واختبرت إيران، أمس الأربعاء، ضمن مناورات سمّتها "قوة الولاية"، صاروخين باليستيين جديدين، أحدهما من طراز "قدر"، وهو صاروخ متوسط المدى، والآخر من طراز "شهاب" البعيد المدى. كما أجرت تدريبات أخرى على مراحل عدة، ومنها ما تم اختباره من منصات الصواريخ الباليستية الموزعة على عدد من النقاط الجغرافية في البلاد.
هذه المناورات أثارت قلق بعض الأطراف خارج إيران، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، الأمر الذي ترجم بتصريحات أميركية عدة منددة، أحدثها كان إعلان نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، أمس الأربعاء، من القدس المحتلة، أن الولايات المتحدة ستتحرك في حال تأكد قيام إيران بخرق الاتفاق النووي.
ولطالما شكلت منظومة إيران الصاروخية ملفاً خلافياً بين طهران والسداسية الدولية. وقد عطّل هذا الملف التوصل إلى الاتفاق النووي مرات عدة، فضلاً عن مطالبة أطراف غربية بالحصول على موافقة إيران لتفتيش مواقعها العسكرية، فيما أصر المسؤولون الإيرانيون على فصل الملفات، ورفض المساومة على المنظومة الصاروخية والقدرة التسليحية.
اقرأ أيضاً: وزراء خارجية دول الخليج يرفضون التدخلات الإيرانية
ويذكّر الجدل الحاصل حول هذه المناورات، بما وقع قبل مدة. فقد كشفت طهران في وقت سابق عن "صاروخ عماد" الباليستي المحلي الصنع، والبالغ مداه 1700 كيلومتر، وعرض الحرس الثوري مباشرة بعد ذلك، شريطاً مصوراً بثّه التلفزيون المحلي الإيراني يصور مقاطع من منصات ومدن صاروخية تحت الأرض. وعلق مسؤولون من الحرس الثوري على الأمر يومها بأنه لا يمكن لأعداء إيران الكشف عن مكان هذه القواعد الجاهزة لإطلاق الصواريخ في أي لحظة تتعرض فيها البلاد لتهديد أو لهجوم.
لم تمرر الولايات المتحدة الأميركية يومها الأمر بدون فرض عقوبات جديدة على أشخاص وشركات ترتبط ببرنامج إيران الصاروخي، وهو أمر اعتبره بعضهم في الداخل الإيراني خرقاً للاتفاق النووي الذي أعلن عنه، شهر يوليو/تموز الماضي، ودخل حيز التنفيذ العملي في شهر يناير/كانون الثاني الماضي. وما أثار الانتقادات الإيرانية كان تزامن فرض الحظر الجديد على شركات وأفراد إيرانيين مع صدور قرار إلغاء العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي. فالعقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق لم تشمل تلك المتعلقة بالسماح لإيران بالحصول على تجهيزات عسكرية. فقد أبقت السداسية على قرار منع طهران من الحصول على أي أسلحة غير دفاعية أو على أي معدات ذات أغراض مزدوجة لمدة خمس سنوات مقبلة. كما تم تعليق حصولها على أي صواريخ باليستية قابلة لحمل رؤوس نووية لثماني سنوات.
ومن هنا تعتبر طهران أن تطوير المنظومة الصاروخية لا يعني نقض الاتفاق ولا يعني الالتفاف على العقوبات، وهو ما جاء على لسان كل الساسة فيها، الذين ذكروا أن هذا الملف يشمل الصواريخ التي من الممكن استخدامها لحمل رؤوس نووية، وهو ما لا تريده طهران وما لا تمتلكه أساساً، حسب قولهم.
وفي السياق، قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، إن القدرة الدفاعية الإيرانية وأمن البلاد القومي خطان حمراوان لا مجال للنقاش حولهما، مضيفاً أن الهدف من المناورات الصاروخية الأخيرة هو إيصال هذه الرسالة لأعداء إيران.
ونقلت المواقع الرسمية الإيرانية عن جعفري، الحاضر في موقع المناورات، قوله إن فرض العقوبات على النظام التسليحي في إيران هو ما ساهم بتطوير الصواريخ وجعل البلاد تحقق اكتفاءً ذاتياً في هذا الصدد.
