تحدث عدد من الضباط المنشقين عن جيش النظام السوري، الذين كانوا يعملون في مجال السلاح الكيماوي، إلى "العربي الجديد" عن ظروف استخدام النظام هذا النوع من السلاح في بلدة خان شيخون بريف إدلب قبل أيام، وعن الدلائل المتوفرة على تورط النظام في هذه الجريمة التي أسفرت عن مقتل وإصابة مئات الأشخاص. وقدموا تفاصيل حول طبيعة الأسلحة الكيماوية التي يملكها النظام وحول أسباب استخدامه غاز السارين بالذات. كما يجيبون على أسئلة مطروحة في سورية وفي العالم، لمعرفة ما إذا كان النظام قد سلّم فعلاً كامل مخزونه من السلاح الكيماوي؟ أم أنه لا يزال يحتفظ بجزء منه؟
وقال رئيس أركان إدارة الحرب الكيماوية في جيش النظام سابقاً، اللواء المنشق عدنان سلو، لـ"العربي الجديد" إن نظام بشار الأسد استخدم غاز السارين لأنه الأنسب لإيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر. وأضاف أن من شروط استخدامه تتمثل في أن تكون درجة الحرارة بين 20 و24 درجة مائوية، لأنه يتبخر بالحرارة الزائدة، ويتلاشى تأثيره الذي يكون فعالاً على ارتفاع مترين فقط، أي على مستوى طول الإنسان تقريباً. وأوضح أن هذا الغاز لا يؤثر على الأماكن المرتفعة لأنه يتبخر وهو مناسب للبيوت والأماكن المحصورة. أما في المناطق المكشوفة فتستخدم غازات أخرى، بحسب سلو، الذي أشار إلى أن أوقات الاستخدام المثالية لهذا السلاح هي ساعات الصباح الأولى بين الثالثة فجراً والثامنة صباحاً، إذ تستقر الغازات السامة قريباً من سطح الأرض.
وأكد اللواء المنشق أن أول استخدام لهذا الغاز في سورية كان على الأرجح خلال الهجوم على الغوطة عام 2013، مشيراً إلى أن النظام يحبذ، على ما يبدو، استخدامه لأن كمية قليلة منه تكفي لإحداث وفيات كثيرة، كما أن الضحايا لا تسيل منهم دماء ولا تتشوه أجسادهم، خلافاً لغاز الخردل مثلاً، والذي يؤدي استخدامه إلى حدوث تشوهات في أجساد الضحايا مما يسهم في إثارة الرأي العام ضد النظام.
النظام يحتفظ بمخزون كيماوي
وفي هذا السياق، أكد سلو أن النظام لم يسلم سوى ما أعلن عن امتلاكه من أسلحة كيماوية، ولم يسلم كل ما يملكه، ولم تجر أية عمليات تحقق من مخزون النظام الكيماوي لديه ومراكز إنتاجه، ولم يتم إتلاف الرؤوس الكيماوية للصواريخ الباليستية التي طورها النظام، لافتاً إلى أن كل ما حصل هو إتلاف جزء من المخزون الذي اعترف النظام بامتلاكه. وأوضح أن غاز السارين ينتمي إلى سلسلة "غازات الأعصاب G"، وهي أربعة أنواع غازات للأعصاب، تم اكتشافها في ثلاثينيات القرن الماضي فيما كان العلماء الألمان يعملون على اختراع مضادات حشرية فعالة.
من جهته، أكد مدير مركز "التوثيق الكيماوي لانتهاكات النظام"، العميد الركن زاهر الساكت، أن المواد السامة تحتاج إلى وسائط لإطلاقها مثل الطائرات ورؤوس الصواريخ وذخائر المدفعية، وكلها غير متوفرة لأي فصيل في المعارضة. وأضاف في حديثه مع "العربي الجديد" أنه عند تركيب المواد السامة على الوسائط، تحتاج إلى آلات خاصة ومعقدة ووقاية، وهذا غير متوفر أيضاً لدى الفصائل. وأشار إلى قيام مراكز الرصد التابعة لفصائل المعارضة برصد المحادثة بين الطيار الذي كان يقود الطائرة التي نفذت الهجوم وغرفة العمليات، وتبين لهم اسم الطيار وهو عميد من بلدة تلكلخ، بحسب تأكيده. وأضاف أنه لو كان الطيار قد خرج من مطار حميميم لكان يمكن القول إن الطيران الروسي هو المسؤول، وفق تعبيره.
