وقال المفوضية إن "حصيلة ضحايا التظاهرات ارتفعت إلى قتيلين و 966 مصابا في بغداد، 844 منهم من المتظاهرين، و82 من القوات الأمنية"، مضيفة "كما أصيب 5 متظاهرين في محافظة ميسان، و3 أشخاص في محافظة المثنى، اثنان منهم من عناصر الأمن". وأكدت أن "مجموع الإصابات بلغ 974 أغلبهم حالات اختناق، بسبب استخدام الغازات المسيلة للدموع"، مشيرة إلى "إحراق مقرات لأحزاب ومكاتب سياسية في جنوبي البلاد بالمثنى وذي قار وواسط والقادسية".
غير أن مصادر طبية عراقية أكدت لـ"العربي الجديد"، مقتل 6 متظاهرين حتى الان وإصابة أكثر من ألف آخرين منذ صباح الجمعة، غالبيتهم في بغداد والمثنى وذي قار، وبحسب المصادر ذاتها، فإن الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب خطورة حالات بعض الجرحى.
بغداد تترقب ليلة طويلة
في بغداد، يواصل المواطنون احتشادهم في ساحة التحرير والطيران بمنطقة الباب الشرقي وعلى بداية جسر الجمهورية، وسط توافد مستمر للمتظاهرين من جهة ساحة بيروت وشارع فلسطين شرقا ومن السعدون جنوبا والشيخ عمر شمالا، في الوقت الذي أغلقت فيه الجسور المؤدية إلى المنطقة الخضراء، بعد ترديد شعارات تكشف عن نية المتظاهرين اقتحام المنطقة الخضراء ثأرا لمقتل عدد من زملاءهم.
وقال عضو التيار المدني العراقي ناجي الغالبي لـ"العربي الجديد"، إن وحشية القمع المتجدد أزم الموقف مع المتظاهرين الذين توافد أقرباء وعشيرة القتلى للتظاهرات بأعداد كبيرة"، وأضاف "الحكومة مرة أخرى تثبت كذبها في طريقة تعاملها مع المتظاهرين".
في هذه الاثناء كشف مسؤول حكومي عراقي عن "اجتماع عاجل لخلية الأزمة برئاسة عادل عبد المهدي من المقرر أن يعلن فيه عن قرارات جديدة"، من بينها "ترحيبه بخطبة المرجعية الدينية التي دعت إلى الحفاظ على سلمية التظاهرات"، لافتا إلى أن "الواضح من الخطبة هو تأييد منح الحكومة مهلة لإثبات صدق وعودها وتنفيذها، وأن التغيير يجب أن يكون وفق سياقات واضحة بعيدة عن الفوضى، مع الإقرار بتقصيرها الحالي في مجالات مختلفة". ووصف حكومة عبدالمهدي بأنها "تواجه اليوم الجمعة تراكمات فشل 3 حكومات سابقة، بما فيها من فساد وسوء إدارة وكذلك كتل سياسية تسعى لإسقاطها".
بينما شهدت مناطق أم قصر والزبير وسفوان في البصرة تظاهرات مماثلة لما تشهده في الوقت نفسه المثنى وذي قار والقادسية وبابل وواسط وميسان وكربلاء، وسط إجراءات امنية مشددة.
وبحسب مشاركين في التظاهرات، فإن حالات القتل وأغلب الإصابات نتجت عن توجيه القوات الامنية القنابل المسيلة للدموع نحو الرأس ومنطقة الوجه، مؤكدين لـ"العربي الجديد" أن قوة ترتدي اللثام هي التي أفرطت في عملية قمع المتظاهرين.
وأعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان عن مقتل متظاهرين اثنين وإصابة 277 شخصاً، بينهم 224 مصابا في بغداد والآخرين بمدن الجنوب، بحسب بيان لها اتهم وزارة الصحة بعدم تسهيل مهمة فرق المفوضية وتزويدها بالإحصاءات التي ترد للمستشفيات.
وتعرض هشام وسي، الذي يعمل مراسلا في قناة فضائية محلية، إلى إصابة خطيرة في منطقة الوجه والرأس، نتيجة لإصابته بقنبلة مسيلة للدموع أثناء خروجه لتغطية الاحتجاجات في بغداد.
كما قامت السلطات العراقية بإصدار قرار يقضي بإغلاق محطة فضائية نشطت في نقل أحداث التظاهرات أولا بأول.