لكن استمرار الجدل بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة ثانية، قد يفتح ملفاً ربما ترتبط بعض نواحيه باتفاق البلاد النووي مع الغرب. وفي السياق، يقول رئيس تحرير وكالة مهر الإيرانية، حسن هاني زاده، في حديث لـ"العربي الجديد" إن سياسة إيران لا يمكن أن تتغير، فهي تركز دائماً على تشكيل قوة ردع تعتمد فيها على لغة العسكر. كما يشير إلى أن إيران ترى في الأمر حقاً لها كونها تطور أسلحة دفاعية لا هجومية، وفي الوقت نفسه تحاول الحفاظ على توازنها. ويلفت هاني زاده، في حديثه لـ"لعربي الجديد"، إلى إن البلاد لا ترى ارتباطاً بين النووي والصواريخ من الأساس، ولذا لا يمكن المساومة على هذا الملف المتعلق أصلاً بالقوات المسلحة وبالحرس الثوري الإيراني، ولكنه توقع فرض عقوبات جديدة على طهران، وربما نقل الملف لمجلس الأمن، بغية إضعافها والضغط عليها حتى بعد التوصل لاتفاق نووي، على حد قوله. وفي ما يتعلق بملف فتح باب المنشآت العسكرية الإيرانية الذي علّق التوصل لاتفاق نووي في وقت سابق، قال هاني زاده، إنه من المتوقع أن يدور الحديث عن منشآت ومواقع دون غيرها في المستقبل، وهو ما سيقابل بالرفض أو التصعيد حسب رأيه.
ومثلما يؤثر الملف الصاروخي على ملف البلاد النووي، لكن من جهة ثانية لا يمكن فصل توقيت إجراء هذه المناورات عن التطورات الإقليمية في بعض الدول التي تعني إيران بشكل مباشر، وخصوصاً أن تصريحات المعنيين تدل على الأمر.
وقد نقلت وكالة "أنباء فارس" الإيرانية عن قائد القوات الجو- فضائية، التابعة للحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده: "إن مهمة الحرس تتلخص بحفظ أمن واستقرار إيران، التي طورت صواريخها محلياً". لكنه اعتبر أن هذه الصواريخ ملك لكل الشعوب في فلسطين، سورية، لبنان والعراق. وفيما اعتبر حاجي زاده أن هذا لا يعني أن طهران تريد مد نفوذها، أضاف "لكن صواريخها تشكل مصدر خطر لأعداء الأمة الإسلامية ولظالمي تلك الشعوب" على حد تعبيره. كما أشار إلى أن "الصواريخ لن تستخدم خلال الحرب على الإرهاب في المنطقة، على الرغم من أنه أمر مقدور عليه". كما أشار إلى أن إسرائيل "باتت في مرمى الصواريخ الإيرانية"، وأن عداوة بلاده مع الولايات المتحدة ما تزالت قائمة وجدية، ومع ذلك لن تكون طهران الطرف البادئ بالحرب، لكنها قادرة على الدخول في صراع طويل إذا ما تعرضت لهجوم، على حد قوله.
بدوره أكد نائب قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، أن حزب الله يخزّن أكثر من مائة ألف صاروخ من هذه الصواريخ، وقال إن لدى إيران عشرات أضعاف هذه الكمية، وهي الصواريخ التي تتميز بأبعاد ومواصفات مختلفة. ونقلت المواقع الإيرانية عن سلامي أيضاً، إن بلاده مستعدة لنقل تكنولوجيا صنع الصواريخ لحلفائها "في جبهة المقاومة وفي العالم الإسلامي بغية مواجهة إسرائيل وأميركا وحلفائهم في المنطقة"، على حد تعبيره.
يعلق الخبير في الشؤون السياسية الإيرانية، هادي أفقهي، على هذه التصريحات، معتبراً أن "إيران وحلفاءها يشكلون جبهة تواجه أميركا وحلفاءها في المقابل". ووفقاً لأفقهي "ترى إيران أن من حقها تقوية نظامها العسكري بوجود كل التهديدات الأميركية والإسرائيلية من جهة، وتهديد الإرهاب المنتشر في المنطقة من جهة أخرى". ويعتبر أفقهي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن تركيز طهران على تقوية بنيتها الصاروخية والعسكرية في هذا التوقيت يأتي "لتأكيد امتلاكها قوة للردع، ولم يستبعد أن تزود طهران الحلفاء بتكنولوجيا صنع الصواريخ، وربما بيعها وتصديرها، وكل هذا بغية مواجهة المخاطر، وتحقيق التوازنات"، على حد قوله.
اقرأ أيضاً: شكوك بدور أميركي في إسقاط طائرات "شاهين" بالعراق