في 27 مايو/أيار الماضي اقتحمت الشرطة النرويجية، ومكتب مكافحة الجرائم الاقتصادية، بسرية، مكتب "الشبكة العالمية للحقوق والتنمية" بالتزامن مع اقتحام منزل مديرها، لؤي ديب، الفلسطيني المقرب جداً من القيادي الأمني المطرود من حركة فتح، محمد دحلان. اقتحام مكاتب المؤسسة التي تروج لنفسها على أنها حقوقية، حصل على شاطئ بحر الشمال في المدينة النرويجية الثالثة، ستافنغر، وأوقف ديب لمدة 48 ساعة على ذمة التحقيق. وفور إخلاء سبيله طبقاً للقوانين التي تمنع التوقيف لأكثر من هذه المدة، تمكن من الهرب خارج البلاد، تحديداً إلى مصر ثم إلى دولة خليجية لا يزال مقيماً فيها، وبات الرجل مطلوباً للعدالة في دولة النرويج، بعدما وجهت له السلطات القضائية تهمة تبييض الأموال وأعمالا جرمية، وفق القانون 317 الصارم جداً في مسائل الجرائم الاقتصادية والاحتيال.
ما رشح أول من أمس 12 يونيو/حزيران، أن مدير المؤسسة، ديب، متهم بغسل الأموال بعد تلقي شبكته 100 مليون كرون نرويجي (حوالي 21 مليون دولار) محولة من دولة خليجية على مدى 3 سنوات. وبحسب ما اطلعت عليه "العربي الجديد"، فإن قضية "الشبكة العالمية" بقيت تحت التحقيق والمراقبة منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بعد جدل أثير في أروقة "مجلس حقوق الإنسان" والأمم المتحدة عموماً، لإصرار لؤي ديب على نيل اعتراف بمنظمته كمنظمة ضغط "لوبي".
المثير في الأمر، والذي تتشابك فيه خيوط عدة، أن التحويلات التي تمت إلى الشبكة لم يقدم مؤسسها ومديرها أي تبرير عنها ولا إعلام لمؤسسات الضريبة في النرويج. بل تذهب مصادر صحافية موثوقة إلى القول إن "الشبكة بذات نفسها لا يعرف عنها موظفو الخارجية ووزارة التنمية في أوسلو أي شيء، وهي غير مرخصة كمنظمة حقوقية". وكان مديرها قد أثار في السابق حفيظة السلطات الأكاديمية في 2010 حين افتتح ما سمّاه "الجامعة الاسكندنافية" وهو يدعي أنها تضم 300 مدرس و175 بروفسوراً و275 موظفاً بدرجة دكتوراه. وبعدما تم تهديد شركته قانونياً لأنه تبين أن الأمر ليس سوى ادعاءات، حوّل ديب الاسم إلى "المجموعة الاسكندنافية" بفروع في دول عدة، منها سورية وتونس والسودان ودبي ولبنان.
يقدم الرجل نفسه على أنه صاحب شهادة دكتوراه في القانون الدولي، وهو حضر إلى النرويج قبل 18 سنة من مدينة رفح في قطاع غزة، حيث ولد عام 1975. لكن النرويجيين لم يجدوا أية خلفية أكاديمية للرجل في بلادهم، وحين سئل قبل فترة من صحافي نرويجي عن مصدر شهادة القانون الدولي التي يقول إنه يحملها، أجاب: إنها ليست من النرويج بل من الخارج، من فلسطين. لكن الصحافة عادت وذكرت أنه لم يكن في سن دكتوراه عندما كان في فلسطين.
تتدحرج قضية لؤي ديب وشبكته الحقوقية، بعدما كشف النقاب عنها مساء يوم الجمعة في أوسلو.
وتبين بحسب تسريبات ومصادر موثوقة، ونشر بعضها في الإعلام النرويجي، أن علاقة ما تربط بين لؤي ديب وشبكته بصحافيَّين بريطانيين جرى توقيفهما في قطر أخيراً، أثناء محاولة لهما للتشويش على حق قطر بتنظيم مونديال كرة القدم عام 2022. وبحسب ما علمت "العربي الجديد" تعود القصة إلى العام الماضي، حين كانت الأموال تحول من الدولة الخليجية نفسها "من أجل تشويه صورة بعض الدول الخليجية الأخرى على الصعيد الدولي وتلميع أخرى". وكانت شبكة ديب قد أصدرت "لائحة معايير حقوق الإنسان"، وتم وضع دولة الإمارات على قائمة الملتزمين بحقوق الإنسان كرقم 12 عالمياً، لتسبق دولاً كفرنسا وأميركا وألمانيا. ووضع التقرير دولة قطر في ذيل القائمة لتحتل المرتبة فوق المائة.
