في 11 يناير/كانون الثاني 1992 فتح انقلاب الجيش على المسار الديمقراطي في الجزائر باب الجحيم على الجزائريين. كانت الجزائر تعيش سنتها الثالثة في مسار ديمقراطي فتي ومفعم بالتدافع السياسي، وكان هذا التدافع في حد ذاته فورة نتيجة الحَجْر على الرأي، ونظام الحزب الواحد والفكرة الواحدة التي حكمت البلاد منذ عام 1962، وجزء من التدرب على الديمقراطية واكتشاف الآخر بين اليسار والديمقراطيين والإسلاميين وملامسة الحدود الممكنة بين مشاريع المجتمع.
يزعم قادة النكبة في الجيش حينها، فيما البلاد كانت مقبلة على الدور الثاني للانتخابات البرلمانية المقررة في 16 يناير/كانون الثاني 1992، أن الديمقراطية كانت مهددة بالانزلاق بفعل تهور الإسلاميين واندفاعهم نحو تهديد النظام الجمهوري وتخريب مؤسسات الدولة. انطلى كلام العسكر حينها على قطاع من ديمقراطيي الثكنات وأحزاب المخابر، لكن النتيجة الدامية التي آلت إليها الأوضاع لاحقاً، وكلفة الانقلاب كانت أكبر من أي تصور، 120 ألف قتيل، و7400 مفقود، و50 مليار دولار من الخسائر، و40 ألفاً من المصانع والمؤسسات الإنتاجية الخربة، وما يقارب مليون عامل خسروا وظائفهم، فضلاً عن آلاف المعتقلين والهاربين من الجحيم في القرى إلى تخوم المدن.
صحيح أن قانون المصالحة الوطنية الصادر عام 2005 لا يتيح إعادة فتح ملفات الأمة تجاوزاً لجراح الماضي، لكن المآلات المؤلمة التي انتهت إليها أزمة التسعينيات في الجزائر تدفع بالضرورة وبكثير من الهدوء، طال الزمن أم قصر، إلى الخروج من لحظة الدهشة وإعادة استفزاز اللحظة التاريخية تلك، ومساءلة العقل السياسي والعسكري عن حدود التماس بين الحقيقة والتضليل، وبين الخديعة والتوظيف السياسي، وبين السطو على السلطة والسطو على المستقبل، بين شهوة الحكم ونزوة العسكريتارية المتحكمة في جذاذات (الأحذية الثقيلة) العسكر.
في الجزائر كما في مصر وكما في كل التجارب التي شهدت تعطيل العسكر لعجلة التاريخ، لا ينبت القمح من أصابع تدربت على الزناد، ولا يثمر التفاح من يد تخلط كل الوقت في الذخيرة، الدبابة لا تحرث حقلاً، والرشاش لا يسقي نخلاً. مر قمح العسكر، ومر خبز العسكر، ومر حكم العسكر... هكذا خبرتنا الأيام في الجزائر.
يزعم قادة النكبة في الجيش حينها، فيما البلاد كانت مقبلة على الدور الثاني للانتخابات البرلمانية المقررة في 16 يناير/كانون الثاني 1992، أن الديمقراطية كانت مهددة بالانزلاق بفعل تهور الإسلاميين واندفاعهم نحو تهديد النظام الجمهوري وتخريب مؤسسات الدولة. انطلى كلام العسكر حينها على قطاع من ديمقراطيي الثكنات وأحزاب المخابر، لكن النتيجة الدامية التي آلت إليها الأوضاع لاحقاً، وكلفة الانقلاب كانت أكبر من أي تصور، 120 ألف قتيل، و7400 مفقود، و50 مليار دولار من الخسائر، و40 ألفاً من المصانع والمؤسسات الإنتاجية الخربة، وما يقارب مليون عامل خسروا وظائفهم، فضلاً عن آلاف المعتقلين والهاربين من الجحيم في القرى إلى تخوم المدن.
صحيح أن قانون المصالحة الوطنية الصادر عام 2005 لا يتيح إعادة فتح ملفات الأمة تجاوزاً لجراح الماضي، لكن المآلات المؤلمة التي انتهت إليها أزمة التسعينيات في الجزائر تدفع بالضرورة وبكثير من الهدوء، طال الزمن أم قصر، إلى الخروج من لحظة الدهشة وإعادة استفزاز اللحظة التاريخية تلك، ومساءلة العقل السياسي والعسكري عن حدود التماس بين الحقيقة والتضليل، وبين الخديعة والتوظيف السياسي، وبين السطو على السلطة والسطو على المستقبل، بين شهوة الحكم ونزوة العسكريتارية المتحكمة في جذاذات (الأحذية الثقيلة) العسكر.
في الجزائر كما في مصر وكما في كل التجارب التي شهدت تعطيل العسكر لعجلة التاريخ، لا ينبت القمح من أصابع تدربت على الزناد، ولا يثمر التفاح من يد تخلط كل الوقت في الذخيرة، الدبابة لا تحرث حقلاً، والرشاش لا يسقي نخلاً. مر قمح العسكر، ومر خبز العسكر، ومر حكم العسكر... هكذا خبرتنا الأيام في الجزائر.