بغداد محور انتخابات العراق: قلق الإسلاميين وتفاؤل التيار المدني

04 مايو 2018
غالبية صور المالكي تعرّضت للتمزيق (فرانس برس)
+ الخط -
كعادتها في الجولات الانتخابية التي شهدها العراق في السنوات السابقة التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، تلعب بغداد دوراً محورياً في تحديد القائمة الانتخابية الفائزة، إذ يحثّ عدد الناخبين فيها البالغ نحو 5 ملايين ناخب، وتنوعهم الديني والثقافي، على أن يرمي المرشحون والأحزاب ثقلهم فيها، خصوصاً زعماء العملية السياسية الجديدة في البلاد الذين عرفهم العراقيون من خلال مجلس الحكم الانتقالي المشكّل من قبل الولايات المتحدة عقب سيطرتها على العراق.

ويعكس العدد الكبير للمرشحين في بغداد حجم المعركة الانتخابية التي بدأت تتضح أولى ملامحها عبر حرب تمزيق الصور واللافتات الدعائية. ويتنافس 1985 مرشحاً في العاصمة وحدها، ويتوزّع هذا العدد الكبير من المرشحين على أكثر من 40 حزباً وتحالفاً انتخابياً، في حين يبلغ عدد المقاعد النيابية المخصصة لبغداد 71 مقعداً، بينها مقعد واحد للمسيحيين ومقعد آخر للصابئة، بحسب نظام الكوتا، وهي نسبة تعتبر ظالمة خصوصاً للمكون المسيحي الذي يعتبر مكوناً أساسياً في المجتمع البغدادي. وتعرّض المسيحيون إلى عمليات تهجير قسرية طاولت مئات الآلاف منهم في بغداد. لكن قانون الانتخابات الذي أقرّه البرلمان قبل سنوات، لم يراع ذلك، رغم أنّ المهجرين المسيحيين الذين يتواجد أغلبهم في فرنسا والسويد وأستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، يصوتون في مراكز المغتربين خارج العراق، عن دائرة بغداد. وتشير تقديرات وزارة التخطيط إلى أن عدد السكان في بغداد بلغ 8.318.696، يحق لما يقرب من 5 ملايين منهم التصويت في الانتخابات التي لم يتبقّ عليها سوى أقل من ثلاثة أسابيع.

البوصلة تتجه نحو اللادينيين

كشف مسؤول بارز في مفوضية الانتخابات لـ"العربي الجديد"، عمّا وصفه بـ"التطور الجديد في بغداد، حيث إن التيار الرافض لانتخاب الإسلاميين أو الأحزاب الدينية بشكل عام، تصاعد كثيراً في العاصمة خلال الشهرين الماضيين"، موضحاً أنّ شعارات مثل "بغداد للبغداديين" و"سكان بغداد الأصليين أحق بالانتخاب"، "هو تعبير آخر عن أن الانتخابات في العاصمة لن تكون محسومة لأي حزب من الأحزاب المشاركة". وأضاف المسؤول أن "في الكرخ والرصافة تيارا واسعا ويتسع كل يوم، يؤيد انتخاب المرشح المدني أو العلماني، خصوصاً إذا كان وجهاً جديداً. ويمكن ملاحظة أنّ زعماء الخطاب الطائفي من السنة والشيعة في بغداد، أحجموا عن التحدّث واللعب كثيراً على هذا الوتر في مناسباتهم الانتخابية، كونهم استشفوا مزاج الجمهور، وعرفوا أنّ هذه النغمة باتت وسيلة غير مضمونة للوصول إلى البرلمان"، معتبراً أن هذا التطور في بغداد "إيجابي جداً وقد ينتقل إلى البصرة والموصل باعتبارهما توأم بغداد في التمدّن والثقافة"، وفقاً لقوله.



ولفت المسؤول إلى أنّ "سياسيين بارزين تركوا مسقط رأسهم ومحافظاتهم الأم وانتقلوا للتنافس في بغداد، مثل (زعيم ائتلاف "دولة القانون") نوري المالكي، الذي ينحدر من محافظة بابل"، موضحاً أنّ "الأجواء الانتخابية تشي بأنّ المالكي لن يحصل على ما يتوقّع في بغداد، إذ إنّ التفاعل مع حملته هو الأقل من قبل سكان العاصمة، فضلاً عن أن غالبية صوره تعرّضت للتمزيق، في حالات أكثرها عفوي من قبل المواطنين، ويأتي بدرجة أقل منه (زعيم التحالف الوطني) عمار الحكيم". وأشار المسؤول إلى أنّ التوقعات تؤكد أن "المدنيين سيكونون حصانا أسود خلال هذه الانتخابات في بغداد".

