يفتح "العربي الجديد" من خلال عدة تقارير تُنشر تباعاً ملف النفوذ الإيراني في المشرق العربي، يتناول تعداد المليشيات التي تعتمد عليها إيران لاختراق الدول العربية والسيطرة عليها وخارطة انتشارها، كما يتناول الاستراتيجيات السياسية والإعلامية والأدوات اللوجستية التي تستخدمها حكومة إيران لصناعة المليشيات.
إذ ينتشر في العراق نحو 5 آلاف مقاتل إيراني، وفقا لآخر تقديرات صادرة عن قيادات سياسية وأخرى أمنية عراقية مطلع العام 2017، وهي أقل نسبة تواجد لهم منذ نحو عامين، حيث بلغ تعدادهم نهاية العام 2015، أكثر من 12 ألفا، واستمر هذا العدد لحين انتهاء معركة الفلوجة، التي كان فيها الحرس الثوري ومليشيات "مدافعي الحرم" قوة رئيسة، بقيادة قائد فيلق القدس، قاسم سليماني.
ويبلغ عدد الإيرانيين المقاتلين غير التابعين للحرس الثوري الإيراني من مجموع الخمسة آلاف مقاتل في العراق حالياً نحو 1200 مقاتل، هم عبارة عن متطوعين يشكلون مليشيات دخلوا البلاد بشكل رسمي تحت شعار "حماية المراقد المقدسة".
التواجد العسكري الإيراني في العراق ليس حديث العهد، بل بدأ بشكل محدود مع الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، حيث نفذت وحدات خاصة من الحرس الثوري عمليات اغتيال طاولت ضباط سلاح الجو العراقي الذين شاركوا بالحرب العراقية الإيرانية، وقصفوا بطائراتهم المدن الإيرانية، والعاصمة طهران، فضلا عن اغتيال عناصر الأمن إبان نظام صدام حسين السابق، حيث اقتحم الإيرانيون عشرات المنازل ونفذوا عمليات إعدام ميدانية بالتعاون مع مليشيا "بدر". وحملت تلك العمليات اسم "الانتقام"، في إشارة إلى هزيمة إيران في حربها مع العراق بين عامي 1980 و1988.
غير أنه وخلال السنوات الثلاث الماضية، بدا التواجد العسكري الإيراني في العراق أكثر اتساعا وسيطرة، ليس على المؤسسة العسكرية العراقية فحسب، بل حتى في الأوساط السياسية والاجتماعية.
ويقسم التواجد العسكري الإيراني في العراق إلى ثلاثة أصناف: الأول هو الحرس الثوري الإيراني، والثاني قوات "الباسيج"، والثالث هو المليشيات المتطوعة للقتال في العراق، والتي تشترك مع نظيرتها السورية بعبارة (قوات المدافعين عن الحرم)، وتتخذ أسماء مختلفة تحت هذا العنوان.
وكانت أول مشاركة فعلية للقوات الإيرانية بشكل علني داخل الأراضي العراقية في معركة تكريت، التي شنتها القوات العراقية والتحالف الدولي لاستعادة المدينة من قبضة تنظيم "داعش" في مارس/آذار 2015، حيث شاركت قوات "الباسيج" والحرس الثوري الإيراني، وقتل منهم العشرات بينهم ضباط كبار خلال المعارك.
ووفقا لمسؤولين عراقيين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن "تواجد القوات الإيرانية في العراق عادة ما يكون مع مليشيات "الحشد الشعبي" في قواعدهم ومعسكراتهم العامة، أو مع الشرطة الاتحادية كون معسكرات الجيش وقواعده معرضة لزيارات مفاجئة من قبل الجيش الأميركي. كما يمكن العثور عليهم بسهولة في معسكرات أو ثكنات صغيرة، قرب أو داخل المراقد والمقامات الدينية المنتشرة جنوب العراق أو بغداد وسامراء".
ويؤكد مسؤول عراقي، تحفظ على ذكر اسمه، أنهم "يتواجدون في 11 منطقة عراقية وبمعرفة الحكومة، لكنها تتجنب الحديث عنهم أو عن سبب تواجدهم". ويشير إلى أنهم "يمارسون سلطة كما لو كانوا قوات عراقية دستورية"، وفقا لقوله.
وبحسب المسؤول نفسه، فإن مناطق تواجدهم الرئيسة هي مناطق حزام بغداد الشمالية والجنوبية كالمدائن والمحمودية والتاجي، وفي محافظة ديالى ومدن سامراء وتكريت وبيجي وجرف الصخر في محافظة بابل، فضلا عن بادية السماوة جنوب العراق.
