تمايزت مواقف يساريين وإسلاميين في المغرب حيال الاحتجاجات التي تشهدها مدينة الحسيمة والمناطق الأخرى، والتي باتت تُعرف بـ"حراك الريف"، وتتواصل بوتيرات مختلفة منذ مقتل بائع السمك محسن فكري في الحسيمة في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. في المواقف الداخلية من هذا الحراك، فإن اليساريين المغاربة أبانوا عن دعمهم لحراك الريف، سواء من خلال تصريحات شخصيات أو ناشطين ينتمون إلى الطيف اليساري في البلاد، أو عبر مبادرات تؤازر المحتجين في مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية. أما الطيف الإسلامي فقد كان متوزعاً حيال واقع حراك الريف، بين من تجاهل ما يحصل في المنطقة، وبين آخرين رفضوا الخروج إلى الشارع لدعم الاحتجاجات، بينما إسلاميون آخرون أعلنوا تأييدهم للحراك بشكل متأخر.
دعم حراك الريف جاء مبكراً من قِبل التيار اليساري في المغرب من خلال تأسيس ناشطين وحقوقيين ينتسبون إلى خلفيات يسارية "اللجنة الوطنية لدعم الحراك بالريف"، أسابيع قبل تأجج الاحتجاجات في منطقة الريف. هذه اللجنة أعلنت فور تأسيسها عن تنظيم قافلة تضامنية وطنية "لدعم حراك الريف ومطالبه العادلة" تنطلق من كل مناطق البلاد صوب الحسيمة، غير أن القافلة المعنية لم تُنظَّم لعدم التجاوب الكافي. وخرجت شخصيات يسارية تدعم حراك الريف واحتجاجات أهالي الحسيمة، من أجل نيل حقوقهم وتحقيق مطالبهم التي يصفها يساريون بالمشروعة، كما كانت لهم مواقف منتقدة لاعتقال نشطاء وقيادات الحراك.
ولم تتردد الأمينة العامة للحزب "الاشتراكي الموحد"، القيادية اليسارية نبيلة منيب، في مهاجمة الحكومة لما اعتبرته ضعفاً في التجاوب مع مطالب الشارع، وأيضاً بسبب بلاغ الأغلبية الحكومية الذي اتهم بعض نشطاء الريف بالانفصال وخيانة الوطن. أما الناشط اليساري والمعتقل السياسي السابق صلاح الوديع، فاتخذ قبل أيام برفقة شخصيات أخرى مبادرة الذهاب إلى الحسيمة، بهدف لقاء نشطاء الحراك، ومحاولة التوسط بينهم وبين الدولة لوقف الاحتقان، لكن المحتجين رفضوا التجاوب مع هذه المبادرة، وطالبوا أولاً بحرية المعتقلين.
التيار اليساري وجد في الاحتجاجات القائمة في الريف نوعاً من "التعويض" على اختفاء حركة 20 فبراير التي انطلقت عام 2011 بالتزامن مع الربيع العربي، قبل أن تميل نحو الأفول بسبب خلافات داخلية وعوامل خارجية. ويرى الكثير من اليساريين في الاحتجاجات التي تعمّ مدينة الحسيمة ومحيطها، كما باتت تتمدد على مناطق أخرى في البلاد ولو بوتيرة أخف، حراكاً اجتماعياً وسياسياً جديداً يعيد الروح إلى جسد حركة 20 فبراير، باعتبارها تتوّج تطلعات وطموحات اليسار المغربي.
أما الإسلاميون المغاربة، فقابلوا حراك الريف بمواقف متعددة، وانقسموا بين من اعتبروا الاحتجاجات أمراً مشروعاً شرط الحفاظ على الاستقرار، ومن تجاهلوا ما يحدث، ومن دعا لعدم المشاركة في الوقفات المؤيدة للحراك. وأظهر جزء عريض من التيار السلفي نزوعاً نحو رفض الحراك القائم في الريف، سواء بتجاهل مشايخ السلفية لما يجري، أو حثهم على عدم تعريض أمن البلاد للمخاطر، وعلى رأسهم الشيخ السلفي عبد الرحمان المغراوي.
سلفيون آخرون، وإن لم يتقاسموا المرجعية الإسلامية نفسها مع المغراوي، أعربوا عن رفضهم لاستمرار الاحتجاجات في الشارع، ومنهم الشيخ محمد الفزازي، الذي اتهم الحراك بمحاولة ضرب استقرار الوطن، واستدل بالآية "ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون".
لكن سلفيين آخرين كانوا متهمين قبل خروجهم من السجن بتهم تتعلق بقانون الإرهاب، أظهروا نوعاً من الدعم للمحتجين في الريف، ومن بينهم الشيخ حسن الكتاني، الذي شدد على أن "العصا الغليظة لن تنهي حراك الريف، بل سينهيه حل مشاكله". كما ذهب الشيخ عمر الحدوشي إلى تأييد مطالب المحتجين في الريف.
وبدت الجماعة بهذا الموقف كمن لا يرغب في تصدّر المشهد، فهي تدعم الحراك في الريف، لكنها لا تريد أن تظهر في صدارته، وهو ما فسره أحد قيادييها بالقول "كلما خرجنا في حركة احتجاجية، اتخذها النظام ذريعة لضرب تلك الاحتجاجات". وأكدت "العدل والإحسان" أنها حاضرة في حراك الريف، باعتبار أنه "حيثما كانت هناك مطالب مشروعة ولها مقاربة سلمية، تكون الجماعة حاضرة، من دون أن تعنيها الصدارة، وإنما ما يعنيها مطالب الشعب"، وفق تعبيرها.
وبعد أيام من الهدوء النسبي، تجددت الاحتجاجات في إقليم الحسيمة وبعض مدن المغرب بعد صلاة التراويح ليلة الخميس، في الوقت التي دعت كل من "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" بعدم توجيه أي تهم مرتبطة بحرية التعبير أو التظاهر السلمي في حق قائد الحراك ناصر الزفزافي. واحتج سكان الحسيمة بقرع الأواني فوق سطوح المنازل وأمام أبواب المنازل، للتعبير عن احتجاجهم جراء الاعتقالات التي طالت نشطاء الحراك. ونشر بعض النشطاء الحقوقيين على شبكات التواصل الاجتماعية، مقاطع فيديو لهذه الأشكال الاحتجاجية الجديدة.