ارتكبت الطائرات الحربية الروسية مجزرة في ريف محافظة إدلب حصدت أرواح عشرات المدنيين. ورغم محاولة وزارة الدفاع الروسية التملص من المسؤولية عن هذه المجزرة، ومحاولة الإيحاء بأنها ناتجة عن "اشتباكات محلية"، لكن يبدو أن المجزرة جاءت كتعبير عن امتعاض روسي من التفاهمات التركية - الأميركية الأخيرة حول منبج، التي تجاهلت روسيا والنظام السوري. كما جاءت بعد توصيف وزارة الخارجية الأميركية "هيئة تحرير الشام" كتنظيم إرهابي، ما أعطى، بحسب مراقبين، الضوء الأخضر لروسيا لتصعيد استهدافها لمحافظة إدلب.
وقالت مصادر متطابقة إن عشرات المدنيين قتلوا ليل الخميس – الجمعة جراء قصف جوي من طائرات حربية روسية على الأحياء السكنية في بلدة زردنا الواقعة شمال مدينة إدلب، فيما تستمر عمليات البحث عن ضحايا تحت الأنقاض. وأكد الدفاع المدني في إدلب أن طائرات حربية روسية شنت غارتين على منازل المدنيين في زردنا، ما أدى إلى مقتل أكثر من 45 مدنياً، بينهم نحو ثماني نساء وثمانية أطفال وعناصر من الدفاع المدني، إضافة إلى إصابة أكثر من 80 آخرين.
من جهتها، نفت وزارة الدفاع الروسية، في بيان أمس الجمعة، قيام طائرات روسية بأية غارات على بلدة زردنا في محافظة إدلب السورية. وجاء في بيان الوزارة "كل أنباء المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن والخوذ البيضاء عن مزاعم توجيه الطائرات الروسية مساء 7 يونيو/حزيران، ضربة على بلدة زردنا في محافظة إدلب، لا تطابق الواقع". وزعمت الوزارة في بيانها أن هناك معارك طاحنة دارت في هذه المنطقة بين وحدات كبيرة تابعة إلى "تنظيم جبهة النصرة" و"جيش الإسلام" باستخدام المدفعية الثقيلة. جدير بالذكر إن "جيش الإسلام" غير موجود أصلاً في كل محافظة إدلب، وتوجه مقاتلوه بسلاحهم الفردي إلى أرياف محافظة حلب، بعد خروجهم قبل شهرين من غوطة دمشق الشرقية. وسبق أن قتل مدنيان وجرح خمسة الأربعاء الماضي، بقصف جوي يرجح أنه لطائرات النظام السوري على مدينة أريحا. وتعد مجزرة زردنا أكبر مجزرة تنفذها الطائرات الحربية في محافظة إدلب خلال العام الحالي، وتأتي بعدها مجزرة حارم في ريف إدلب الشمالي في 22 مارس/آذار الماضي، والتي راح ضحيتها 43 قتيلاً، بينهم 17 طفلاً. ويأتي القصف الجوي الروسي على الرغم من نشر نقاط المراقبة التركية في محيط محافظة إدلب المشمولة باتفاق "خفض التصعيد"، والتي كان الأهالي يأملون أنها ستحمي مناطقهم من عمليات القصف المدفعي والجوي.
ورأى المحلل السياسي، شادي عبدلله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن روسيا تدرك أن "اضطرار" تركيا للتعاون معها في بعض الملفات في سورية، لا يعني توحداً في الأهداف بينهما حيال الوضع في سورية، خصوصاً بشأن مصير رئيس النظام السوري، بشار الأسد. ومع ظهور مؤشرات تعاون بين الحليفين القديمين، تركيا والولايات المتحدة، بشأن منبج، فإن هذا لا يثير ارتياح موسكو، التي أرادت كما يبدو تذكير تركيا والأطراف الأخرى بأن ذراعها هي الطولى في المنطقة، وأنها قادرة على إفساد أية ترتيبات لا يتم التنسيق معها بشأنها. ورأى أن ما يشجع روسيا على ارتكاب مثل هذه المجازر هو توفر ذريعة "محاربة الإرهاب" مع وجود "هيئة تحرير الشام" في المحافظة، والتي صنفتها وزارة الخارجية الأميركية، قبل أيام، كتنظيم إرهابي، وهو ما قد يغطي مثل هذه الجرائم التي ترتكبها روسيا وقوات النظام، بينما تتركز المجازر التي ترتكبها الولايات المتحدة وطيران التحالف في الشمال السوري. وحول نفي روسيا لمسؤولية طائراتها الحربية عن المجزرة، قال عبدلله إن روسيا تكذب باستمرار، وعادة ما يصدر عنها مثل هذه البيانات التي سرعان ما يتضح عدم صحتها بسبب تناقضها الشديد مع الواقع. والمعروف أن الطيران الوحيد الذي يغير على إدلب اليوم هو الطيران الروسي، أو طيران النظام، والذي لا يمكن أن يقدم على ارتكاب هذه المجزرة من دون ضوء أخضر من روسيا.