وكان وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري قد أكد في تصريح سابق له أن "مشاركة طهران في الحرب على "داعش" في العراق جاءت بموافقة الحكومة العراقية، وأن "تواجد الإيرانيين على الأراضي العراق كان بموافقة عراقية".
في المقابل، فإن الحكومة العراقية لم تخفِ التواجد الإيراني في العراق بعد ظهور قائد الحرس الثوري الإيراني في عدد من المدن العراقية منها تكريت والفلوجة وغيرها، لكنها حاولت تغليف ذلك التواجد بغطاء المستشارين العسكريين، بحسب المراقبين.
واعترفت الحكومة العراقية بتلقيها ما وصفته بالدعم اللوجستي والعسكري من طهران وبشكل رسمي وتسلمها أعتدة وأسلحة من الجانب الإيراني، لكنها لا تصرح بشأن عدد الإيرانيين العسكريين الموجودين وطبيعة عملهم.
ودخلت أولى طلائع القوات الإيرانية إلى العراق منتصف عام 2014 بعد صدور فتوى المرجع الديني علي السيستاني بتشكيل ما يعرف اليوم بـ"الحشد الشعبي"، لتندفع ثلاث وحدات عسكرية من الحرس الثوري الإيراني إلى داخل الأراضي العراقية.
رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أعلن من جهته، في مؤتمر ميونخ للأمن مطلع 2016، أن "التواجد الإيراني في العراق يقتصر على مهام الرصد والاستشارات العسكرية فقط".
لكن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، اعترف بعدها بتواجد مقاتليه وضباطه في الأراضي العراقية، في تصريح لوكالة "مهر" الإيرانية مطلع 2016، مشيداً بالضباط الإيرانيين وقتالهم في مدن الرمادي والفلوجة وسامراء وتكريت وبغداد، الأمر الذي أحرج الحكومة العراقية حينها.
وكما هو الحال بالنسبة للقوات الإيرانية في سورية، فقد تكبدت القوات الإيرانية خسائر بشرية ومادية كبيرة اضطرت طهران للإعلان عن عدد من قتلاها، أبرزهم مساعد قاسم سليماني الجنرال حميد تقوي، حيث قضى قرب تكريت مع عدد من مرافقيه.
وبرزت قيادات إيرانية مليشياوية على مستوى الإعلام المحلي العراقي والعربي، أبرزها أبو مختار الإيراني، وأبو وهب، وأبو الحر، وظهروا في تسجيلات لهم في مناطق القتال، وهم يحرضون أفراد مليشيات "الحشد الشعبي" على تنفيذ عمليات انتقامية من السكان المحليين.
فيما برزت أسماء فصائل إيرانية خالصة مثل لواء ناصر والخراساني وعلي الأكبر، وهم إيرانيون جميعاً.
وتسربت العديد من الأسلحة الأميركية التي تصدرها الولايات المتحدة للعراق كمساعدات إلى القوات الإيرانية، وظهر الجنرال قاسم سليماني بنفسه يستقل عربة من طراز همر الأميركي في إحدى المعارك.
وحول ذلك يقول العقيد الركن، أحمد سعدي، من قيادة الفرقة 15 بالجيش العراقي وأحد الضابط الذين استبعدوا مؤخرا من الجيش العام الماضي إن "ظهور المقاتلين الإيرانيين ببنادق الـ "M16" الأميركية أو يستقلون عربات أميركية ناتج عن اختلاط محاور المعارك واشتدادها".
ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المقاتلات الأميركية مهدت في عشرات المعارك الطريق أمام القوات الموجودة على الأرض، ومنها الحرس الثوري والمليشيات الإيرانية لتحقيق تقدم ضد داعش".
ويبين أنه "بفضل الغطاء الأميركي حققت القوات التابعة لإيران انتصارات كبيرة، لذا فإن التواجد العسكري الإيراني مخدوم نوعا ما من الجيش الأميركي والتحالف الدولي". فيما يؤكد القيادي بمجلس العشائر المنتفضة ضد تنظيم (داعش) أحمد العسافي لـ"العربي الجديد" أن "القوات الإيرانية تعتبر أي عراقي هدفا لها، وتتصرف على أنها من عرق أسمى وأعلى حتى مع أفراد المليشيات التابعة لها". ويضيف "وجدت إيران في داعش الحجة لقتل العراقيين المدنيين، ونفذت مجازر كثيرة في أكثر من بلدة ومدينة عراقية".