعض الأقاليم الجنوبية، خصوصاً هلمند، وذلك بعد الاجتماعات الهامة بين وفد روسي وقيادات من "طالبان" في باكستان أخيراً، وهو الأمر الذي أجبر واشنطن على إرسال قوات إلى المنطقة مجدداً. يذكر إن اجتماعات عقدت بين وفد عسكري روسي وبين قيادات من "طالبان" في مدينتي لاهور وبيشاور الباكستانيتين قبل أيام. وقد وافق الوفد الروسي على تقديم دعم عسكري للحركة، حسب ما تؤكده مصادر في الحكومة الأفغانية. وأعرب البرلمان الأفغاني عن استيائه إزاء هذا التطور، الذي قد يكون بداية صراع أميركي روسي على الأرض الأفغانية.
وكانت موسكو طلبت خلال اجتماع ثلاثي لباكستان والصين وروسيا، نهاية ديسمبر/ كانون الأول، من المجتمع الدولي شطب أسماء قيادات "طالبان" من قائمة المطلوبين دولياً، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة الأفغانية، ولا سيما أنها لم تكن مدعوة إلى اجتماع عقد في موسكو بشأن أفغانستان. وجاء القرار الأميركي بإرسال 300 عنصر من المارينز إلى هلمند في الوقت الذي أظهرت فيه إحصائية جديدة أجرتها وسائل إعلام أفغانية تزايد اعتماد الشعب الأفغاني على قواته المسلحة، بدلاً من الاعتماد على القوات الأجنبية، وأنها قادرة، وفق الإحصائية، على مواجهة المسلحين. وأظهرت الإحصائية أن 77 في المائة من الأفغان يثقون في القوات المسلحة الأفغانية، وقدرتها على مواجهة المسلحين. لكن ثمة سؤالاً يطرح لدى الكثير من الأفغان، وهو لماذا ترغب الولايات المتحدة الأميركية بإرسال قوات إلى أفغانستان، بدلاً من تجهيز القوات الأفغانية؟ ويخشى هؤلاء من أن يتسبب دعم روسيا لحركة "طالبان" وإرسال أميركا قواتها مجدداً إلى هلمند في إشعال فتيل حرب جديدة في بلادهم، وأن يكون الأفغان وقود هذه الحرب، كما حصل في الكثير من الدول الإسلامية.