وشنّت الطائرات الحربية الروسية أمس السبت غارات عدة على ريف إدلب الشرقي، حيث قصفت بصواريخ شديدة الانفجار مناطق في بلدتي البليصة وتل الأغر، وفق ناشطين محليين أكدوا أنّ القصف أوقع أضراراً مادية في ممتلكات المدنيين والأراضي الزراعية. كذلك شنّ الطيران الروسي ثلاث غارات على قرية السكرية في الريف الشرقي لمدينة سراقب. وتأتي الغارات الروسية على ريف إدلب عقب توقفها لقرابة أسبوعين، وسط هدوء نسبي يتخلله قصف مدفعي وصاروخي متكرر من قبل قوات النظام على عمق محافظة إدلب، كان قد أدى خلال اليومين الماضيين إلى مقتل مدني وإصابة عشرة آخرين على الأقل.
وتزامنت الغارات الجوية الروسية أمس، مع قصف مدفعي من قبل قوات النظام على بلدات الشيخ مصطفى وحزارين والركايا والنقير في ريف إدلب الجنوبي، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية، وفق مصادر محلية.
من جانبه، قال "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، إنّ الضربات الجوية الروسية شرق إدلب أمس، استهدفت تمركزات لتنظيمي "حراس الدين" و"أنصار التوحيد"، شرق كل من قرية البليصة وتل الأغر على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب غربي معبر أبو الظهور في ريف إدلب الشرقي. ووثّق "المرصد" مقتل ما لا يقلّ عن 9 من "الجهاديين"، بينهم 6 من "حراس الدين"، فيما أُصيب ما لا يقلّ عن 8 آخرين بجروح متفاوتة، مشيراً إلى أنّ عدد القتلى مرشّح للارتفاع، لوجود بعض الجرحى بحالات خطرة.
وتأتي الغارات الروسية بعد يومين فقط من إعلان الرئيس فلاديمير بوتين، انتهاء ما وصفها بـ"الأعمال القتالية" الواسعة النطاق في سورية. وقال بوتين الخميس الماضي، خلال مشاركته في أعمال الجلسة العامة لمنتدى فالداي للحوار الدولي في مدينة سوتشي الروسية، تعليقاً على تطورات الأوضاع في سورية: "الأعمال القتالية الواسعة النطاق انتهت فعلاً، وفي كل الأحوال، لا يمكن تحقيق حل نهائي من خلال العمليات العسكرية أياً كانت نتائجها. ولهذا السبب، يجب الآن العمل على مسائل التسوية السياسية، الأمر الذي نقوم به بإصرار".
وكانت روسيا قد أعلنت أواخر أغسطس/آب الماضي وقف إطلاق النار في شمال غرب سورية، في خطوة باتجاه تنفيذ اتفاق سوتشي المبرم بين الأتراك والروس في سبتمبر/أيلول من عام 2018، الذي نصّ على استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين الدوليين "إم 4" (حلب - اللاذقية) و"إم 5" (حلب - حماة)، مع تعهّد الطرفين بتوفير الحماية اللازمة لهذين الطريقين. وفشل الطرفان في تنفيذ ما اتفقا عليه في سوتشي، خصوصاً لجهة استئناف النقل على الطرق الدولية، بسبب التباين الكبير في الرؤى بينهما حيال مجمل الأوضاع في الشمال الغربي من سورية.
ووفق مصادر محلية، لا توجد مؤشرات على نية الروس الذهاب إلى تصعيد جديد في تلك المنطقة، حيث من الواضح أنّ أنقرة وموسكو اتفقتا على تثبيت وقف إطلاق النار وفق مناطق السيطرة الحالية، بانتظار الجولة المقبلة من مباحثات أستانة في العاصمة الكازاخية خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
وفي السياق، ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام، أمس، أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث مع نظيره الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، التحضيرات للجولة المقبلة من محادثات أستانة حول الأزمة السورية.
وقال وزير الخارجية الكازاخي مختار تلاوبردي في تصريح من العاصمة نور سلطان، وفق "سانا"، إنّ توكاييف وبوتين "أكدا خلال لقائهما على هامش منتدى فالداي للحوار الدولي في سوتشي، أهمية تواصل عملية أستانة، إذ من المقرر إجراء جولة جديدة من هذه المحادثات في أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ولكن لم يتحدد موعد نهائي بعد".
