مقايضة روسية ــ تركية حول تل رفعت وإدلب؟

12 ابريل 2019
نزح أهالي تل رفعت إلى أعزاز (أومير كوبارات/الأناضول)
+ الخط -

مع غياب التصريحات الرسمية من الأطراف المعنية، الروسية أو التركية أو التابعة للنظام السوري، بشأن ما تردد عن انسحاب للقوات الروسية من مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، ظلّت الساحة متروكة للتحليلات والتكهنات، مع بروز معطيات عن وجود تفاهمات (صفقة) روسية ــ تركية حول مصير المدينة تقضي بتسليمها لتركيا، مقابل القيام بتحرك روسي ــ تركي مشترك ضد "الفصائل المتشددة" في محافظة إدلب. وتداولت بعض وسائل الإعلام المحلية، سواء المقرّبة من النظام السوري أو المعارضة، أنباء عن انسحاب قوات الشرطة العسكرية الروسية من تل رفعت، فيما بثّ التلفزيون الرسمي لقطات لرفع علم النظام في المدينة بالتزامن مع ما سمّاه "الاحتفالات بأعياد نيسان"، وإن كانت اللقطات التي تم بثها تظهر العلم على إحدى التلال المحيطة بالمدينة، لا داخلها.

وذكر رئيس المجلس المحلي لمدينة تل رفعت، محمود عليطو، لبعض المواقع المحلية، أن "خبر انسحاب القوات الروسية من تل رفعت وما حولها غير مؤكد"، كاشفاً عن "انعقاد اجتماع بين الأتراك والروس على أطراف قرية تل جبرين، الواقعة على خط التماس بين مليشيات الحماية الكردية والجيش الوطني السوري، يوم الأربعاء الماضي، لكن نتائجه لم تتضح حتى الآن". وأضاف أن "هذه الاجتماعات تكررت خلال الأشهر القليلة الماضية".

ورأى عليطو أنه "لا تغيير عسكرياً في المدينة، لا دخولاً ولا خروجاً"، معتبراً أنه "بعد التصريحات التي تلت لقاء مسؤولين روس وأتراك والاتفاق بين الطرفين على القضاء على الإرهاب، تحاول قسد إيهام الرأي العام الدولي بسيطرة النظام على المنطقة، بغية حمايتها من أية عمليات عسكرية مدعومة من أنقرة".

وكانت الوحدات الكردية قد سيطرت على بلدات وقرى عدة بريف حلب الشمالي، أهمها مدينة تل رفعت في عام 2016، بدعم جوي روسي ضد فصائل المعارضة، وبدأت القوات الروسية بنشر بعض النقاط بالمنطقة في عام 2017. كما انتشر مقاتلو "قسد"، ووحدات من قوات النظام السوري ومعها مليشيات إيرانية في المنطقة ذاتها. ويسيطر هؤلاء على أجزاءٍ رئيسية من طريق غازي عينتاب ـ حلب الدولي. وتتهم أنقرة الوحدات الكردية، باستمرار، باستخدام هذه المناطق في شنّ هجمات ضد الجيش التركي في منطقتي أعزاز وعفرين.

وعلى الرغم من محاولات النظام التمسك بتل رفعت، إلا أن الانسحاب الروسي منها قد يمهّد لسيطرة أنقرة عليها في وقتٍ لاحق، كما حصل في عفرين قبل أكثر من عام. لكن أي اتفاق روسي – تركي حول تل رفعت، يحتاج كما يبدو إلى موافقة إيران، بفعل رفض المليشيات المدعومة منها، التي تنشط في أرياف حلب، سيطرة أنقرة على تل رفعت، لقربها من مدينة حلب. بالنسبة إلى هؤلاء فإن المدينة تشكّل نقطة حماية خلفية لبلدتي نبّل والزهراء، الخاضعتين لهم، في مواجهة أي هجوم قد تشنه الفصائل المدعومة من تركيا.



وتعتبر البلدة ومعها قرى عدة في المنطقة خاضعة لسيطرة "قسد"، العقدة الرئيسية التي يمرّ منها الطريق الدولي الواصل بين غازي عنتاب وحلب، عبر معبر باب السلامة في أعزاز، الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة السورية.

ورجّحت مصادر محلية أن "يتحوّل مطار منغ الواقع شمال مدينة تل رفعت، إلى نقطة انطلاق للدوريات المشتركة الروسية – التركية، التي سيتم تسييرها في المناطق الفاصلة بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام في شمال حلب، إضافة إلى مراقبة الطريق الدولي، بعد ترسيم الوضع الجديد، تمهيداً لإعادة افتتاح الطريق". وتطالب أنقرة منذ سيطرتها على عفرين، بالسيطرة على تل رفعت، لتتمكن من إعادة فتح الطريق الدولي بين مدينتي غازي عنتاب وحلب، لكن وجود وحدات حماية الشعب الكردية في أماكن قريبة منها، يعيق ذلك.

ورأت مصادر مطلعة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "سيناريو عفرين قد يتكرر في تل رفعت، بأن تتسلم تركيا والفصائل القريبة منها المدينة نتيجة تفاهمات بين الرئيسين التركي والروسي خلال اجتماعهما الأخير في موسكو يوم الاثنين الماضي".

وكانت القوات التركية والروسية قد سيّرت دوريات عسكرية في وقتٍ سابقٍ في مدينة تل رفعت، فيما ذكرت وزارة الدفاع التركية حينها، في تغريدة لها على حسابها الرسمي على "تويتر"، أن "الهدف الرئيسي من الدوريات هو ضمان وقف إطلاق النار في المنطقة وتوفير الاستقرار ومنع الهجمات على سكان المدينة".

وفي ما يبدو أنه جزء من هذه التفاهمات، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، إن حكومة بلاده وروسيا "تسعيان لاتخاذ إجراءات مشتركة ضد المقاتلين الأجانب في محافظة إدلب، شمالي سورية". وأضاف لقناة "إن تي في" التركية، أن "أنقرة وموسكو متفقتان على ضرورة اتخاذ إجراءات مشتركة ضد مقاتلين إرهابيين أجانب، ومجموعات متطرفة في المنطقة، إضافة إلى التزامهما بتنفيذ الاتفاق الموقع بين رئيسي البلدين حول محافظة إدلب". وأشار إلى أن "الرئيس التركي طلب من نظيره الروسي وقف انتهاكات قوات النظام السوري للاتفاق". مع العلم أن الجيش التركي استقدم تعزيزات أخيرة إلى مناطق جرابلس ومحيط مدينة منبج، ضمت آليات عسكرية مصفحة ومدافع وذخائر.

ميدانياً، أكدت مصادر محلية وقوع اشتباكات، بعد منتصف ليل الأربعاء ــ الخميس، بين فصائل "درع الفرات" المدعومة من تركيا من جهة والمسلحين الأكراد وقوات النظام من جهة أخرى، عند محور الشيخ عيسى، غرب بلدة مارع، ومحيط كلجبرين في ريف حلب الشمالي.