وتوضح الهيئة في قرارها الخاص بمنظمات المجتمع المدني، أنّها ستنشئ قاعدة بيانات دائمة لمنظمات المتابعة المحلية والأجنبية، ما يعني إحكام قواعد اختيارها وعدم السماح بضم جمعيات جديدة أو إخراجها من لائحة المؤسسات المسموح لها بالمراقبة، إلا بإجراءات تالية على ضمها. وتشترط بالنسبة للمنظمات المحلية أن تكون المنظمة المتقدمة "حسنة السمعة ومشهود لها بالحياد والنزاهة، وأن تكون من أنشطتها الرئيسية مجالات متابعة الانتخابات أو دعم الديمقراطية أو حقوق الإنسان، وأن يكون مندوبوها مقيّدين بقاعدة بيانات الناخبين". وتظهر من ذلك مرونة شرط حسن السمعة والحياد والنزاهة، الذي سيمكّن الهيئة الوطنية من استبعاد أي منظمات غير مرغوب بها.
كما تضع الهيئة بالنسبة للمنظمات الدولية، الشرط "المطاطي" نفسه، أي أن تكون أيضاً حسنة السمعة ومشهوداً لها بالحياد والنزاهة، وأن تقدّم كل منظمة ملخصاً وافياً عن تاريخها وطبيعتها ووضعها القانوني وأنشطتها وسابق خبراتها في مجال متابعة الانتخابات والاستفتاءات، وأسماء الدول التي شاركت فيها في متابعة الانتخابات والاستفتاءات في السنوات الثلاث السابقة، مع بيان عدد وأسماء المتابعين المحليين الذين سيعملون لحسابها.
ومن الشروط الغريبة التي تضعها الهيئة لقبول قيد مندوبي المنظمات المحلية والأجنبية داخل اللجان الفرعية والعامة، وهم الذين سيكلّفون بمتابعة الاستحقاقات المختلفة، أن يكونوا محمودي السيرة وحسني السمعة، وألا يكونوا منتمين لأحزاب سياسية. وكأن الهيئة تشترط أن يكون المتابعون غير مسيسين بالمرة، رغم أنّ العديد من المنظمات المدنية تعتمد على شبان يكونون منتمين لأحزاب سياسية أو تيارات مختلفة، لكنها تكون ملزمة باتخاذ تدابير تضمن الحياد والشفافية.
وتلزم الهيئة المنظمات المختلفة بأن تعدّ عقب انتهاء الاستفتاء أو الانتخاب، تقريراً يرفع إليها، على أن تراعي فيه الحياد والاستناد إلى وقائع قابلة للإثبات والتقييم الفني للإيجابيات والسلبيات، وذكر الردود الرسمية على ملاحظات المنظمات. وهو ما يعكس إصرار الهيئة على التأكد من مطابقة التقارير التي ستصدر لرؤيتها الخاصة، علماً أنها ستحتفظ بحق مطلق في استبعاد أو إيقاف قيد المنظمات، في حالة مخالفة أي من الضوابط السابقة، ما يعني حرمان أي منها من المشاركة في متابعة الانتخابات المصرية مرة أخرى.
أمّا وسائل الإعلام، فستنشئ لها الهيئة قاعدة بيانات عامة أيضاً، وتشترط لضم الوسيلة المحلية أن تقدّم شهادة من المجلس الأعلى للإعلام الذي يرأسه حالياً مكرم محمد أحمد، يفيد بقيدها واستمرارها في مباشرة نشاطها، وما قد تثبت في حقها من مخالفات، ونوع المحتوى الذي تنشره، والسياسة التحريرية ومقرها واسم ممثلها القانوني، وملخص سابق عن خبراتها في مجال متابعة الانتخابات. أما بالنسبة لوسائل الإعلام الأجنبية، فستقدّم طلباتها إلى الهيئة العامة للاستعلامات والتي ستمثلها أمام الهيئة الوطنية للانتخابات.
وبذلك، ستكون الهيئة قد أدخلت للمرة الأولى في معايير موافقتها أو رفضها لمتابعة وسائل الإعلام للاستحقاقات الانتخابية، نوع المحتوى والسياسة التحريرية للوسيلة، والتي ستخضع بالطبع للتقييم من قبل الهيئة التي يشغل عضوية مجلس إدارتها قضاة منتدبون، ويضمّ جهازها التنفيذي ممثلين لهيئات حكومية مختلفة، وجميعهم موالون للنظام. علماً أنها تشترط كذلك للموافقة على متابعة الصحافيين الأفراد للانتخابات، أن يكونوا محمودي السيرة وحسني السمعة، وأن يكونوا مقيدين بنقابة الصحافيين أو الإعلاميين، ما يمثل قيوداً أكبر على متابعة الصحافيين الشبان ووسائل الإعلام الصغيرة لتلك الاستحقاقات.
وتضع الهيئة الوطنية على التغطيات الإعلامية 12 قيداً سيؤدي خرق أي منها لمعاقبة الوسيلة أو الصحافي، منها: عدم خلط الرأي بالخبر، مراعاة الدقة وعدم تجهيل المصادر، استعمال عناوين معبرة عن المتن، عدم نشر صور بعيدة الصلة عن الموضوع، عدم الخلط بين المسميات أو التعميم واقتطاع عبارات، عدم إجراء أي استطلاعات رأي في نطاق اللجنة، عدم الانتقاص من حقّ كل طرف في الرد والتعليق، عدم نشر إعلانات مجانية أو بمقابل للمرشّح، عدم استخدام الشعارات الدينية، وعدم توجيه أسئلة إيحائية ذات تحيّز واضح.
