تجدد الجدل والنقاش السياسي في صفوف إخوان الجزائر بشأن الخيارات السياسية للتعاطي مع المرحلة المقبلة، بين تيار يريد الاستمرار في خط المعارضة الذي تبنّاه إخوان الجزائر منذ مايو/أيار 2012، وتيار يدعو إلى إجراء تقييم موضوعي لخمس سنوات من المعارضة، والتفكير في العودة للمشاركة مع السلطة. ويأتي هذا النقاش في سياق مخاض سياسي عام، وفي أفق مؤتمر حاسم سيعقده حزب الإخوان، "حركة مجتمع السلم"، في شهر مايو المقبل.
عام 1994 نجحت السلطة التي كانت تدير أزمة أمنية عنيفة في الجزائر، في استدراج إخوان الجزائر وحزبهم "حركة المجتمع الإسلامي"، والتي عُدل اسمها لاحقاً إلى "حركة مجتمع السلم"، إلى المشاركة في الحكومة تحت عنوان إنقاذ الجمهورية من العنف والإرهاب والفوضى التي اندلعت في أعقاب انقلاب يناير/كانون الثاني 1992 وتوقيف المسار الانتخابي في البلاد. لكن السلطة أبقت إخوان الجزائر على الهامش السياسي ورفضت إدخالهم في صلب منظومة الحكم، إلى درجة أن رئيس الحركة ومؤسسها الراحل محفوظ نحناح، كان يقر بذلك، ويقول إن الحركة "تشارك في الحكومة وليس في الحكم".
لكن هذا المسار الذي سمح لكوادر من الإخوان بالعمل في الوزارات والإدارات وامتلاك ثقافة الدولة وتحسين العلاقة وصورة الإسلاميين لدى قطاع واسع من كوادر الدولة والسلطة، انتهى إلى فك الارتباط السياسي بين الحركة والسلطة وإنهاء المشاركة في الحكومة في يونيو/حزيران 2012، بسبب رفض السلطة تطوير هذه الشراكة السياسية إلى شراكة تنفيذية من جهة، وإبقاء الحركة كديكور سياسي تحمّلت بسببه جزءاً من مسؤولية الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها الجزائر، قبل أن يكرس المؤتمر العام لحزب الإخوان في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 خيار المعارضة، باعتلاء أبرز قادة هذا التيار عبد الرزاق مقري لقيادة "حركة مجتمع السلم".
وبعد خمس سنوات من فك التحالف مع السلطة وقرار المؤتمر العام لـ"حركة مجتمع السلم" رفض المشاركة في الحكومة وتبنّي خيار المعارضة والانخراط مع قوى الاعتراض السياسي في مبادرات تستهدف الدعوة إلى تغيير سياسي ومرحلة انتقالية في البلاد، يعود الإخوان إلى مناقشة الخيارات السياسية المستقبلية، على ضوء المآلات التي انتهى إليها خيار الحركة منذ مؤتمر 2012، ويتجدد التدافع السياسي بين تياري التحالف مع السلطة، والبقاء في المعارضة، اللذين يتنازعان المواقف داخل قيادة الحركة وقواعدها.
