وأعلن حجاب، أمس الاثنين، استقالته من منصبه، بعدما تولى منصبه كمنسق للهيئة في ديسمبر/كانون الأول 2015. ولم يذكر حجاب، في بيانه، سبباً مباشراً لاستقالته إلا أنه استعرض الظروف التي تولى فيها المسؤولية وقال إن "التحديات التي واجهها لتمثيل تطلعات الشعب السوري في عملية الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، متسلحين بمبادئ الثورة ومرجعيتها، الأمر الذي ساعدنا على الصمود أمام محاولات خفض سقف الثورة وإطالة أمد نظام بشار الأسد، وعلى التصدي لمحاولات بعض القوى الخارجية اقتسام بلادنا إلى مناطق نفوذ ضمن اتفاقات جانبية يتم إبرامها بمنأى عن الشعب السوري"، في إشارة ضمنية إلى صعوبة الاستمرار في تحقيق هذه الأهداف خلال المرحلة المقبلة. كما ذكر حجاب في بيان استقالته، أنه "على الرغم من تباين المواقف وتعدد الآراء، بقيت الهيئة متماسكة نتيجة الجهد الذي بذلناه لتقريب وجهات النظر، حيث مددنا قنوات التواصل والتنسيق بين مختلف مكوناتها، وعملنا في الوقت نفسه على النأي بأنفسنا عن أية اصطفافات خارجية للمحافظة على استقلالنا وسيادة قرارنا الوطني"، قبل أن يخلص إلى القول: "أجد نفسي اليوم مضطراً لإعلان استقالتي من الهيئة العليا للمفاوضات متمنياً لها المزيد من الإنجاز، ولبلدي الحبيب سورية السلم والأمان والاستقرار". وكانت قد ترددت تسريبات بأنه من المرجح أن يدفع مشاركون في مؤتمر الرياض إلى استبعاد حجاب، من منصبه، فيما علمت "العربي الجديد" أن خلافات كبيرة سيطرت على اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر الرياض2 نتيجة تمسك المقربين من روسيا، بموقفهم الداعي إلى عدم استبعاد بشار الأسد من المرحلة الانتقالية.
وعلى وقع هذا التطور، يجتمع معارضون من أجل الخروج بتوافق ورؤية جديدة حيال مرحلة "التسويات الكبرى" التي تأتي عقب سنوات من الصراع الذي وضع البلاد برمّتها على حافة التقسيم والتشظي. وتشير المعطيات الأولية إلى أن هوة الخلاف بين مكونات معارضة ربما لن يستطيع مؤتمر الرياض 2 ردمها، في ظل تخندق وراء مواقف متضاربة تتماهى مع مصالح دول تقف خلف هذه المكونات التي لا تزال تؤدي "دور المعطل" للتوافق، بل تدفع لعودة البلاد إلى ما قبل عام 2011 الذي شهد بدء ثورة تدعو إلى تغيير لا يزال النظام يرفضه ويخلق عراقيل للحيلولة دون تحقيقه. ويستفيد النظام السوري من دعم روسي وإيراني لا حدود له، وتراخ أميركي مكّن موسكو وطهران من التفرد بالملف السوري، وفرض وصاية على البلاد ترقى إلى مستوى الاحتلال المباشر، فضلاً عن تبدّل مواقف دول من الملف السوري، بينها السعودية التي تستضيف مقر الهيئة العليا للمفاوضات السورية.
وتبدأ، غداً الأربعاء، أعمال المؤتمر الموسّع للمعارضة السورية، والمعروف اصطلاحاً بـ"الرياض 2"، والذي "يهدف إلى التقريب بين أطراف المعارضة السورية ومنصاتها، وتوحيد وفدها التفاوضي لاستئناف المفاوضات المباشرة في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة". وتشكلت "لجنة تحضيرية" للمؤتمر ضمّت ممثلين اثنين عن الائتلاف الوطني السوري، هما بدر جاموس وعبد الرحمن مصطفى، وممثلا لهيئة التنسيق الوطنية هو أحمد العسراوي، وممثلا لمنصة "القاهرة" هو قاسم الخطيب، وآخر من منصة موسكو هو علاء عرفات، ويمثل محمد علوش الفصائل العسكرية، ومرح البقاعي تمثل المستقلين.
وذكرت مصادر مطلعة في الائتلاف الوطني السوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن اجتماعات اللجنة التحضيرية في الرياض "شهدت خلافات كثيرة حول أجندة الاجتماع والبيان الختامي". وأوضحت أن "الائتلاف قدّم تصوره والذي يؤكد على مبادئ الثورة السورية، والدعوة إلى مفاوضات فورية مع النظام من أجل التوصل إلى حل سياسي وفق القرارات الدولية التي تنص على عدم وجود بشار الأسد في أي حل مقبل".
وأشارت المصادر إلى أن الرؤية التي قدمها الائتلاف تؤكد أن المرحلة الانتقالية "هي مرحلة بناء الدولة لا وجود لبشار الأسد وأركان حكمه فيها"، موضحة أن هيئة التنسيق ومنصة القاهرة تدفعان باتجاه عدم ذكر اسم بشار الأسد بشكل واضح، والاكتفاء بعبارة "لا وجود للنظام ورموزه في الحل السياسي".
