وتفاقمت حدة التوتر بين موسكو ولندن بعد اتهام بريطانيا لروسيا بالوقوف وراء عملية تسميم الجاسوس المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته على أراضيها.
وآخر فصول هذا التوتر، ظهر اليوم، من خلال تنديد الكرملين بتصريحات وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، التي قارن فيها كأس العالم لكرة القدم المرتقب في روسيا خلال الصيف، بالألعاب الأولمبية في برلين في ظل حكم هتلر، معتبراً إياها "مقززة ومهينة وغير مقبولة".
جهود تيريزا ماي
ويأتي ذلك، في وقت ستطلع ماي قادة الاتحاد الأوروبي، خلال عشاء قمة الاتحاد اليوم، على آخر تطورات الأزمة مع موسكو، حيث ستسلط الضوء على التصرف الروسي العدواني، واصفةً التهديد الروسي بأنه "تحدٍ سيمتد لأجيال مقبلة"، وستحث ماي الدول الأوروبية على الوقوف صفاً واحداً.
وتهدف بريطانيا خلال الأسابيع المقبلة إلى دفع الدول الأوروبية الأخرى لطرد الدبلوماسيين الروس، الذين يعتقد ارتباطهم بأجهزة الاستخبارات الروسية، في خطوات مماثلة لما قامت به بريطانيا بطرد 23 دبلوماسياً من طاقم السفارة الروسية في لندن.
وتعتبر الحكومة البريطانية أن مثل هذه الخطوات "ستحدّ من قدرات روسيا الاستخبارية، وبالتالي من خطواتها العدوانية على الأراضي الأوروبية".
ونقل عن مسؤول حكومي بريطاني قوله إنه "قد ظهر لنا أن روسيا عدو استراتيجي، وليست شريكاً استراتيجياً"، في إشارة إلى "أعمالها التي تشمل الهجمات الإلكترونية في الدنمارك وألمانيا والولايات المتحدة، إضافة إلى تدخلها العسكري في أوكرانيا وسورية".
ولكن بريطانيا تواجه تردداً من قبل عدد من الدول الأوروبية في الاصطفاف إلى جانبها، حيث أن اليونان ترفض توجيه اللوم إلى الدولة الروسية.
إلا أن الاستراتيجية التي ترسمها بريطانيا لا تعتمد على التصعيد ضد روسيا، بل على ردع "قدراتها التخريبية" في أوروبا.
وعلى الرغم من أن روسيا لا تهدد الأراضي البريطانية مباشرة، لبعدها الجغرافي عنها، إلا أن بريطانيا ترى في أمنها القومي جزءاً من الأمن القومي للدول الأوروبية الحليفة. يضاف إلى ذلك، وجود قوات بريطانية في دول البلطيق وأوروبا الشرقية، على الحدود مع روسيا، كجزء من قوات حلف "الناتو".
كما تستطيع روسيا التأثير المباشر في بريطانيا، من خلال قدراتها الحربية الهجينة، والتي تقوم على إنكار أنشطتها التخريبية، مثل التلاعب بالانتخابات، أو الهجمات الإلكترونية ضد الخدمات الأساسية.
وفي هذا السياق، نشرت وزارة الخارجية البريطانية، يوم أمس الأربعاء، تسجيلاً مصوراً على وسائل التواصل الاجتماعي، تهاجم فيه رد روسيا على الاتهامات الموجهة إليها.
ويشمل التسجيل 17 تفسيراً روسياً مختلفاً تقدمت بها وسائل الإعلام الرسمية أو المتحدثون باسم الحكومة الروسية. وتشمل هذه التفسيرات إتهام سكريبال بمحاولة الانتحار واستخدام جرعة زائدة من السم، أو توجيه اللوم ضد خمسة بلدان أخرى، بما فيها أوكرانيا والسويد، أو توجيه اللوم إلى يوليا سكريبال، أو حتى إنكار الحادث كلياً.
