ويكتسي قانون حق النفاذ للمعلومة أهمية بالغة لدى التونسيين، ولا سيما مع تنامي الوعي الجماعي بأنه سيكون رأس حربة الديمقراطية الحقيقية وسلاحاً تُحارَب به الإدارة في حال تكتمها أو امتناعها عن تمكين المواطنين أو أصحاب الاختصاصات والمهن التي تتطلب الاطلاع على بعض المعطيات من حقهم في النفاذ إلى المعلومة.
ولا يقتصر الجدل حول ضرورة تثبيت هذا الحق الدستوري الذي نص عليه الفصل 32 من دستور 2014، بل تطالب به أيضاً المنظمات الدولية المالية المانحة في إطار ما اشترطته على تونس من إصلاحات تشريعية تؤسس للشفافية والمساءلة.
وكان صندوق النقد الدولي قد اشترط على تونس سنّ خمسة قوانين وضعها في خانة الإصلاحات التشريعية العاجلة وهي: قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومجلة الاستثمار، وقانون الأسعار والمنافسة، وقانون رسملة البنوك العمومية وقانون النفاذ إلى المعلومة. وفي حين تمت المصادقة على ثلاثة من القوانين المذكورة، شهدت مناقشات مشروع قانون مجلة الاستثمار ومشروع قانون النفاذ الى المعلومة تردداً وأخذا ورداً من قبل الحكومة والبرلمان في ظل إلحاح صندوق النقد على التسريع في إنجاز ما تبقى من الإصلاحات.
اقرأ أيضاً الفساد في تونس: قولوا ما شئتم وسنفعل ما نريد
غير أن مشروع قانون النفاذ الى المعلومة يعدّ الأكثر إثارة للجدل، إذ أحالته حكومة مهدي جمعة في العام 2014 على المجلس الوطني التأسيسي الذي انتهت أعماله بدون أن يتمكن من مناقشته. وبدأت اللجنة المختصة في البرلمان بالنظر فيه مطلع العام 2015، لتصطدم بمشروع وصفه مراقبون بأنه يخنق الحق في النفاذ إلى المعلومة ويفرغه من محتواه بدل أن يضمنه ويلزم الدولة باحترامه.
ونصّ مشروع القانون في صيغته الأولى على أن يدفع طالب الوثيقة الإدارية رسوماً مالية لقاء الخدمة، ووضع استثناءات عدة تتيح للإدارة أن ترفض طلبه إذا ما تعلق موضوع الوثيقة المطلوبة بالأمن والدفاع أو الموازين الاقتصادية والتجارية للدولة أو المرتبطة بالعملة والقطاع المالي أو الدبلوماسية والاتفاقات مع الدول. وتظهر هذه الاستثناءات أنها شملت كل المجالات وفتحت الباب أمام الإدارة لتحمي رفضها الكشف عن الوثائق بالقانون الجديد.
ضمن هذ ا السياق، تعرض المشروع لانتقادات عدة من قبل الهياكل المهنية للصحافيين، دفعت لجنة الحقوق والحريات إلى تعديله. وتم إلغاء بند الرسوم المالية، فضلاً عن تقليص الاستثناءات. كما اشترطت أن تعلل الإدارة رفضها لصاحب الطلب أو أن يتم تغريمها في حال امتنعت عن الاستجابة بدون إثبات الضرر الذي سيلحقها إذا ما كشفت عن بعض المعطيات.
غير أن الحكومة التونسية لم ترضَ بالصيغة الجديدة للمشروع، فسارعت إلى سحبه مجدداً وأعادته للجنة بصيغته القديمة. وهو ما اعتبره عدد من النواب رسالة من السلطة التنفيذية التي تسعى للضغط على البرلمان كي يحافظ على الصيغة التي وضعتها ولا يحدث أي تغييرات على المشروع.
ويبدو أن الحكومة نجحت في التأثير على البرلمان، فقد لجأت اللجنة المختصة إلى إنهاء مناقشة المشروع بحضور أربعة فقط من أعضائها (من أصل اثنين وعشرين)، محافظةً على الاستثناءات. وهو ما نددت به منظمات عدة على غرار منظمة البوصلة التي اعتبرت ذلك استخفافاً بالمشروع، فضلاً عن نقابة الصحافيين، وجمعية الصحافيين البرلمانيين، اللتين عبرتا عن امتعاضهما من طريقة المصادقة عليه.
تعتبر عضوة المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، عايدة الهيشري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تغييب الهياكل المهنية للصحافيين خلال مناقشة هذا المشروع، الذي يعني الصحافيين بدرجة أولى، يعتبر مؤشراً سلبياً. ووفقاً للهيشري فإن التصويت على مشروع القانون داخل لجنة لم يحضر أعمالها إلا أربعة نواب يثير الريبة، لافتةً إلى أن "تحركات عدة ستنفذ في الأيام المقبلة لإقناع النواب بتغيير محتواه نحو تكريس الحق لا التضييق عليه".
بدوره يستنكر النائب عن الكتلة الحرة، عضو اللجنة البرلمانية التي تنظر القانون، مصطفى بن أحمد، ما اعتبره احتكار رئيسة اللجنة، المستقيلة من حزب "نداء تونس"، بشرى بلحاج حميدة، للقرار حول هذا المشروع. يقول بن أحمد في حديث لـ"العربي الجديد" إن بلحاج حميدة فقدت حقها في ترؤس اللجنة وتسيير أعمالها بعدما استقالت من كتلة "نداء تونس" وقررت الكتلة وضع رئيس جديد محلها. وهو ما جعل، بحسب تصريحه، هرولتها للمصادقة على المشروع أمراً مريباً.
من جهته، يؤكد عضو اللجنة عن الجبهة الشعبية المعارضة، أيمن العلوي، لـ"العربي الجديد"، أنه سجل اعتراضه على ما عمدت إليه رئيسة اللجنة وحملها المسؤولية الأخلاقية في التصويت على مشروع يعد من دعامات دولة القانون والمؤسسات في غياب باقي نواب الشعب.
غير أن رئيسة اللجنة تعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن المسألة أصبحت محل مزايدات سياسية، وأن اتهامها باستغلال تغيب زملائها لمناقشة المشروع وتمرير المضامين التي تريدها، محض تصفية حسابات سياسية. ووفقاً لرئيسة اللجنة، فإن المشروع في صيغته الحالية "يضمن حق النفاذ إلى المعلومة ويكرّسه ويجبر الدولة على تقديم المعطيات المطلوبة منها طالما لا يحدث الكشف عن هذه المعطيات ضرراً جسيماً على مصالح الدولة".
من جهته، يعتبر النائب عن الجبهة الشعبية، مساعد رئيس البرلمان، نزار عمامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ المجلس يعتبر هذا القانون ذا أولوية قصوى، وأنه استغرق حيزاً زمنياً هاماً في النقاش ووجب تمريره للجلسة العامة للتصويت عليه. ويؤكد أن إمكانية تغيير بعض الفصول وتعديلها لا تزال واردة يوم التصويت عليه، لافتاً إلى أن موعد الجلسة العامة لمناقشته لن يتعدى الأسبوع الأول من شهر مارس/آذار الحالي.
وينتظر ناشطو المجتمع المدني ومجموعات الضغط تحديد موعد للتصويت على المشروع في جلسة عامة، حتى يتم الضغط على النواب لتبني رؤية أكثر تحرراً بخصوص حق النفاذ إلى المعلومة وتحسين فصوله.
اقرأ أيضاً: بشرى بلحاج أحميدة لـ"العربي الجديد": "نداء تونس" انتهى