الملك حسم هوية الدولة، التي لم تستقر حتى الآن بشكل نهائي بأنها "مدنية"، وهي "دولة القانون التي تستند إلى حكم الدستور وأحكام القوانين في ظل الثوابت الدينية والشرعية، وترتكز على المواطنة الفاعلة، وتقبل بالتعددية والرأي الآخر، وتُحدد فيها الحقوق والواجبات من دون تمييز بين المواطنين، بسبب الدين أو اللغة أو اللون أو العِرق أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أو الموقف الفكري".
سبق الورقة النقاشية جدل بين ثلاثة تيارات، اجتهد كل منها في تقديم نفسه وصياً على هوية الدولة وآليات تحقيقها، وهي: تيار الدولة المدنية الذي تبلور بشكل أكثر نضجاً خلال الانتخابات النيابية الماضية، وتيار الدولة العلمانية المعزول على الرغم من نضالاته الطويلة في الدفاع عن توجهاته وتقديم التفسيرات الساعية لطمأنة المجتمع، وتيار المتدينين الذين يريدونها دولة إسلامية تقوم على العدل المستمد من القواعد الشرعية والتجارب التاريخية.
انحياز الملك في الورقة النقاشية، التي لم يجر عليها نقاش حقيقي، واستقبلها المختلفون نصاً مقدساً لا يقبل العبث لكنه يقبل التأويل، للدولة المدنية لم يحسم الجدل، فهو لم يقف في موقف المعادي أو المناهض للتوجهات الأخرى، ليصبح النقاش حول الورقة ينصب على قياس ما تضمنته، ما يفهم انحيازاً أو توافقاً لكل تيار من التيارات المختلفة.
التيار المدني عاش نشوة النصر، والتيار العلماني شعر بالارتياح كون الملك، على الرغم من تبيانه أن الدولة المدنية ليست مرادفة للعلمانية لم يحرض على الأخيرة أو ينتقص منها، وكذلك التيار الإسلامي وجد في استحضار الورقة للتراث الإسلامي المتعلق بالدولة المدنية التزاماً ملكياً بتوجهاته، لتدخل هوية الدولة مرحلة ضبابية يراها كل فريق بما يلائم مصالحه وتوجهاته. الجدل الحاضر حول هوية الدولة الأردنية، وورقة الملك النقاشية، مؤشرات على أن الدولة الأردنية، كما الدول العربية، لا تزال تعيش منذ استقلالها في مرحلة التيه.