تتغير خارطة سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" في العراق، بوتيرة سريعة. لكن بناءً على التطورات الأخيرة، يوضح مسؤول عراقي رفيع في وزارة الدفاع، فضل عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "داعش لا يزال يسيطر على 87 في المائة من محافظة الأنبار التي تعادل مساحتها ثلث مساحة العراق، فيما يسيطر بصلاح الدين على مناطق ومدن بيجي والصينية والهاشمية وأجزاء من تكريت وأجزاء من العلم وسليمان بيك والثرثار والبحيرة والسدّ والصينية، فضلاً عن مصفى بيجي، بينما يستولى على نحو 70 في المائة من محافظة نينوى، وتشمل الموصل والبعاج والشرقاط والعبيد وربيعة وسنجار وتلعفر و60 قرية وبلدة صغيرة ومتوسطة".
وتابع المسؤول نفسه أنه "في كركوك، يستولي داعش على الحويجة والرياض والخناجر ووادي حمرين وجبال حمرين والبشير وأجزاء من مناطق الزاب الكبير".
وفي ديالى، على مدن وضواحي عدة متفرقة إلى الشمال والشرق من بعقوبة عاصمة ديالى، وتمثل ما نسبته 30 في المائة من مساحة المحافظة، في حين يسيطر على أجزاء من حزام بغداد الجنوبي والشمالي والغربي بقواطع أبو غريب والطارمية والتاجي والمحمودية واليوسفية، بحسب المصدر نفسه.
في المقابل، يضعف تواجد التنظيم في شمال بابل بعد خسارته جرف الصخر شمال الحلة، ولا يفرض سيطرته حالياً، إلا على ثلاث مناطق ليست بكبيرة في المحافظة.
وبحسب المسؤول العراقي نفسه، فإن تلك المناطق التي يسيطر عليها "داعش" وتفرض نظاماً إسلامياً متشدّداً على أهلها، تبلغ مساحتها الإجمالية من مساحة الدولة العراقية نحو 41 في المائة فقط، وهذه النسبة هي نفسها تقريباً قبل بداية غارات التحالف، إذ نجحت القوات العراقية والمليشيات بتحرير مدن، غير أنها خسرت مدناً أخرى بالمقابل، لذلك ظلت النسبة بدون تغيير، لكن السواد هو من انتقل من منطقة إلى أخرى.
استراتيجيا التنظيم
ولجأ تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) الى استخدام استراتيجية الضربات الخاطفة، ثم الانسحاب السريع، على جبهات عدّة، مكبّداً القوات العراقيّة خسائر كبيرة، محققاً بذلك عملية استنزاف كبيرة للقوات العراقية والمليشيات المساندة لها، تمكّن من خلالها من استعادة أجزاء جديدة من مدينة تكريت خلال الساعات الثمانية والأربعين الماضية.
وأدى هذا التكتيك "الداعشي" إلى تشتيت القوات العراقية على مساحات ومحاور مختلفة، لكنّه بالمقابل جعلها تستفيد من ذلك إعلامياً عبر الترويج لانتصارات تحققها بدخول المناطق، التي ينسحب منها التنظيم.
ويقول الخبير العسكري، عبد العظيم الشمري، وهو لواء ركن متقاعد من الجيش السابق، إنّ "استراتيجيّة التنظيم تكشف عن مدى اطلاعه على ودرايته بالجغرافية العراقيّة، وقدرته الكبيرة على التحرك والتنقل السريع في عدّة جبهات مترامية الأطراف".
وأضاف أنّ "التنظيم استطاع من خلال لجوئه إلى ضرب القوات العراقيّة في جبهات متعدّدة، تحقيق أهداف سريعة ونتائج غير متوقعة، مقابل سحب القوات العراقية إلى تلك الجبهات، ليجد أنّ التنظيم قد انسحب منها، فيما ضرب هو (داعش) جبهة أخرى في منطقة أخرى، ويسحب القوات العراقية من جديد وهكذا".
وأوضح، أنّ "هذه التنقلات السريعة والخاطفة، تكشف عن تخطيط استراتيجي للتنظيم، وقدرة على النقلات السريعة وخبرة في قتال الشوارع، وتبين أنّه يمسك بزمام الأمور في المعارك، فيما تفشل القوات الأمنيّة بمسك الأرض".
اقرأ أيضاً "داعش" يرتّب أولوياته العسكرية: العراق ساحتنا الرئيسية لا سورية
من جهته، رأى الرائد في الشرطة المحلية، عبد السلام فاروق، أنّ "داعش استطاع أخيراً أن ينهك قوى القوات الأمنية العراقية، واضطرهم إلى التنقل في الصحراء، في بعض الأحيان، بسبب نقلاته وتحركاته السريعة، الأمر الذي انعكس سلباً على الواقع الميداني".
وأضاف فاروق، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "حركته الأخيرة على منطقة الثرثار، جاءت بعد تشتت القوات العراقيّة في الرمادي ومناطقها، والبغدادي ومنفذ طريبيل، والكرمة وغيرها من الجبهات، الأمر الذي أخّر من وصول الإمدادات العسكريّة للثرثار".
وأشار الى "أننا، كقوات أمنية في غالبية المناطق التي يسيطر عليها (داعش)، لا نجد عناصره في المنطقة عندما نتحرك لقتاله؛ يسبقنا بالانسحاب، أو يترك بعض عناصره لمشاغلتنا وينسحب، وفي بعض الأحيان يفخخ الشوارع والمباني وبعضها لا يفخخها".
من جهته، يقول الخبير الإعلامي، فالح الغانم، إنّ "داعش استطاع، من خلال هذه التنقلات، تحقيق نجاحات إعلامية كبيرة، بسبب الضربات السريعة والقوية، التي يكسب بها إعلاميا، كمعركة الثرثار، وطريبيل، والرمادي، والبغدادي، وغيرها من المعارك السريعة".
وأضاف الغانم، في حديثه مع"العربي الجديد"، "المعركة بين القوات الأمنية وداعش تعتمد بالأساس على الإعلام، وقد تمكن التنظيم من كسب المعركة إعلامياً"، مشيراً إلى أنّ "القوات الأمنية كسبت جزءاً من المعركة من خلال انسحابات داعش من بعض المناطق بعد ضربها بشكل سريع، إذ إنّها تتحدث عند دخول تلك المناطق عن انتصارات وعن معارك انتهت بانسحاب داعش، لكنّنا نجد التنظيم ضرب ضربات أخرى في عدّة جبهات".
بدوره، رأى القيادي في إحدى العشائر المتصدية لتنظيم "داعش" في محافظة الأنبار، عمار العيساوي، أنّ "هذه التنقلات السريعة لداعش كشفت عن عجز حكومي كبير من خلال عدم التخطيط لمسك الأرض، التي تحرر أو ينسحب منها داعش".
وقال العيساوي، في حديثه مع"العربي الجديد"، إنّ "تلك المناطق لو مسكت من قبل أهلها بعد تسليحهم، بالسلاح الموازي لسلاح داعش، لتمكنّا من تضييق الخناق على التنظيم في منطقة إثر أخرى". وأكّد أنّنا "نفتقد جانب التخطيط في المعارك، وقواتنا حتى الآن تقاتل بشكل فوضوي".
خارطة سيطرة "داعش"