وكان القيادي في "الجيش السوري الحر" مصطفى سيجري، أكّد قبل أيام أنّ الطرفين التركي والروسي "اتفقا على إنشاء منطقة عازلة جديدة بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية، خالية من السلاح الثقيل" في شمال غرب سورية، وكذلك على "تحديد مسار الدوريات التركية الروسية المشتركة، وإبعاد الشخصيات المصنّفة على لوائح الإرهاب الدولية"، على أن تدخل الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري إلى المنطقة، لتقديم الخدمات مع استئناف الدعم الإنساني الدولي.
ويبدو أنّ التوصّل إلى اتفاق مهّد الطريق لتشكيل اللجنة الدستورية، دفع الجانب الروسي إلى تبريد الجبهات في محافظة إدلب ومحيطها، خصوصاً أنّ المعارضة تهدّد بعدم الانخراط في عمل اللجنة في حال استمرار قصف المدنيين من قبل الروس والنظام في شمال غرب سورية.
في السياق، رأى القيادي في "الجيش السوري الحر"، العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الجانب الروسي يحاول التنصل من اتفاق خفض التصعيد الذي أُقرّ في أستانة، ومن اتفاق سوتشي المبرم مع الأتراك، من خلال القيام بـ"العمل العسكري المحدود بغية قضم المناطق بالتسلسل، متذرعاً بأنّ عملياته الشاملة متوقفة، وبأنّها محدودة وتهدف إلى القضاء على الإرهابيين ليس إلا". وأشار حسون إلى أنّ "تركيا تحاول تكبيل روسيا بالاتفاقيات المبرمة معها، وهي مصرّة على فرض وقف لإطلاق النار في منطقة إدلب".
واعتبر القيادي في "الجيش الحر"، أنّ "المجتمع الدولي ما زال يشاهد بلا حراك فاعل"، لافتاً إلى أنّ "هناك دولاً عديدة قطعت الدعم الإنساني عن تلك المنطقة، وتود أن ترى تركيا غير قادرة على تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع روسيا، لمخالفتها سياساتها، ضاربةً عُرض الحائط بما يمكن أن تحصده معركة شاملة تقوم بها روسيا في منطقة إدلب". وتابع بالقول: "لا فرار من التجهيز لهذه المعركة من قبل فصائل المعارضة، واستخدام كل الإمكانات المتاحة للوقوف بوجه القوات المعتدية، بما فيها العمليات في العمق وخلف الخطوط"، مشيراً إلى أنّ "قوى الثورة والمعارضة العسكرية لديها قناعة بأنه بعد معركة شاملة في إدلب لا معركة، وبالتالي ستكون معركة تستخدم فيها كل الإمكانات المتاحة التي يجيزها القانون الدولي، وسيكون الردّ الروسي كما العادة تجاه المدنيين والبنى التحتية والمنشآت الحيوية الباقية بغية الضغط المتعدد الجوانب".
ومنذ إعلان الجانب الروسي وقف إطلاق النار، لم تحاول قوات النظام التقدّم برياً، ولكنها واصلت استهداف مدن ريف إدلب الجنوبي وبلداته، خصوصاً مدينة معرة النعمان التي تتعرض بين وقت وآخر لقصف مدفعي وصاروخي. وقد شهد ريف إدلب الجنوبي في الآونة الأخيرة عودة عدد كبير من النازحين إلى منازلهم التي هجروها إبان الحملة العسكرية التي بدأت أواخر أبريل/نيسان الماضي، وانتهت أواخر شهر أغسطس/آب، وخسرت فيها المعارضة 24 موقعاً ما بين مدينة وبلدة وقرية.
ولم يحقق الجانب الروسي من حملته التي قتلت أكثر من ألف مدني وشردت أكثر من مليون، ما خطط له من سيطرة بالقوة على الطرق الدولية في الشمال الغربي من سورية، ولم يستطع أيضاً إخضاع تلة الكبانة الاستراتيجية في ريف اللاذقية الشمالي، على الرغم من عشرات محاولات الاقتحام من قبل قوات النظام ومليشيات تساندها.