وقرر الوفد الحكومي منح مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد فرصة جديدة لمواصلة جهوده لإلزام وفد الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بالمرجعيات المتفق عليها بصورة نهائية وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. وقال الوفد الحكومي في بيانٍ تلقى "العربي الجديد" نسخة منه، إنه "مع دخول مشاورات السلام في الكويت أسبوعها الخامس بإشراف الأمم المتحدة واستضافة كريمة من دولة الكويت على أساس الإلتزام بالمرجعيات المعلنة، إلا أن المشاورات ظلت تراوح مكانها بسبب ما يبدو إصراراً مسبقاً من قبل الإنقلابيين لعرقلة كافة الجهود الرامية لإحلال السلام".
وتكشف مصادر مرافقة للمشاركين لـ"العربي الجديد"، أن "الوفد الحكومي انسحب من الجلسة التي حضرها المبعوث الأممي بعدما أعلن أحد أعضاء وفد جماعة الحوثيين، القيادي حمزة الحوثي، رفض الاعتراف بالسلطة الشرعية. الأمر الذي اعتبره الوفد الحكومي انقلاباً على المرجعيات، وفي مقدّمتها قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2216، وانسحب من الجلسة مطالباً الجانب الأممي بتثبيت مرجعيات المشاورات".
في هذا السياق، اتهم نائب رئيس الوفد الحكومي، عبدالملك المخلافي، الانقلابيين بأنهم "بعد شهر من مشاورات الكويت، قاموا بنسفها من أساسها، من خلال عدم القبول بالمرجعيات والأسس وعلى رأسها الشرعية". وأكد المخلافي في تصريحات صحافية عقب الانسحاب أنه "طلب من المبعوث الأممي عدم السماح للانقلابيين بإضاعة المزيد من الوقت، وأن يقوم بإعادة الحوار معهم وإلزامهم بالمرجعيات قبل استئناف المشاورات".
وذكر موقع وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" الحكومية، أن "حمزة الحوثي، قال خلال الجلسة إنهم لا يعترفون بأي شرعية قائمة، وإنهم لن يعترفوا إلا بالسلطة التوافقية التي يطلبونها، أو سلطة الأمر الواقع القائمة على الإعلان الدستوري". وحين سأل المبعوث الأممي، رئيس وفد الجماعة، محمد عبدالسلام، عن رأيه في ما طرح، قال وفقاً للرواية الحكومية إن "رأي حمزة الحوثي يمثلني".
أما نائب مدير مكتب رئاسة الجمهورية عضو الوفد الحكومي، عبدالله العليمي، فاعتبر أن "المليشيات نسفت مشاورات السلام بانقلابها على المرجعيات". وأضاف في تصريحات صحافية أن "الانقلابيين يريدون أن يصدر رئيس اللجنة الثورية العليا الانقلابية، محمد علي الحوثي، قرار تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية"، في إشارة إلى رفضهم تشكيل اللجنة بقرار من الرئيس عبدربه منصور هادي. ووصف العليمي المشاورات التي تقترب من شهر على انطلاقها بأنها "عقيمة".
ولم يكن موقف الوفد الحكومي مفاجئاً تماماً، إذ كان قد مُهّد له يوم الإثنين، بتصريح رسمي يؤكد المطالبة بالعودة إلى إجراءات بناء الثقة، وأبرزها الإفراج عن المعتقلين. كذلك طالب بتثبيت المرجعيات والإطار العام للتأسيس لنقاشات جدية في المراحل المقبلة. ورأى العليمي أن "هذا الطلب جاء نتيجة لعدم توفر مناخات الثقة بين الوفد الحكومي والانقلابيين، والتي أثرت سلباً على المشاورات". في المقابل، ادّعت وسائل إعلام موالية للحوثيين أن سبب انسحاب وفد الحكومة حصل على خلفية طرحه تكليف اللواء علي محسن الأحمر كرئيس للجنة العسكرية، الأمر الذي رفضه الوفد الآخر.
وكان مصدر تفاوضي حكومي قد ذكر لوكالة "الأناضول" أن "الوفد لن ينسحب من المشاورات بشكل نهائي، وسيبقى في الكويت". كما ذكرت مصادر تفاوضية، أخرى لـ"الأناضول"، أن "وفد "الحوثيين وحزب (الرئيس المخلوع علي عبدالله) صالح، طالب بشكل صريح بنقل صلاحيات الرئيس عبدربه منصور هادي إلى سلطة بديلة، تتمثل في مجلس انتقالي، يكونون شركاء فيه، قبل انسحابهم من المدن وتسليم السلاح".
مع العلم أن الحوثيين أكدوا مراراً وتكراراً في تصريحات عدة في الأيام الماضية، أن الإجراءات الأمنية وقضايا الانسحاب وتسليم السلاح والمعتقلين مرتبطة بالاتفاق على سلطة توافقية جديدة، تتولى هي مختلف الإجراءات. وهو ما اعتبره الجانب الحكومي محاولة لشرعنة انقلابهم عن طريق المفاوضات، بتشكيل حكومة يكونون جزءاً فيها أو تؤدي لتقويض السلطة الشرعية الحالية.
إلى ذلك، تفيد مصادر قريبة من المشاركين لـ"العربي الجديد"، بأن "موقف الوفد الحكومي لا يرتبط بمحض موقف عارض خلال الجلسة التي رفض فيها الحوثي الاعتراف بالشرعية، بل هو نتاج مسار عام للمشاورات أخيراً، بات الجانب الحكومي غير راضٍ عنه، سواء بسبب عدم إحراز أي تقدم واضح بخصوص الإجراءات التنفيذية لقرار مجلس الأمن 2216، أو المقترحات التي باتت تتجاوز المرجعيات إلى الدخول في نقاشات يراها الطرف الحكومي انقلاباً على الشرعية".
كما توضح المصادر بأن "الإحباط الحكومي سيطر خلال المشاورات بعد عرض المبعوث الأممي إلى اليمن مقترحات تتضمن الرؤية الأممية لحل خلال المرحلة المقبلة، مشدّداً على الأطراف عدم تسريب أي من مضامينه. وذلك تخوفاً من أن تؤثر ردود الفعل على جهود الأمم المتحدة، المدعومة بشكل كبير من المجتمع الدولي". وتتوقع المصادر أن "يسعى المبعوث الأممي إلى فرض رؤيته التي ما زال الطرفان يتحفّظان إزاء جوانب محددة منها خلال الفترة المقبلة".
وكان ولد الشيخ قد أعلن منذ أيام أن الوقت حان للخيارات الحاسمة في اليمن، مشيراً إلى المقترحات التي وضعها على الأطراف، وألقى عليها المسؤولية وتقديم تنازلات، في حين لا يبدو حتى اليوم أن أياً من الأطراف مستعد لتنازلات جوهرية، وهو ما يضع المشاورات بعد ما يقرب من شهر على انطلاقها أمام مأزق حقيقي، ستتضح ملامحه في الأيام المقبلة. وأعلن المبعوث الأممي يوم الإثنين عن أن الأيام المقبلة مصيرية، وكشف أنه قدم مقترحات لحل الأزمة وطالب الأطراف بتحمل المسؤولية وتقديم التنازلات للوصول إلى حل سلمي.