ووفق معلومات خاصة بـ "العربي الجديد" فإن عيون "منظمة هيومن رايتس ووتش"، وعبر خبيرها في شؤون الشرق الأوسط نيكولاس ماكغيهان، "فُتحت" على لؤي ديب ومعاييره في شؤون حقوق الإنسان، على خلفية تلك اللائحة الشهيرة بين أوساط المتعاطين في الشؤون الحقوقية.
اقرأ أيضاً: تفاصيل زيارة دحلان لأديس أبابا: مجرد مرافق للوفد المصري
يدعي لؤي ديب أن شبكته تملك 100 موظف حول العالم، وأنهم يتلقون دعماً من "الأعضاء". لكن لا معلومات عن هؤلاء الأعضاء، بينما تستند الشرطة ودوائر مكافحة تبييض الأموال في النرويج على قضية أساسية تقوم على أن الشركات التي أقامها "وهمية، ترتبط به وبمن يمثلهم ثم يدعي أنها هي التي تموله، مثل مجموعة ديب للاستشارات ومجموعة أمنية معينة"، بحسب ما تقول مصادر مطلعة على مجريات القضية.
لا يتوقف الأمر عند حد تلقي ذلك الدعم المالي، أو ما تعتبره السلطات النرويجية أكبر قضية غسل أموال لمنظمة تدعي حقوق إنسان. مصادر "العربي الجديد" تفيد بأن القضية ستتدحرج ككرة الثلج قريباً ليُكشف ارتباطها بمحمد دحلان.
دائرة الضريبة النرويجية قالت إن "الشبكة العالمية للحقوق والتنمية" لم تقدم حساباتها ولم تدفع الأجور الشهرية سوى لراتب سنوي واحد مقدر بـ140 ألف كرونة (أي ما يعادل 30 ألف دولار). أمر تقول السلطات إنه مثير للانتباه، إذ لم يكن لتلك المنظمة التي مقرها ستافينغر، لا تسجيل رسمي ولا علاقة بالمنظمات الحقوقية المحلية ولا الدولية ولا حتى اتصال بوزارة الخارجية النرويجية.
تضيف مصادر "العربي الجديد" أن لؤي ديب يملك في وسائل التواصل الاجتماعي أعداد متابعين وهميين يفوق عددهم عدد متابعي الأمم المتحدة، ومؤتمراته التي كان ينظمها في جنيف لا علاقة لها بمعايير حقوق الإنسان. في العام 2013 وبحسب مطلعين على التحقيق الجاري "وصل للمنظمة 16.8 مليون كرون نرويجي كتحويل من دون الإفصاح عن مصدرها الخليجي". ولم يستطع ديب تقديم ما يثبت مصدر تمويله في التحقيق الذي جرى معه في يومَي اعتقاله الشهر الماضي، قبل أن يغادر النرويج ويستقر الآن في إحدى دول الخليج. أمر دفع السلطات الأمنية النرويجية للبحث والتحري حتى عن "مصاريفه الشخصية"، مع الاحتفاظ بالأدلة كلها من أوراق ووسائل اتصال لفك ألغاز هذه القضية.
ومن غرائب التحقيق بقضية ديب ومؤسساته، أن الموظفين المسجلين في مؤسسات الرجل داخل النرويج، جلهم من أصول أجنبية، لا يعرفون شيئاً عن الرجل. المصدر الذي تحدث إلى "العربي الجديد" يشدد على قدرة لؤي ديب على "التقاط الإشارات والفرص، فقبل 3 أشهر كان النقاش كله ينصب على مكافحة الإرهاب، فذهب لعقد مؤتمر في جنيف تحت ذلك العنوان، وباسم منظمته الحقوقية. ولم يستدع من الضيوف سوى من يتوافق معه كوزير الداخلية الروسي الأسبق اناتولي كوليكوف". وتبين أن عدد متابعي خطبة ديب في مؤتمره عن مكافحة الإرهاب الذي عقده في جنيف تجاوز المليون ونصف المليون، بينما كلمة وزير داخلية روسيا الأسبق لم تحظ سوى بـ 20 مشاهدة. هذا بالإضافة إلى مقارنة المختصين بين "عدد مشاهدة كلمة أوباما في خطاب حالة الأمة، ومشاهدة الجمهور لكلمة لؤي ديب".
الخيوط المتشابكة بين "الشبكة العالمية" ومؤسسها لؤي ديب باتت الآن في عهدة الأجهزة الأمنية النرويجية بالتعاون مع غيرها، وفي عهدة ما تستطيع الصحافة الوصول إليه، لكن يتبين من طبيعة العلاقات المتشعبة أن ديب قام بتوظيف شخصية نسائية روسية تعمل في منظمة الأمم المتحدة، ليتسنى له النفاذ إلى اعتراف المنظمة الدولية بمنظمته كـ "لوبي" أسوة بالمنظمات الحقوقية الأخرى.
اقرأ أيضاً: "خرّافيّة" محمد دحلان