من جانبه، قال المرشح عن تحالف "الفتح"، الواجهة السياسية الجديدة لمليشيات "الحشد الشعبي" في الانتخابات، كريم النوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تصويت بغداد سيكون مختلفاً من منطقة إلى أخرى ومن حي إلى آخر، بسبب التوجّه المذهبي والحزبي في الكرخ والرصافة"، مضيفاً أنّ "أهل بغداد سيصوتون لمن دافع عن وحدة العراق، ‏والمناطق التي لديها شهداء وجرحى ومقاتلون، بالتأكيد ستصوّت لمن قاتل ودافع عنها‏"، على حد تعبيره.

أما النائب عن ائتلاف الوطنية والمرشح الحالي عن دائرة بغداد، عبد الكريم عبطان، فتحدّث لـ"العربي الجديد"، عمّا يصفه بـ"ثورة وعي لدى الشارع العراقي هذه الفترة"، مضيفاً أنّ "هناك نفور من أصحاب الخطاب الطائفي في بغداد لكلا الطرفين". وتوقّع عبطان أن يكون التصويت للكتل المدنية "أكثر من أي وقت مضى"، معبراً في الوقت ذاته عن مخاوفه من أن يؤثّر المال السياسي على انتخابات بغداد "ليتم إعادة تدوير الشخصيات السابقة مرة أخرى".

وفي الإطار ذاته، اعتبر النائب عن الحزب المدني، أحمد الجبوري، أنّ "بغداد تمثّل الوجه الانتخابي الأكبر في العراق، وطابعها مدني أكثر من كونه إسلاميا، ولذلك ‏سيتم التصويت للمدنيين لا للأحزاب الدينية، شيعية كانت أم سنية"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الفرصة كبيرة جداً للتغيير والإصلاح، ولذلك لن يكون التصويت الطائفي كبيرا في العاصمة". وأكّد الجبوري أنه "إذا أراد الشعب التغيير والإصلاح، فعليه ألا يصوّت إلى أحزاب السلطة التي حكمت البلد 15 عاماً، ولاسيما الأحزاب الدينية. ‏التغيير لا يكون بتغيير الأشخاص داخل الأحزاب، وإنّما بتغيير الأحزاب نفسها، ولذلك نشهد اليوم تخوّفا كبيرا عند أحزاب السلطة، ‏لاسيما الأحزاب الدينية منها، من التغيير والإصلاح، وهي تحاول توظيف كل ما تمتلكه من نفوذ وسلطة ومال وإعلام، ‏للتأثير على النخبة العراقية، لمحاولة البقاء في السلطة. لكننا نعتقد أنه سيكون هناك تغيير كبير خصوصاً أنّ الأصوات تعالت ضدّ هذه الأحزاب".

 

التزوير واختلاق فتن طائفية

وتسري مخاوف بين سكان بغداد من عمليات التزوير. وفي هذا الإطار، قال محمد خالد (35 عاماً)، الذي يعمل أستاذاً في الجامعة العراقية ببغداد، إن "أغلب الذين يعرفهم يتحدثون عن الابتعاد عن انتخاب شخصيات من أحزاب إسلامية، ويبحثون عن المدني أو الأكاديمي أو الشخصيات الجديدة المعروفة بأخلاقها في محيطها"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجميع لا يريد تكرار المشهد السابق نفسه للذين حكموا العراق طيلة 15 سنة ماضية، ولكن أعتقد أنّ التزوير هو الهاجس الأكبر، وهو من سيعيدهم مرة أخرى رغماً عنّا".

من جانبه، رأى الخبير في الشأن السياسي العراقي، الدكتور علي الحيالي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "حجم الفشل الكبير ‏الذي مرّت به بغداد من انتشار الإرهاب والطائفية والفساد، وتراجع الخدمات، وسيطرة الإسلاميين وتشويهم لها، هو ما يدفع بالتيار المدني إلى التوسّع أكثر"، مضيفاً "لكن عملياً لا يمكن أن تتخلّى الأحزاب الإسلامية السنية والشيعية عن بغداد، وهي تقاتل الآن وتعتبرها معركة مفصلية. لذا يمكن القول إن انتخابات 2018 بداية ممتازة ستكون للمدنيين، لكن ليست إلى حدّ توصّلهم للتقدم على الأحزاب الحالية. وأعتقد أنه في الوقت الذي تستشعر الأحزاب الإسلامية أنها ستفقد بغداد فعلاً لصالح العلمانيين أو الليبراليين، فإنها ستفتعل فتنة طائفية جديدة تعيد الأمور في بغداد إلى مربعها الأول"، وفقاً لقوله.