وقالت الهيئة في بيان صحافي: "يجب على مؤسسات الإعلام كافة مراعاة المسؤولية في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، في التعاطي مع أحداث التظاهرات، وألا تحرض على العنف ولا تروج له"، وفقا لوصفها، مشددة على أنه "بخلاف ذلك سنتخذ إجراءات قانونية وتنظيمية بحق جميع المؤسسات الإعلامية المخالفة والمحرضة على العنف والكراهية".
وأظهرت هذه المحطة، قبل إغلاقها، عمليات إطلاق نار مباشر على المتظاهرين من قبل مسلحين يتمركزون فوق البنايات العالية، ما دفع عناصر الشرطة الاتحادية إلى تشكيل طوق لحماية المتظاهرين من الإطلاقات النارية التي كانت تأتي من داخل المنطقة الخضراء.
واقامت أسر قتلى التظاهرات السابقة، التي انطلقت في الأول من الشهر الحالي، تجمعا في ساحة الخلاني وسط بغداد، طالبت فيه الحكومة بالكشف عن القناصين الذين قتلوا أبناءهم.
وشهدت التظاهرات لأول مرة ترديد شعارات ذات بعد سياسي مناهض لإيران ولزعيم فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، على وجه التحديد، فضلا عن شعارات تدعو لإسقاط الحكومة العراقية وتهاجم الأحزاب الحاكمة.
الجنوب... تظاهرات أكثر غضبا
وحتى الساعة الخامسة من مساء الجمعة، شهدت محافظة ذي قار حرق 4 مقرات حزبية تتبع لحزب الدعوة والفضيلة وعطاء، عدا عن مقر لمليشيا العصائب، إضافة الى حرق مبنى الحكومة المحلية الرئيس، وفي المثنى أعلن ناشطون خلو المحافظة لأول مرة منذ عام 2003 من الأحزاب بعد حرقهم مقرات لأحزاب الدعوة والفضيلة وحركة البشائر وائتلاف النصر، ومليشيا العصائب وتيار الحكمة، ومنظمة بدر، ومقر مليشيا سرايا الخرساني، إضافة إلى مقر مفوضية الانتخابات. وفي محافظة واسط جرى إحراق ثلاثة مقرات لائتلاف دولة القانون ومليشيا العصائب وتيار الحكمة، كما شهدت البصرة والنجف وواسط وميسان وبابل تظاهرات مماثلة ومتفاوتة من حيث عدد المشاركين فيها.
وبحسب مسؤول في قيادة عمليات الفرات الأوسط جنوبي العراق، التي تتبع وزارة الدفاع العراقية، فإن "13 مقرا حزبيا أحرقت من قبل المتظاهرين، إضافة الى ثلاث مبانٍ حكومية وآخر يتبع مفوضية الانتخابات المستقلة"، مؤكدا مقتل متظاهر بنيران لفصيل مسلح خلال محاولة اقتحامه في المثنى بمدينة السماوة.
وأضاف لـ"العربي الجديد"، بأن العشائر وقسم من طلاب الحوزات الدينية شاركوا في التظاهرات".
المرجعية الدينية تدعو للسلمية
في هذه الأثناء، دعت المرجعية الدينية في النجف القوات الأمنية والمتظاهرين إلى الالتزام بسلمية التظاهرات وعدم الانجرار للعنف.
وقال المتحدث باسم المرجعية في كربلاء، عبد المهدي الكربلائي، إن التظاهرات تجددت في هذه الأوقات الحساسة من تاريخ البلاد، رافضا خلال خطبة الجمعة أي صدام من قبل قوات الأمن مع المتظاهرين.
وأضاف: "نذكر القوات الأمنية بأن التظاهر السلمي حق للمواطنين وعليهم توفير الحماية الكاملة في الساحات والشوارع المخصصة لهم"، مطالبا المحتجين بعدم التعرض للقوات الأمنية والمنشئات الحكومية والممتلكات العامة والخاصة.
وشدد على ضرورة الحفاظ على سلمية التظاهرات، وعدم الانزلاق إلى الفوضى، مؤكدا أن العنف والعنف المقابل في التظاهرات يؤدي إلى الخراب.
ودعا السلطات العراقية إلى إجراء إصلاحات في ملف مكافحة الفساد، والعدالة الاجتماعية، وتعديل القوانين التي تمنح امتيازات للمسؤولين، مطالبا بحصر السلاح بيد الدولة والوقوف بحزم بوجه التدخلات الخارجية، وسن قانون منصف للانتخابات.
واعتبر أن تقرير نتائج التحقيق بإراقة دماء المتظاهرين لم يكشف جميع الحقائق للرأي العام، داعيا إلى تشكيل هيئة قضائية مستقلة تتولى مهمة إطلاع الجمهور على نتائج التحقيق.