واعتبر الساكت أن الروس يدافعون عن النظام، لأنهم شركاء معه ومع المليشيات في الإجرام. وأوضح أن المواد الأولية لصنع الغازات السامة موجودة لدى النظام، لكن ربما يفتقد حالياً إلى الحموض المعقدة لصناعتها وتركيبها على نطاق واسع، وهذه ربما تكون قد وفرتها له روسيا أو إيران، مؤكداً أن المجتمع الدولي لن تمر عليه أكاذيب النظام وروسيا، على حد قوله. وأضاف أنه "منذ جريمة الكيماوي في الغوطة قلنا إن النظام لم يسلم سوى الذخائر التالفة من مخزونه الكيماوي، وخزّن جزءاً من هذا المخزون داخل سورية". وأكد أن بقية المخزون تم تسليمه إلى حزب الله اللبناني الذي "خزّنه في البقاع وجنوب لبنان"، كما ذكر الساكت. وبيّن أنه من أصل 55 موقعاً يملكها النظام لتصنيع وتخزين الأسلحة الكيماوية، سمح لفريق المفتشين بدخول 12 موقعاً، وفي العام التالي، سمح لهم بدخول 25 موقعاً آخر.
ورأى النقيب المنشق عن إدارة الحرب الكيماوية في جيش النظام، عبد السلام عبد الرزاق، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن النظام يستخدم السلاح الكيماوي بسبب ضعف قواته على الأرض وعجزه عن صد هجوم مقاتلي المعارضة، إذ كان استخدم هذا السلاح على نطاق أضيق في حماة وريف دمشق قبل استخدامه أخيراً في خان شيخون. وأوضح أن السارين سريع التطاير ولا يدوم تأثيره أكثر من 20 دقيقة، وهو من المواد السامة الشالة للأعصاب. وأهم أعراضه حدوث سيلان في الأنف وآلام ودمع في العيون وغشاوة في الرؤية والزيادة في التعرق وإفراز اللعاب والتنفس السريع والسعال والشعور بضيق في الصدر، إضافة إلى الإفراط في التبول والشعور بالدوار والارتباك والصداع والضعف، والألم في البطن والقيء والغثيان وتغيّر في ضغط الدم وتغيّر في نبضات القلب، وفق ما استعرض المتحدث نفسه. وأضاف أنه في حال التعرض لجرعات عالية من الغاز يشعر المريض بالغيبوبة وفقدان الوعي والشلل والفشل في الجهاز التنفسي وصولاً إلى الوفاة.
نصائح للوقاية
أما داخل المنزل، فيجب أن يلجأ الأشخاص إلى الغرفة القابلة للغلق المحكم أكثر من غيرها لمنع تسرب الهواء إلى داخلها، إضافة إلى إقفال وسائل التكييف، وحماية أعضاء التنفس من المادة الكيميائية باستخدام قطع من القماش المبلل بالماء ووضعها على الأنف والفم في حالة غاز الأعصاب، بحسب التفاصيل التي يقدمها النقيب عبد الرزاق. أما في حالة غاز الخردل، فيجب أن تكون قطع القماش جافة، ويجب حماية الأقدام باستعمال الأحذية المطاطية أو الأحذية العادية الطويلة ولبس القفازات، واستخدام معاطف المطر أو معاطف النايلون أو الملابس المشمعة أو الجلدية، وفق تأكيده. كما يفضل بشكل عام الصعود إلى الأدوار العليا في حالة غاز السارين لأنه غاز ثقيل وتتلاشى فاعليته في الأماكن المرتفعة.
وأشار عبد الرزاق إلى أن النظام كان يفكر باستخدام السلاح الكيماوي منذ الأشهر الأولى لاندلاع الثورة. وروى قائلاً: "أثناء خدمتي في الفوج 28 كيمياء التابع لإدارة الحرب الكيماوية، وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول 2011، حين كانت التظاهرات تغطي سورية كل يوم جمعة، أرسلت القيادة العامة لجيش النظام تعميماً بامتلاك "(المندسين والمجموعات الإرهابية) أسلحة كيماوية يمكن استخدامها في أي وقت". وأضاف أن "القيادة نفسها وضعت برامج للتدريب العملي على القتال في ظروف استخدام السلاح الكيماوي". وتابع أنه "بعد أقل من شهر، انتشرت معلومات من الزبداني بين ضباط الكيمياء بأنه تم تجهيز وتجربة أنواع من السلاح الكيماوي ذات التأثير النفسي، وأيضاً تم تجهيز وحدات مدفعية في جبل الزاوية بإدلب لكن لم يتم استخدامها آنذاك". وختم بالتأكيد على أنه "في بداية شهر فبراير/شباط 2012، استخدم النظام غاز bz، وهو من الأسلحة النفسية ويسبب الهلوسة والخمول والإحباط، في حي بابا عمرو، مما سهل مهمة الوحدات المكلفة باقتحام الحي، على الرغم من أن الثورة كانت حينذاك مجرد تظاهرات سلمية"، وفق قول عبد الرزاق.