وإذا كان النقاش حول المسار السياسي لإخوان الجزائر بقي في حدود وأشكال مختلفة وداخل مؤسسات الحزب السياسي، فإن النقاش هذه المرة تجاوز إلى الفضاءات العامة، على ضوء مواقف وتصريحات لأبرز القيادات من التيارين. فقد دعا الرئيس السابق لـ"مجتمع السلم" أبو جرة سلطاني، إلى اجراء تقييم لتجربة المعارضة التي خاضتها الحركة خلال السنوات الخمس الماضية، على صعيد النتائج والسلبيات والإيجابيات، وإجراء مقارنة مع مرحلة المشاركة ونتائجها وإيجابياتها وسلبياتها، بهدف اتخاذ الخيار المناسب خلال المؤتمر المقبل للحركة. وبدا سلطاني غير راضٍ عن النهج الراهن للحركة، مقللاً من النتائج التي حققتها بعد خمس سنوات من انتهاجها خيار المعارضة وفك ارتباطها بالسلطة. وقال إن خط المعارضة الذي يقوده الرئيس الحالي للحركة عبد الرزاق مقري، "وعد بثلاثة أهداف كنا ننتظر ظهور بوادرها خلال 5 سنوات، الأول هو التفاف الجماهير من حولنا، والثاني هو تزكية مرشحينا في كل استحقاق بآلاف الأصوات التي تحملنا إلى المراتب الأولى، والثالث هو التفاوض مع صنّاع القرار من مركز قوة حزبية ومن تأثير قوة اقتراح وطرح وضغط جماهيري أحياناً، لكن الحصيلة التي كشفت عنها نتائج الانتخابات لم تبتعد كثيراً عن النتائج التي كنا نحصدها في كل استحقاق انتخابي في مرحلة المشاركة (بالسلطة)". وتعهد سلطاني بالدفاع في المؤتمر المقبل للحركة بقوة عن العودة إلى خط المشاركة وتصحيح الاختلالات التي طرأت. وتدعم كتلة من كوادر الحركة هذا الطرح، وتعتقد أن خيار المعارضة خرج بالحركة عن المنهج السياسي الذي حددته النصوص المؤسسة لفلسفة إخوان الجزائر، خصوصاً في ظل ضعف قوة المعارضة التي لم تنجح في تنسيق المواقف وفرض نفسها كبديل لإحداث التغيير أو التوازن السياسي مع ماكينة السلطة النافذة، إضافة إلى ما تعتبره هذه الكوادر، تضييع فرص للمزيد من التواجد في مؤسسات الدولة.
اقــرأ أيضاً
لكن هذا التقييم لخمس سنوات من المعارضة، لا يروق لتيار المعارضة داخل "حركة مجتمع السلم"، واستدعى هذا النقاش بروز موقف واضح من قبل مقري، الذي اعتبر أن رفض الدخول في الحكومة لا يتعلق بسلوك العنتريات أو صناعة البطولات الزائفة، ووصفه بـ"موقف وطني يقوم على رؤية أقرها المؤتمر الخامس، وحقق للحركة الاحترام في المشهد السياسي"، مشيراً إلى أن السلطة استمرت في رفض التعاطي مع نصائح ومطالب الحركة لتغيير السياسات. وأوضح أن الحركة لم ترفض التعاطي مع السلطة، لكنها غيّرت من قواعد اللعبة وقدمت اشتراطاتها، قائلاً: "أعلنا صراحة قبل الحملة الانتخابية التشريعية وأثناءها أننا على استعداد للتعاون على أسس الشرعية الشعبية والتوافق السياسي، وقدمنا لهم برنامجاً متكاملاً شهد خبراؤهم بقوته وشموله ومستواه، وبعد الانتخابات اعترفوا لنا أن نتيجتنا أكثر مما أُعلن، ومع ذلك عرضوا علينا مشاركة لا تفي بحاجة التغيير ولا تليق بحزب يفهم السياسة بأنها خدمة وليست كسباً".
وفي السياق، اتهم القيادي في الحركة أحمد صادوق، دعاة المشاركة من كوادر الإخوان، بعدم وضوح الرؤية السياسية، معتبراً أن "طرح النقاش حول المشاركة والمعارضة في الحقيقة ليس ذا أولوية بقدر ما يتخذها بعض من يريدون المشاركة كمادة لتغذية النقاش، إذ إن كثيراً من هؤلاء لا يملكون رؤية حقيقية للنهوض بالحركة بقدر ما ينخرطون في إطار أجندة شخصية أكثر منها ذات بُعد سياسي". لكنه أقر في المقابل بأن "من يعتقدون أن المعارضة لم تضف للحركة شيئاً كثيراً، بما يستلزم الرجوع إلى خيار المشاركة كما يقول دعاة هذا الطرح، لديهم بعض التخوف من إمكانية أخذ الحركة إلى مرحلة من التطرف في المعارضة".
يفرز تباين المواقف الحاد بين تيار المشاركة مع السلطة، وتيار المعارضة، حالة من الصدام السياسي الذي يُتوقع أن يزداد مع اقتراب موعد مؤتمر الحركة في مايو المقبل، وهو ما اعترف به أحمد صادوق، الذي اعتبر أن "النقاش لا يمكن عزله عن المؤتمر، إذ يحاول كل طرف قياس مدى جاهزية وقبول المناضلين بالخيارات السياسية الممكنة".
