بعد مرور ست سنوات على اندلاع الثورة السورية ومن ثم انطلاق المواجهة المسلحة المفتوحة بين قوات النظام السوري وحلفائه من جهة، وقوات المعارضة السورية من جهة ثانية، مالت الكفة في هذه المواجهة العسكرية لصالح النظام السوري، ليس فقط بفضل الغطاء الجوي الكثيف الذي قدمه سلاح الجو الروسي لقوات النظام، بل أيضاً بسبب السيل البشري الكبير من مقاتلي المليشيات الذين زجت بهم إيران داخل الصراع تحت يافطة "حماية المراقد المقدسة".
وأقحمت إيران قواتها الرسمية المتمثلة بالجيش الإيراني وتشكيلات عسكرية تابعة لما يعرف بـ"الحرس الثوري" على جبهات القتال في جميع المناطق المشتعلة في سورية، وبرر المسؤولون الإيرانيون في تصريحات متعاقبة منذ عام 2012 هذا التدخل العسكري المباشر بسورية بأن من يقاتل من الإيرانيين في سورية "هم مستشارون عسكريون انخرطوا بالصراع السوري لتقديم الاستشارات لقوات النظام السوري"، لكن واقع سقوط مئات القتلى منهم على الأرض السورية، بالإضافة إلى تمكن قوات المعارضة من أسر آخرين، أثبت أن الإيرانيين يقاتلون على خطوط القتال الأولى، ما ينفي عنهم صفة المستشارين الذين يقومون بأعمالهم عادة في مراكز التدريب والقيادة.
ولم يقتصر التدخل الإيراني عند هذا الحد، إذ دفعت الحكومة الإيرانية، وبإشراف ضباط الحرس الثوري، على رأسهم قائد "لواء القدس" في "الحرس الثوري"، قاسم سليماني، بعشرات المليشيات، المكونة من مقاتلين عراقيين وأفغان ولبنانيين وباكستانيين ويمنيين، إلى جبهات القتال في سورية، لتجند الحكومة الإيرانية هؤلاء وتزج بهم في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري، مستخدمة دعاية مفادها أن "خطراً كبيراً يتهدد المراقد والمزارات الدينية".
وبالفعل كانت الدعاية الإيرانية، حول وجود "خطر يتهدد المراقد والمزارات" فعالة في تجييش آلاف الشبان من بلاد شتى، لينخرطوا في صفوف مليشيات تقاتل بسورية دفاعاً عن النظام السوري.
ومع تدفق الآلاف من مقاتلي المليشيات إلى سورية تحول حي السيدة زينب، جنوب شرق العاصمة السورية دمشق، والذي يضم مقام السيدة زينت، إلى المعقل الرئيس الذي تتجمع به المليشيات ليحصل عناصرها على التدريب قبل أن ينطلقوا للقتال في عموم الأراضي السورية.
لقد حمل اختيار حي "السيد زينب" كنقطة تجمع للمليشيات أهمية رمزية عالية، حيث كان وصول مقاتلي المليشيات إلى المنطقة المحيطة بمقام السيدة زينب ليتلقوا التدريب العسكري والضخ المعنوي كافياً لإقناعهم بالدعاية التي رعتها إيران حول ضرورة "حماية المراقد والمزارات في سورية".
ولم تكن السياسة الإيرانية المتمثلة باستثمار "المزارات والمراقد" سياسياً طارئة، حيث عمدت السفارة الإيرانية بدمشق في السنوات التي سبقت الثورة السورية وبالتزامن مع وصول الأسد الابن إلى السلطة، إلى مد أياديها إلى داخل المدن السورية المختلفة من باب دعم بناء المزارات والمقامات والمشاهد المقدسة.
فمع أن مقامي السيدة زينب (جنوب شرق دمشق) والسيدة رقية (في دمشق القديمة قرب المسجد الأموي) هي مقامات قديمة ومعروفة منذ مئات السنين، إلا أن عشرات المزارات والمقامات الأخرى استحدثت أخيراً أو تم تحويلها من مساجد أو مزارات صغيرة مهملة إلى "مراكز دعوية ضخمة" تنتشر في كل المدن السورية.
وكان بناء المقامات الضخمة بتمويل إيراني، بعد وصول الأسد الابن إلى السلطة، وأبرزها مقام الصحابي عمار بن ياسر في مدينة الرقة، ومقام السيدة سكينة في داريا بريف دمشق، إشارة واضحة صدرت باكراً لتكشف عن نية إيران تحويل هذه المقامات إلى مسامير لها في المدن السورية، لتنسج عليها لاحقاً خطة للتمدد المباشر داخل المدن السورية.
وتذكر مواقع إلكترونية إيرانية، أن عدد "مشاهد آل البيت" في سورية يناهز الخمسين، مشيرة إلى أن 12 مشهداً ومزاراً منها لعلي بن أبي طالب فيما يعود 7 منها للحسين بن علي، و4 منها للإمام زين العابدين بن الحسين، بالإضافة إلى مقامات أخرى لأغلب أبناء الحسين بن علي وأحفاده.
ومن ناحية التوزع الجغرافي، يتركز نحو نصف "المشاهد المقدسة" التي رعتها إيران في العاصمة السورية دمشق، حيث يوجد 20 مشهداً، ثم تأتي حلب بالمركز الثاني بواقع 7 مشاهد مقدسة، بالإضافة إلى وجود 4 مشاهد في اللاذقية و4 أخرى في حماة و3 في حمص، عدا مزارات أخرى في مختلف المدن السورية.
واستفادت الحكومة الإيرانية مع صعود التنظيمات المتطرفة في الأراضي السورية، من مهاجمة هذه التنظيمات للأضرحة والمقامات والمزارات، لتدعم بذلك روايتها حول "ضرورة حماية المراقد والمزارات". إذ اتهمت وسائل إعلام إيرانية في شهر مايو/أيار عام 2013 تنظيم "جبهة النصرة" سابقاً، بنبش قبر الصحابي حجر بن عدي قرب بلدة عدرا بريف دمشق. وصدرت حينها مواقف رسمية عن مؤسسات دينية إيرانية شجبت الحادثة التي ركز عليها الإعلام الإيراني ليصبح كل ذلك في صالح السعي الإيراني لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشبان في عناصر المليشيات التي تقاتل في سورية دفاعاً عن المصالح الإيرانية التي تمثلت بالحفاظ على النظام السوري.