استفاقت الطبقة السياسية الفرنسية بيسارها ويمينها، اليوم الأربعاء، على وقع صدمة فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية. وبحسب مصادر مقربة من الرئاسة الفرنسية، فإن مستشاري الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، استبعدوا تماماً فرضية فوز ترامب ولم يُحَضّروا، ليل أمس الثلاثاء، سوى برقية تهنئة موجهة إلى منافسته، هيلاري كلينتون.
وعلى الرغم من التحفظ الكبير الذي أبداه هولاند اتجاه ترامب منذ ترشحه فقد قام بتهنئته في كلمة مقتضبة "كما تنص على ذلك الأعراف الدبلوماسية بين رئيسي بلدين ديمقراطين" على حد تعبيره، مؤكداً أن انتخاب ترامب يفتح "مرحلة غير واضحة المعالم". واعتبر هولاند أن الرهان الآن بعد فوز ترامب هو "مستقبل السلام ومحاربة الإرهاب والأوضاع في الشرق الأوسط والعلاقات الاقتصادية والمحافظة على بيئة الكرة الأرضية". ووعد بأنه "سيناقش كل هذه المواضيع مع الإدارة الأميركية الجديدة بحذر ووضوح".
كذلك حذّر هولاند من "مرحلة الغموض" مع انتخاب ترامب، قائلاً إن "الانتخابات الأميركية تفتتح مرحلة من الغموض". وأضاف أن "هذا الوضع يتطلب أوروبا موحدة، قادرة على التعبير عن موقفها وتطبيق سياسة حيث تكون مصالحها أو قيمها على المحك: الحرية، والكرامة، واللحمة الاجتماعية، ومكافحة الفقر".
وفي وقت مبكر من صباح اليوم، قبل الإعلان عن النتائج، أعرب وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، عن قلقه من فوز ترامب قائلاً "من المحتمل جداً أن يصير ترامب الرئيس الخامس والأربعين في أميركا، وعلينا أن نحاول معرفة ما يريد أن يفعله، لأن كل ما قاله وصرح به حتى الآن لا يثير سوى المخاوف والقلق. كما أن شخصيته تطرح علينا الكثير من الأسئلة".
كذلك قام زعيم المعارضة اليمينية ورئيس "حزب الجمهوريون" الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، بتهنئة ترامب على فوزه، معتبرا أن انتخابه "تعبير عن رفض الشعب الأميركي للفكر الأحادي وللنخب السياسية التي لا تراعي رغبة الشعوب في ضبط ظاهرة الهجرة وتتجاهل ضرورة اتخاذ إجراءات صعبة من أجل حماية المواطنين من خطر الإرهاب".
أما منافسه في الانتخابات التمهيدية داخل "الجمهوريون" لتمثيل اليمين في الرئاسيات الفرنسية المقبلة، آلان جوبيه، فقد أثنى على "القرار السيادي" للشعب الأميركي، محذراً الفرنسيين "من الأخطار التي تمثلها الأفكار الديماغوجية والمتطرفة على النظام الديمقراطي".
في المقابل، كانت رئيسة "حزب الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، مارين لوبان، أول شخصية سياسية فرنسية تتفاعل مع نبأ فوز ترامب، في وقت مبكر من صباح اليوم، بعدما هنأته بحرارة من خلال تغريدة على حسابها في "توتير" جاء فيها: "تهاني إلى الرئيس الجديد للولايات المتحدة دونالد ترامب وإلى الشعب الأميركي". وقام نائبها فلوريان فيليبو بتهنئة ترامب في تغريدة عبر تويتر وكتب "عالمهم يتهاوى ونحن نبني عالمنا". وكان "حزب الجبهة الوطنية" الوحيد الذي ساند ترامب منذ خوضه الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري.
ويعتبر انتصار ترامب بمثابة فأل خير بالنسبة له في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة التي ستخوضها لوبان في مايو/أيار المقبل بشعارات وخلفية أيديولوجية مشابهة لترامب.
وحذّر القيادي في حزب "الجمهوريون" اليميني المعارض، بيار رافاران، من أن فوز ترامب يمهد الطريق لفرضية فوز لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة. واعتبر أن نجاح ترامب يعني أن "الشعبوية المتطرفة تستطيع الفوز بطروحات بسيطة تجذب إليها بسهولة دعم الطبقات الشعبية".
أما رئيس حزب "الموديم" الوسطي، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية الفرنسية، فرانسوا بايرو، فقد اعتبر نجاح ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض بمثابة "تحدٍ قاسٍ للديمقراطية الغربية التي بات عليها الآن أن تتجاوز سلبياتها. والحقيقة أن العديد من شعوب العالم صارت ترفض الأنظمة السائدة التي تهمّشها وتتجه نحو الخيارات الشعبوية".
وفي حوار لإذاعة "أوروبا 1"، أكد رئيس الوزراء اليميني السابق، دومينيك دوفيلبان، أنه لم يتفاجأ بالنتيجة، خصوصاً أنه لاحظ استياء ورفض الشعب الأميركي للنخبتين السياسية والإعلامية. واعتبر فوزه عقاباً للمؤسسة السياسية الأميركية. وقال دوفيلبان، إن "هناك دينامية شعبوية في العالم الغربي حالياً، وعلينا في فرنسا أن نواجه نفس الخطر ونأخذ العبرة من هذا الدرس الأميركي".
من جهته، اعتبر القيادي السابق في حزب الخضر، دانيال كوهن بينديكت، أن فوز ترامب عليه أن يحفز أوروبا لتتوحد أكثر للدفاع عن مصالحها في الساحة العالمية. وقال "ترامب يرفع شعار أميركا أولاً، وعلينا نحن الآن أن نرفع شعار أوروبا. هي الأولى، لأن ترامب لن يقدم أي هدية للأوروبيين".