وتخوف مراقبون من أن يؤدي هذا التباين الحاد إلى مزيد من تعميق الخلاف السياسي داخل الحركة. ورأى المحلل السياسي عبد السلام عليلي، أن "حركة مجتمع السلم دخلت منذ فترة في مفترق طرق الصراع الداخلي بين دعاة المشاركة والبقاء قرب صنّاع القرار، ودعاة خط المعارضة"، مشيراً إلى أن "هذا الصراع عجّل بإغراقها في نقاش داخلي وإخراجها من سياق الأوراق الضاغطة". واعتبر عليلي أن "حركة مجتمع السلم لم يعد لها ذلك التأثير والحضور السياسي بسبب الشقاق الداخلي الذي هزها منذ عام 2008"، مضيفاً أنها "تشهد حالة سياسية غير مسبوقة، فيما أنصارها يرغبون بالحركة والإدلاء برأيهم لكنهم لا يفعلون في الوقت الحالي، إلا أن الموقف سيتضح أكثر في الفترة المقبلة".
وكان رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى، صدم كوادر الإخوان خلال خطابه في البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بوصفه مسار إخوان الجزائر في السنوات الأخيرة بـ"التيهان"، لكنه كان تصريحاً استفزازياً، وتوصيفاً مبالغاً لتفرد حزب إخوان الجزائر بحالة نقاش ديمقراطي داخلي لا تشهده الأحزاب الديمقراطية نفسها حول المسارات والقرارات والخيارات السياسية.
عام 1994 نجحت السلطة التي كانت تدير أزمة أمنية عنيفة في الجزائر، في استدراج إخوان الجزائر وحزبهم "حركة المجتمع الإسلامي"، والتي عُدل اسمها لاحقاً إلى "حركة مجتمع السلم"، إلى المشاركة في الحكومة تحت عنوان إنقاذ الجمهورية من العنف والإرهاب والفوضى التي اندلعت في أعقاب انقلاب يناير/كانون الثاني 1992 وتوقيف المسار الانتخابي في البلاد. لكن السلطة أبقت إخوان الجزائر على الهامش السياسي ورفضت إدخالهم في صلب منظومة الحكم، إلى درجة أن رئيس الحركة ومؤسسها الراحل محفوظ نحناح، كان يقر بذلك، ويقول إن الحركة "تشارك في الحكومة وليس في الحكم".
وبعد خمس سنوات من فك التحالف مع السلطة وقرار المؤتمر العام لـ"حركة مجتمع السلم" رفض المشاركة في الحكومة وتبنّي خيار المعارضة والانخراط مع قوى الاعتراض السياسي في مبادرات تستهدف الدعوة إلى تغيير سياسي ومرحلة انتقالية في البلاد، يعود الإخوان إلى مناقشة الخيارات السياسية المستقبلية، على ضوء المآلات التي انتهى إليها خيار الحركة منذ مؤتمر 2012، ويتجدد التدافع السياسي بين تياري التحالف مع السلطة، والبقاء في المعارضة، اللذين يتنازعان المواقف داخل قيادة الحركة وقواعدها.
وإذا كان النقاش حول المسار السياسي لإخوان الجزائر بقي في حدود وأشكال مختلفة وداخل مؤسسات الحزب السياسي، فإن النقاش هذه المرة تجاوز إلى الفضاءات العامة، على ضوء مواقف وتصريحات لأبرز القيادات من التيارين. فقد دعا الرئيس السابق لـ"مجتمع السلم" أبو جرة سلطاني، إلى اجراء تقييم لتجربة المعارضة التي خاضتها الحركة خلال السنوات الخمس الماضية، على صعيد النتائج والسلبيات والإيجابيات، وإجراء مقارنة مع مرحلة المشاركة ونتائجها وإيجابياتها وسلبياتها، بهدف اتخاذ الخيار المناسب خلال المؤتمر المقبل للحركة. وبدا سلطاني غير راضٍ عن النهج الراهن للحركة، مقللاً من النتائج التي حققتها بعد خمس سنوات من انتهاجها خيار المعارضة وفك ارتباطها بالسلطة. وقال إن خط المعارضة الذي يقوده الرئيس الحالي للحركة عبد الرزاق مقري، "وعد بثلاثة أهداف كنا ننتظر ظهور بوادرها خلال 5 سنوات، الأول هو التفاف الجماهير من حولنا، والثاني هو تزكية مرشحينا في كل استحقاق بآلاف الأصوات التي تحملنا إلى المراتب الأولى، والثالث هو التفاوض مع صنّاع القرار من مركز قوة حزبية ومن تأثير قوة اقتراح وطرح وضغط جماهيري أحياناً، لكن الحصيلة التي كشفت عنها نتائج الانتخابات لم تبتعد كثيراً عن النتائج التي كنا نحصدها في كل استحقاق انتخابي في مرحلة المشاركة (بالسلطة)". وتعهد سلطاني بالدفاع في المؤتمر المقبل للحركة بقوة عن العودة إلى خط المشاركة وتصحيح الاختلالات التي طرأت. وتدعم كتلة من كوادر الحركة هذا الطرح، وتعتقد أن خيار المعارضة خرج بالحركة عن المنهج السياسي الذي حددته النصوص المؤسسة لفلسفة إخوان الجزائر، خصوصاً في ظل ضعف قوة المعارضة التي لم تنجح في تنسيق المواقف وفرض نفسها كبديل لإحداث التغيير أو التوازن السياسي مع ماكينة السلطة النافذة، إضافة إلى ما تعتبره هذه الكوادر، تضييع فرص للمزيد من التواجد في مؤسسات الدولة.