وهذه هي المرة الأولى التي توضع فيها مثل هذه القيود الموضوعية على عمل الصحافيين، ويكون فيها التدخّل إلى هذا الحدّ في صميم العمل الذي يزاوله المراسل أو المحرر، وصولاً إلى رئيس تحرير الوسيلة الإعلامية. وهو ما يواكب بشكل واضح الحملة الحكومية الشرسة على ديمقراطية الإعلام وشفافية تداول المعلومات باسم منع الشائعات، ومحاولة تأطير جميع الممارسات الإعلامية وقولبة المحتوى التحريري لمختلف الوسائل ليصبح متشابهاً لحدّ التطابق مع الخطاب الرسمي والبيانات الحكومية.
إلى ذلك، قالت مصادر قضائية في الهيئة الوطنية للانتخابات، إنّ إنشاء قاعدتين عامتين للمنظمات ووسائل الإعلام قبل إجراء استفتاء التعديلات الدستورية، يهدف إلى اختصار وتبسيط الإجراءات الخاصة بقيد تلك الجهات عند متابعتها للانتخابات البرلمانية والمحلية المتوقع إجراؤها بعد أشهر قليلة من تعديل الدستور.
وأكدت المصادر بهذا التوضيح ما سبق ونشرته "العربي الجديد" في فبراير/ شباط الماضي، عن استعداد النظام لإجراء سلسلة من الاستحقاقات الانتخابية عقب موافقة مجلس النواب نهائياً على تعديل الدستور؛ أولها سيكون الاستفتاء الشعبي على هذه التعديلات بعد إقرارها، ثمّ انتخاب مجلس الشيوخ نهاية العام الحالي، ثمّ انتخاب مجلس جديد للنواب. إذ إنّ التعديلات الجديدة تغيّر من قواعد انتخابه، خصوصاً بشأن نسبة النساء التي سترتفع إلى 25 في المائة، ثمّ انتخابات المحليات التي لن يتم تعديل تنظيمها المنصوص عليه في دستور 2014.
وأضافت المصادر أنّه سيتم تجميع بيانات جميع الصحافيين والمراسلين من جميع الوسائل المتقدمة للتغطية، خلال الأسبوعين المقبلين، ثمّ سيتم إرسال الأسماء والبيانات للجهات الأمنية لفحصها واستبعاد المعارضين أو المتهمين بالانتماء لتيارات إسلامية، وذلك بعدما كان اختيار أسماء المراسلين حكراً فقط على جهات عملهم الأصلية، فيما تمثّل هذه الإجراءات الجديدة تشديداً لما تمّ في الانتخابات الرئاسية الماضية.
والأمر نفسه بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني، التي سيتم اختيارها من الأساس بناء على ترشيحات أمنية، وسيتم إرسال أسماء وبيانات مندوبيها من الهيئة الوطنية، التي تدير جميع الإجراءات، إلى الجهات الأمنية، قبيل إجراء الاستفتاء للبدء في فحصها، بما في ذلك ممثلي المنظمات الأجنبية.
وتوقّعت المصادر أن ينخفض عدد المنظمات ووسائل الإعلام المنخرطة في تغطية الاستحقاقات المقبلة "بنسبة قياسية" بسبب الشروط المشددة الجديدة، أخذاً في الاعتبار أنّ عدد المنظمات التي تابعت الانتخابات الرئاسية الأخيرة كان أقلّ من سابقاتها بمعدل النصف تقريباً، بينما كانت نسبة وسائل الإعلام لا تزيد على 60 في المائة من إجمالي تلك التي غطت انتخابات مجلس النواب الأخيرة.
وكان السيسي قد أحكم سيطرته على هيئة الانتخابات منذ إصداره قراراً بتشكيلها في سبتمبر/ أيلول 2017، عندما تمّ اختيار أعضائها بواسطة وزير العدل حسام عبد الرحيم، المقرب بدوره إلى الدائرة الشخصية للسيسي، لصداقته بشقيقه القاضي أحمد السيسي. وعلى رأس هؤلاء المستشار لاشين إبراهيم لاشين (وهو صديق للوزير ولشقيق السيسي)، والمستشار محمود الشريف (صديق الوزير والأخ الشقيق للنائب أحمد حلمي الشريف عضو الأكثرية النيابية "دعم مصر"). بينما تمّ استبعاد المستشارة نادية الشهاوي، نائبة رئيس هيئة النيابة الإدارية، من ترشيحات عضوية مجلس الإدارة، لسبب واحد هو أنها شقيقة زوج المستشارة نهى الزيني، الباحثة الإسلامية والتي سبق وفضحت وقائع التزوير لصالح مرشحي "الحزب الوطني" المنحل في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، رغم أن الزيني لم تحاكم تأديبياً ولم تعاقب، وأثبتت التحقيقات صحة أقوالها عن وقائع التزوير.
كما تمّ اختيار القاضي علاء الدين فؤاد لمنصب مدير الجهاز التنفيذي، الموازي لمنصب الأمين العام للجان الانتخابات السابقة. وكان فؤاد سابقاً يعمل بوزارة العدل بدرجة رئيس بمحكمة الاستئناف. وتم تعيين أحد القضاة المنتدبين للعمل بوزارة العدل أيضاً كنائب للمدير، وهو أسامة غازي. أما النائب الآخر، فهو أستاذ القانون بجامعة عين شمس عاطف عبد الحميد حسن، والذي كان يشغل قبل ذلك عضوية اللجنة العليا للإصلاح التشريعي التابعة لرئيس الوزراء ووزير العدل. أما ثالث النواب فهو اللواء رفعت قمصان، وهو ضابط شرطة متقاعد، وكان يتولى إدارة الانتخابات بوزارة الداخلية منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهو أحد الذين زعموا في تحقيقات النيابة العامة تزوير انتخابات الرئاسة لعام 2012، لصالح مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي.