يتوجه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، اليوم الثلاثاء، إلى البرلمان التونسي للدفاع عن مشروع موازنة العام المقبل، الذي تقترحه حكومته لحل الأزمات الخانقة في البلاد. وسيكون هذا اللقاء مع النواب طويلاً وشاقاً على الشاهد ووزرائه، إذ يُفترض أن يتواصل لغاية 10 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وسيكون محفوفاً بالمخاطر، بالنظر إلى المقدمات التي رافقت هذه الموازنة الصعبة والمعارضات الصريحة لها من أكثر من جهة، بالإضافة إلى الأجواء السياسية التي تعاود التأكيد على أن الرجل يسير فوق رمال متحركة يمكن أن تبتلعه وحكومته في أي لحظة.
في الظاهر، يُفترض أن يتوجه الشاهد إلى البرلمان في حالة اطمئنان كبير، فهو محاط بسياج سياسي واسع للغاية، يشمل كل داعميه، الذين يصل عددهم إلى أكثر من 170 نائباً، إذا ما احتسبنا نواب أحزاب النداء والنهضة والوطني الحر وآفاق ومشروع تونس والكتلة الوطنية والمستقلين. غير أن هذه المجموعة التي تدعي كلها دعم ومساندة الحكومة، انقسمت بدورها إلى مجموعتين أو جبهتين، الجبهة التقدمية الوسطية الجديدة التي تضم مشروع تونس وآفاق والكتلة الوطنية ونواباً من نداء تونس ومستقلين، والجبهة الجديدة التي تضم، من ناحية أخرى، نداء تونس وحركة النهضة والوطني الحر.
ولا يتعلق الأمر بعملية حسابية تجمع فيها كل هذه الأحزاب، لأن هناك حسابات أخرى مهمة تتدخل في هذه الموازنة الاستثنائية التي تشهد معارضات استثنائية. فالجبهة الثلاثية الثانية قالت بصريح العبارة إن قانون المالية لسنة 2018 يستوجب "ضرورة تعديل بعض فصوله في اتجاه تحقيق التوازن المطلوب بين إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة، ووجوب حماية المقدرة الشرائية للمواطنين وتحسين أوضاع الطبقات الاجتماعية الضعيفة والمتوسطة، فضلاً عن ضرورة توفير المناخ الجيد للاستثمار، بمساعدة المؤسسات الاقتصادية على تجاوز مصاعبها وتثمين دورها التنموي وتشجيع الاستثمار الخاص الداخلي والأجنبي". وهو ما يعني أن هناك خلافاً جوهرياً حول خيارات هذه الموازنة أصلاً وبنيتها السياسية، ويحيل بشكل صريح إلى احترازات الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.
وللتذكير، فقد وصلت معارضة الاتحاد لمشروع الحكومة إلى حد تهديد رئيسته، وداد بوشماوي، بالإضراب العام في القطاع الخاص، إذا حافظت الحكومة على الصيغة الحالية لمشروع قانون المالية لسنة 2018. وقالت بوشماوي، في تصريحات صحافية، إن المكتب التنفيذي سيجتمع خلال الأيام المقبلة لاتخاذ الخطوات التصعيدية ضد المشروع، مؤكدة أن المؤسسة في القطاع الخاص بإمكانها الإضراب عن العمل وبإمكانها غلق أبوابها، مشددة على أن كل شيء ممكن. ورفعت من حدة معارضتها عبر التهديد بمغادرة وثيقة قرطاج، إذا بقي مشروع قانون المالية على صيغته الحالية، منتقدة الطريقة التي تتوخاها الحكومة في سعيها لتعبئة الموارد المالية التي يمكن أن تؤدي إلى ضرب مؤسسات القطاع الخاص.
ولا يتعلق رفض الموازنة بأصحاب الأموال وحدهم، فهناك قطاعات مهنية عديدة ترفضها أيضاً، بينها نقابات قد تشق عصا الطاعة عن المركزية النقابية، التي لمّحت إلى موافقتها على توجهات الموازنة، برغم تحفظها على أخرى. ويؤكد نقيب المدرسين، لسعد اليعقوبي، لـ"العربي الجديد"، أن هذه الموازنة تتضمن "عدداً من الإجراءات المجحفة التي تهدف إلى إثقال كاهل المدرسين، والتي ستتخذها الحكومة في مجال الجباية، ما يعني تقلص رواتب المربين في 2018"، مشيراً إلى أن ما تم تحصيله من مكاسب مادية طيلة الأعوام الماضية من تحسين في الأجور والأوضاع المادية، سيتم استرجاعه من قبل الحكومة الحالية بمثل هذه الإجراءات. وأشار اليعقوبي إلى أن الإشكال القائم حالياً يتعلق بالترفيع في سن التقاعد، وهو قرار يرفضه المربون أيضاً.
وبقطع النظر عن قائمة الرافضين الطويلة لهذه الموازنة، تخشى الأحزاب السياسية التونسية من أن تؤدي إجراءاتها الصعبة، اللاشعبية بالضرورة، إلى مزيد من الاحتقان الاجتماعي ومن غضب التونسيين، بسبب عدم إحراز انفراج في حياتهم اليومية، مع الصعود الصاروخي لأسعار مواد أساسية، يمكن أن يتواصل مع زيادة الضرائب العامة، وهي طبعاً تخشى من أن تدفع ثمن ذلك قريباً في الانتخابات البلدية، ومن بعدها في التشريعية والرئاسية. وتقف النهضة والنداء بالذات في موقف صعب للغاية، فهما من ناحية الأب الشرعي لهذه الحكومة ويتحملان من ناحية أخرى كل تبعاتها، فيما يتركز الانتقاد ويتسع شيئاً فشيئاً حول هذا التحالف، وحول تبعاته الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يلعب عليه بعناية كبيرة كل منتقديهما.
وفي الجانب الآخر، يدرك رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، أنه يلعب أصعب أوراقه، وربما آخرها، فقد اختار أن يذهب في الطريق الصعب، ويتوجه إلى ما يسميه بالقرارات الشجاعة التي تأخرت كثيراً، والتي لم يعد بالإمكان تجاهلها. وتدعمه في ذلك أكثر من جهة، أهمها الصناديق الدولية التي تطالب بهذه الإصلاحات. وهو يراهن على إعادة التوازن للمالية العمومية وإدخال ديناميكية على محركات التنمية، لكن منتقديه يرون أنه يسير في الاتجاه الخطأ وربما سيعطل هذه المحركات عكس ما ينويه.