ومن ناحية أخرى، عقد السفير البريطاني في روسيا، لوري بريستو، مؤتمراً صحافياً، اليوم، في مقر السفارة في موسكو، ليفند فيه الادعاءات التي تقدم بها الجانب الروسي خلال مؤتمر عقد في وزارة الخارجية الروسية يوم أمس.
ووصف بريستو الادعاءات الروسية بأنها "ماراثون من ساعتين من الأكاذيب والتضليل والإهانات الشخصية"، مؤكداً على عنصر "نوفيتشوك" السام، المستخدم في الاعتداء على سكريبال الذي لا يتم إنتاجه إلا في روسيا.
وكان مسؤولون دبلوماسيون وخبراء عسكريون روس قد عقدوا، يوم أمس، مؤتمراً وجهت الدعوة فيه إلى 140 دبلوماسياً أجنبياً، وتمّ بثّه على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن من دون حضور وسائل الإعلام، وجهت فيه روسيا الاتهام إلى بريطانيا بأنها تخفي جزءاً من الأدلة في اعتداء سالزبيري، وربما تنوي تدميرها.
واتهم فلاديمير يرماكوف، المسؤول في وزارة الخارجية، بريطانيا بأنها "توجه اتهامات متسرعة وهستيرية ضد روسيا من دون تقديم أي دليل". كما ادعى أن بريطانيا تكذب حول تفاصيل الحادث، مشبهاً تصرفها بما قام به طوني بلير حول حرب العراق: "يكذبون على الشعب البريطاني، ويدفعون به إلى مغامرة دموية غير قانونية".
وأضاف يرماكوف: "يوحي المنطق هنا بأحد احتمالين: إما أن السلطات البريطانية غير قادرة على ضمان الأمن حيال هذا النوع من التهديدات الإرهابية على أراضيها، أو أنهم، بشكل مباشر أو غير مباشر – وأنا لا أتهم أحداً بأي شيء – قد رتبوا هذا الهجوم ضد مواطن روسي".
وكان سفراء كل من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى الصين ونيوزيلندا وأستراليا وكندا، قد قرروا مقاطعة المؤتمر الروسي وعدم حضوره.
موسكو – واشنطن
إلى ذلك، طالبت موسكو، اليوم الخميس، واشنطن بتقديم أدلة تثبت تورط روسيا في حادثة تسميم العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا، أو الاعتذار، منددة كذلك بتصريحات وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الذي قارن فيها كأس العالم الكروي المرتقب في روسيا، بالألعاب الأولمبية في ظل حكم هتلر.
وخيّرت موسكو واشنطن بين تقديم الأدلة التي تثبت تورط روسيا في حادثة تسميم العميل سيرغي سكريبال في بريطانيا، أو الاعتذار "مثل الأشخاص المحترمين".
وقالت السفارة الروسية لدى الولايات المتحدة، في بيان: "نحث بشدة واشنطن على تزويدنا بالأدلة على الإجراءات الروسية غير القانونية التي ذكرتها"، بحسب ما نقلت وكالة أنباء "تاس" الروسية، لافتةً إلى أنه "إذا كانت هذه الأدلة موجودة بالفعل، فيمكن تقديمها بالسرعة الكافية، وإلا فهناك فرصة للاعتراف بعدم وجودها، والاعتذار لنا بالطريقة التي يقوم بها جميع الأشخاص المحترمين".
كما أعربت السفارة الروسية عن دهشتها من "الأحكام غير المتكافئة التي أطلقتها المتحدثة باسم البيت الأبيض هيذر نويرت، التي زعمت بأن روسيا مسؤولة عن تسميم سكريبال"، مضيفة "نود أن نذكّر بأن أي نوع من العبارات القوية في الحوار مع روسيا يأتي بنتائج عكسية".
وعلى صعيد آخر، دعت سفارة موسكو لدى واشنطن الدول الغربية إلى التوقف عن "شيطنة روسيا"، قائلة "توقفوا عن تهديد روسيا ودبلوماسيها، لقد حان الوقت لتتوقفوا عن تحميلنا جميع الأشياء التي يمكن تخيلها".