لكن هذا التقييم لخمس سنوات من المعارضة، لا يروق لتيار المعارضة داخل "حركة مجتمع السلم"، واستدعى هذا النقاش بروز موقف واضح من قبل مقري، الذي اعتبر أن رفض الدخول في الحكومة لا يتعلق بسلوك العنتريات أو صناعة البطولات الزائفة، ووصفه بـ"موقف وطني يقوم على رؤية أقرها المؤتمر الخامس، وحقق للحركة الاحترام في المشهد السياسي"، مشيراً إلى أن السلطة استمرت في رفض التعاطي مع نصائح ومطالب الحركة لتغيير السياسات. وأوضح أن الحركة لم ترفض التعاطي مع السلطة، لكنها غيّرت من قواعد اللعبة وقدمت اشتراطاتها، قائلاً: "أعلنا صراحة قبل الحملة الانتخابية التشريعية وأثناءها أننا على استعداد للتعاون على أسس الشرعية الشعبية والتوافق السياسي، وقدمنا لهم برنامجاً متكاملاً شهد خبراؤهم بقوته وشموله ومستواه، وبعد الانتخابات اعترفوا لنا أن نتيجتنا أكثر مما أُعلن، ومع ذلك عرضوا علينا مشاركة لا تفي بحاجة التغيير ولا تليق بحزب يفهم السياسة بأنها خدمة وليست كسباً".
وفي السياق، اتهم القيادي في الحركة أحمد صادوق، دعاة المشاركة من كوادر الإخوان، بعدم وضوح الرؤية السياسية، معتبراً أن "طرح النقاش حول المشاركة والمعارضة في الحقيقة ليس ذا أولوية بقدر ما يتخذها بعض من يريدون المشاركة كمادة لتغذية النقاش، إذ إن كثيراً من هؤلاء لا يملكون رؤية حقيقية للنهوض بالحركة بقدر ما ينخرطون في إطار أجندة شخصية أكثر منها ذات بُعد سياسي". لكنه أقر في المقابل بأن "من يعتقدون أن المعارضة لم تضف للحركة شيئاً كثيراً، بما يستلزم الرجوع إلى خيار المشاركة كما يقول دعاة هذا الطرح، لديهم بعض التخوف من إمكانية أخذ الحركة إلى مرحلة من التطرف في المعارضة".
يفرز تباين المواقف الحاد بين تيار المشاركة مع السلطة، وتيار المعارضة، حالة من الصدام السياسي الذي يُتوقع أن يزداد مع اقتراب موعد مؤتمر الحركة في مايو المقبل، وهو ما اعترف به أحمد صادوق، الذي اعتبر أن "النقاش لا يمكن عزله عن المؤتمر، إذ يحاول كل طرف قياس مدى جاهزية وقبول المناضلين بالخيارات السياسية الممكنة".
وكان رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى، صدم كوادر الإخوان خلال خطابه في البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بوصفه مسار إخوان الجزائر في السنوات الأخيرة بـ"التيهان"، لكنه كان تصريحاً استفزازياً، وتوصيفاً مبالغاً لتفرد حزب إخوان الجزائر بحالة نقاش ديمقراطي داخلي لا تشهده الأحزاب الديمقراطية نفسها حول المسارات والقرارات والخيارات السياسية.