ومن أبرز أسباب رفض مسودة الدستور، طريقة التصويت عليها، إذ تم التصويت بعد إجراء تعديل دستوري لتغيير عدد نصاب التصويت، وهو ما لا يحق للهيئة، بحسب الأعضاء المعترضين. وقال عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، البدري الشريف، في تصريحات صحافية، إنه لا يحق للهيئة قانوناً تعديل الإعلان الدستوري لأنه اختصاص أصيل للجهات التشريعية وهيئة صياغة الدستور ليست من ضمنها. ويتهم الشريف تياراً مسيطراً على لجنة العمل بالهيئة بــ"الجهوية في توزيع الحصص على ثلاث مناطق، وكأن ليبيا ليست واحدة". وطالب الأعضاء المقاطعين، في بيان لهم، السياسيين والشعب الليبي بضرورة رفض المسودة وعدم التصويت عليها.
في المقابل، دافعت عضو لجنة العمل بالهيئة، نادية عمران، عن شرعية المسودة قائلة في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "تمّ تعديل التصويت من قبل الهيئة من الثلثين+1 من مجموع أعضاء الهيئة إلى الثلثين+1 من مجموع الأعضاء الحاضرين بعد فشل كل محاولات رأب الصدع وإعادة المقاطعين. كما أن الهيئة تجاوزت كل الفترات الزمنية المسموح بها، إضافة للوضع الذي تمر به البلاد الذي لا يحتمل التأجيل أكثر من ذلك".
أمّا المكوّنات الثقافية الممثلة في قبائل التبو والطوارق جنوب ليبيا والأمازيغ غربها، فهي لا تزال تطالب بضرورة تخصيص مواد تحفظ حقوقها الثقافية، ومن بينها لغاتها التي تعرضت للطمس والتهميش على مدى عقود من حكم نظام العقيد معمر القذافي.
وبخلاف ممثلي التبو والطوارق الذين اتهموا رئاسة هيئة صياغة الدستور بالعمل على هضم حقوقهم من خلال التعديل في النصاب القانوني للتصويت على المسودة باعتبارهم أقلية داخل هيئة صياغة الدستور، لا تزال قبائل الأمازيغ ترفض بشكل كامل أي مخرج للهيئة، إذ إنها قاطعت انتخابات الهيئة خلال عام 2014 على خلفية رفض المكوّنات السياسية المتتالية في ليبيا ومن بينها، المؤتمر الوطني العام والبرلمان دسترة لغتها بشكل رسمي كلغة ثانية في البلاد بعد العربية. وأعلن "المجلس الأعلى للأمازيغ"، أخيراً، أنه "لن يعترف بأي دستور لا يعتمد لغتهم بشكل رسمي كاللغة العربية من ضمن لغات البلاد الرسمية".
شرقاً، لا يزال المطالبون بالنظام الفيدرالي يصرّون على مسعاهم. فبُعيد إعلان هيئة الدستور تسليم النسخة النهائية للبرلمان، أعلن "التكتل الوطني الفيدرالي" رفضه لمخرجات الهيئة، مجدِّداً مطالبه بالعودة لدستور ليبيا عام 1951، والتعديل عليه بما يواكب أوضاع ليبيا حالياً مع الحفاظ على تقسيم ليبيا إلى فيدراليات. ويطالب ممثلو التيار الفيدرالي بالهيئة، وهم من بين الأعضاء المقاطعين، بضرورة إدراج مدينة بنغازي، عاصمة ثانية إلى جانب طرابلس. ودافع التكتل عن مطالبه بحجة "حفظ حقوق شرق ليبيا اقتصادياً بحصولها على حصتها من النفط الذي ينبع أكثر من 80 في المائة منه من أراضيهم"، معللاً أن "هناك مطالب في شرق ليبيا بالانفصال قد تتصاعد إذا لم يُعترف بفيدرالية الشرق، وأن له كيانه الذاتي".
لكن عمران تقلل من شأن تأثير الأعضاء المقاطعين، معتبرة أنهم لا يشكلون عدداً مؤثراً، بالإضافة إلى أن عددهم غير منضبط، "فهناك أعضاء علقوا مقاطعتهم وعادوا إلى العمل". وتقول عمران: "لقد سعت الهيئة، مرات عدة،
للقاء المقاطعين والاستماع لطلباتهم، وكان آخرها تحويل جلسات الهيئة إلى مدينة صلالة في سلطنة عُمان"، من دون تسجيل أي نجاح.
واعتمدت هيئة الدستور المسودة النهائية في مقرها بمدينة البيضاء شرق البلاد، في 21 إبريل/ نيسان الماضي، قبل أن تسلم لجنة العمل نسخة منها لرئيس البرلمان في طبرق في 24 من الشهر ذاته. وبحسب إعلان الهيئة، فإنها تنتظر إجراءات موافقة برلمان طبرق باعتباره الجهة التشريعية في البلاد لطرح المسودة للتصويت عليها من قبل الشعب قبل اعتمادها بشكل نهائي كدستور دائم للبلاد لإنهاء المرحلة الانتقالية.