وأكدت المصادر أن منصة "موسكو" لا تزال عند موقفها الداعي إلى عدم استبعاد بشار الأسد من المرحلة الانتقالية، مع حقه في الترشح لأي انتخابات مقبلة. كما تصرّ على أن يكون دستور عام 2012 الذي وضعه النظام هو المعتمد في المرحلة الانتقالية، وهو ما يرفضه الائتلاف والفصائل العسكرية، وعدد كبير من المستقلين المشاركين في الرياض 2.
وكشفت المصادر أن منسق منصة "موسكو"، قدري جميل، موجود في العاصمة السعودية الرياض، مشيرة إلى أنه هدد بالانسحاب قبيل بدء المؤتمر بسبب الخلافات في اللجنة التحضيرية. وبحسب المصادر، فإن "منصة موسكو ممثلة بسبعة أعضاء، وانسحابها لن يكون له أي أثر على المؤتمر ومجرياته، كما أنها لا تملك أي وزن سياسي في الشارع السوري المعارض الذي يدرك أهداف وغايات هذه المنصة ومن يقف وراءها".
من جانبه، أشار عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، أحد ممثلي الائتلاف في مؤتمر الرياض، عقاب يحيى، إلى أن المعطيات الأولية تشير إلى أن المؤتمر "سيكلل بالنجاح، وسوف يتوصل إلى نتائج طيبة". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأغلبية الساحقة من المشاركين في المؤتمر معروفة التوجه، ولا تزال عند موقف واضح يدعو إلى حل سياسي من دون وجود لبشار الأسد ورموز حكمه في السلطة، وهذا يعدّ أهم مطالب الشارع السوري الثوري والمعارض".
وتسود حالة من الترقب الحذر في الشارع السوري المعارض قبيل انطلاق أعمال المؤتمر، خشية اتخاذ المؤتمرين مواقف "مهادنة" تؤدي إلى تنازلات جوهرية، تماهياً مع موقف إقليمي ودولي يدفع باتجاه إبقاء الأسد في السلطة، وإجراء تعديلات دستورية تجرى على أساسها انتخابات يشارك فيها الأسد. ويعد هذا التوجه، إن تمّ، نسفاً لقرارات دولية نصت على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات التنفيذية تقود مرحلة انتقالية.
لكن مصادر في الائتلاف تؤكد أنه "لا تنازل أو انزلاق"، عن المبادئ الأساسية للثورة، موضحة أن "إرادة السوريين" قادرة على الوقوف في وجه المتغيرات الدولية. وبحسب المصادر نفسها، يضاف إلى ذلك توفر معطيات تؤكد وجود "مواقف ضمنية لبعض الدول لصالحنا، وتحرك أميركي نسبي ضد تغول الروس واستحواذهم على الملف السوري منفردين".
وقبيل بدء مؤتمر الرياض 2، دشّن ناشطون وإعلاميون سوريون حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى استبعاد منصة "موسكو" من المؤتمر. ويرى هؤلاء أن أعضاء هذه المنصة لم يكن خطابهم يتوافق يوماً مع ما خرجت له الثورة السورية في مارس/آذار 2011، ولم يتمسكوا أبداً بثوابتها".
وأكد القائمون على الحملة أنه رغم مقتل عشرات آلاف السوريين، وتهجير الملايين جراء الآلة العسكرية لنظام الأسد وحلفائه "بقي أعضاء منصة موسكو متمسكين بمواقفهم بعدم الحديث عن رحيل بشار الأسد، بل ومشاركين في تشريع قتله من خلال شرعنة التدخل الروسي في سورية" بحجة أنه "أنقذ الدولة السورية".
وأشار الناشطون، في بيانٍ لهم، إلى أن روسيا التي استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي 11 مرة من أجل بقاء الأسد في الحكم "لن تنتج لنا منصة سياسية تتوافق مع متطلبات ثورة الشعب السوري التي نادت بالحرية والكرامة والتغيير". ورأوا أن موسكو "تريد عبر مشاركة وضم منصة موسكو إلى اجتماعات الرياض التشويش على وفد المعارضة السورية، وصنع الفجوات والثغرات فيه لمحاولة إجباره على التخلي عن تمسكه بثوابت ثورة الشعب السوري ورحيل بشار الأسد"، وفق البيان.
ويشارك في مؤتمر الرياض 2 نحو 144 شخصية سورية معارضة، يمثلون تيارات سياسية عدة، إضافة إلى الفصائل العسكرية ومستقلين. ونال المستقلون الحصة الأكبر بـ70 مشاركاً، فيما يمثل الائتلاف 22 شخصية، والفصائل 21، ومنصة القاهرة عشرة، وموسكو سبعة.
ومن المتوقع أن يتمخض اجتماع الرياض 2 عن هيئة جديدة للمفاوضات تتولى الإشراف على العملية التفاوضية مع النظام في مدينة جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة. كما من المتوقع أن يصدر بيان يحدد استراتيجية المعارضة للمرحلة المقبلة، وهذا البيان سيكون محط خلاف في حال تخندق كل طرف وراء مواقفه، إذ ترى أطراف عدة أن هذا البيان يجب أن لا يشير إلى اسم بشار الأسد كشرط من أجل البدء بعملية انتقالية. ويضاف إلى ذلك وجود أطراف تدعو إلى ورود نص يدعو إلى إنشاء دولة "مدنية" في سورية، وهذه نقطة خلاف منذ الرياض 1 أواخر عام 2015.